تحميل كتاب تاريخ وقواعد الحضارات بصيغة إلكترونية بدف pdf
معلومات توثيقية
العنوان: تاريخ وقواعد الحضاراتالمؤلف: فرناند بروديل
مقتطف من الكتاب
فإن الحديث عن الحضارة إنما يعني الحديث عن المواقع والأراضي وتضاريسها وعن المناخ والنبات وأنواع الحيوان ونوعيات الألوان النمو والتقدم ومظاهرها سواء ما جاء عن الفطرة أو كان من صنع البشر. وكل ما نجم وينجم لإنسان عن الزراعة وتربية الحيوان واستئناسه فضلا عن الأغذية والبيوت والملابس ومسائل النقل والصناعات حيث يتحكم المسرح الذي تجري فيه هذه المظاهر التي لا تنتهي جزئيا في هذه الانجازات ويفسر إلى حد كبير خصائصها ومميزاتها، فالبشر يجئون ويذهبون وتبقى هذه المظاهر متشابهة.
ما من مجتمع أو حضارة إلا كان نابعا من منجزتها الاقتصادية والتكنولوجية التقنية والبيولوجية والديموغرافية وظروفها المادية عامة، فأما البيلوجية فلها تأثير بلا نهاية له على مصير الحضارة، فانخفاض أو إرتفاع عدد البشر، ازدهار أو تدهور الصحة العامة، انطلاق او ازدهار أو تدهور الاقتصاد أو العوامل التكتيكية تنعكس عبر البنيان الثقافي كما تنعكس عبر البنيان الاجتماعي والاقتصاد السياسي في معناه الشامل هو دراسة كل هذه المسائل الهائلة.
ولقد كان الإنسان هو الأداة الوحيدة التي حركت هذه الأمور، فهو من ثم هو الصانع الأوحد لكل حضارة مادية ومشيدها صنعها بيديه. وواقع الأمر منذ البداءة أن إرتفاع عدد السكان في المجتمع يؤدي إلى إرتقاء عناصر الحضارة كما وقع لأوروبا في القرون الثالت عشر والسادس عشر والثامن عشر وكذلك القرن العشرين.
وقد ارتبط ازدهار هذه المجتمعات بارتقاء الازدهار الاقتصادي، على حين يؤدي ازدياد عدد السكان مع تدهور الاقتصاد إلى مشاكل المجاعة أو انتشار الأمراض والأوبئة، كما نشهد اليوم في أغلب شعوب العالم الثالثة وما تعارفنا على تسميته اليوم بالعالم النامي، وذلك فضلا عما يصيب هذه المجتمعات من تدن في الأجور وانخفاض العائد من العمل ومن ثم فربما انطلقت الانتفاضات الشعبية الثائرة حيث تشب عديد من الثروات.
وقد شاهدنا أوروبا في النصف الثاني من القرن الرابع عشر وباء الطاعون الأسود وما أعقبه من مجاعات، جعل المجتمعات التي اجتازت تلك الدورات من الانحسار فعاشت في ظروف افضل وأيسر مما سبقها بما استأنفت من أسباب الازدهار حيث قلت عدد السكان وظلت تتمتع به امدا غير يسير وكأنما كان ذلك كان دورة حضارية طبيعية من ازدهار ثم تدهور يعقبه ازدهار ومن ثم فلم يكن غير ظهور حركة التصنيع وازدهارها في نهاية القرن الثامن عشر والتاسع عشر قاضيا على تلك الحلقة فمنحت الإنسان أو بالأحرى ردت إليه قيمته وفرصة العمل والعيش، ويوضح تاريخ أوروبا هذه القيمة المتنانية للانسان فكان من نتيجة ذلك الدفع الحضاري والصناعي أن نما اقتصاد تلك المجتمعات التي أدركت ما تتيحه الصناعة التي تقدمت باختراع الآلات المحركة وتطورها. "
Lien de téléchargement en PDF