تحميل كتاب درعة ما بين القرن 17-20 دراسة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية من خلال الوثائق المحلية بصيغة إلكترونية بدف pdf
معلومات توثيقية
مقتطف من الكتاب
ويعتقد أن هذه الأقوام الذين استوطنوا بلاد درعة، قد هاجروا من الصحراء الكبرى بعدما داهمها الجفاف وتغيرت أحوالها المناخية، ولعل ما يؤكد هذا الاعتقاد الطابع الصحراوي لهذه الوحات سواء على مستوى النسيج العام لسكان المنطقة، أو على مستوى العادات والتقاليد التي ظلت تحتفظ ببعض التأثيرات الصحراوية الافريقية على عهد قريب. فهل يمكن القول أن هذه المجموعات البشرية السوداء والمجموعات الخلاسية هم أسلاف الحراطين، ليس في وحات درعة فحسب وإنما في كل الوحات المنتشرة في الأطراف الشمالية للصحراء الكبرى حيث تؤكد كل القرائن والمعطيات على أن هذه المجموعات البشرية كانت تستوطن مناطق الوحات منذ عشرات القرون.
تعتبر القبائل الأمازيغية الصنهاجية من أكبر التجمعات القبلية البربرية التي استوطنت المغرب الأقصى إلى جانب قبائل الزناتية والمصمودية. وتنحدر القبائل الأمازيغية الصنهاجية من أصول غامضة ومبهمة وكل يتضح ذلك من الطروحات الاحتمالية التي كان نسابة البربر يسوقونها حول أصول هذه القبائل. ونستفيد من بعض الإشارات التاريخية القديمة، أن رعاة المازيك أسلاف الأمازيغيين الصنهاجيين، كانوا يمارسون الرعي والترحال في المناطق الممتدة ما بين جنوب شرق الجزائر وجنوب غرب ليبيا الحالية. وبالرغم من أننا لا نعرف متى نزح هؤلاء المازيك نحو الجنوب المغربي، فإن كل القرائن تدل على أن رعاة المازيك قد تعرضوا خلال القرون الميلادية الأولى، لضغوط قوية من المجموعات البشرية التي نزحت من الجنوب المغربي وقد تمكن رعاة المازيك من السيطرة على الاتيبيون الدرعيين الذين كانوا يشتغلون بالزراعة في الوحات الدرعية.
وتدل كل المعطيات التاريخية على ان رعاة المازيك الذين نزحوا إلى الجنوب المغربي خلال القرون الميلادية الأولى، ليسوا في الواقع إلا أسلاف القبائل الأمازيغية الصنهاجية، ولعل ما يدعم هذا الافتراض أن النسابين البربر ومن أخذ عنهم من المغاربة الذين اهتموا بتاريخ البربر عامة، والأمازيغيين خاصة، يؤكدون على أن الجد الأعلى لقبائل صنهاجة هو مازيغ بن كنعان، ولا تزال قبائل أيت عطا تفخر على أندادها من القبائل الأخرى بأنها من الأمازيغيين، وهكذا يتضح لنا انا القبائل الصنهاجية لها صلة تاريخية برعاة المازيك، خاصة أن كلمتي مازيغ ومازيك متقاربتين من حيث التركيب ومخارج الحروف، وتبقى ممارسة الرعي والترحال والارتباط بالصحراء من أقوى الوشائج بين المازيك وأخلافهم من الأمازيغيين الصنهاجيين.
كانت القبائل الزناتية تتجاور مع القبائل الصنهاجية من الناحية الشرقية، وتعتبر قبائل زناتة المنافس التقليدي والتاريخي لقبائل صنهاجة، حيث كانت المجموعتان تتغالبان على مواطن الكلاء والرعي وتتبدلان السيطرة والمراقبة على الطرق التجارية الصحراوية وكان من نتائج هذا التدافع بين المجموعتين أن أصبحت مواطن الصنهاجيين في شرق المغرب وجنوبه متداخلة مع مواطن الزناتيين بشكل جعل جل المؤرخين يرتبكون في ربط القبائل الصغرى بهذه المواطن بأصولها الكبرى". "
Lien de téléchargement en PDF