تحميل وقراءة كتاب "المغرب العربي الحديث من خلال المصادر" بصيغة إلكترونية PDF.
معلومات عن الكتاب :
العنوان : المغرب العربي الحديث من خلال المصادر.
تأليف : دلندة الأرقش وجمال بن طاهر وعبد الحميد الأرقش.
تاريخ الإصدار : 2003م.
الناشر : مركز النشر الجامعي 'ميديا كوم' تونس.
عدد الصفحات : 478.
حجم الكتاب : 14.8 ميجا.
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
Ebook download PDF
مقتطف من الكتاب :
"القبيلة : نمط تنظيم يتحدى التاريخ ؟
إن مقاييس التعريف الثابتة للتنظيم القبلي، والتي تجعل من القبيلة حقيقة بنيوية تتجاوز الظرف ونمطا يصمد أمام الزمن هي النسب الذي يسمح بتصنيف المجموعات القبلية حسب تسلسلها العرقي، حتى وان كان ذلك النسب مزعوما والتضامنات المؤسسة للعصبية التي تربط بين الأفراد المنحدرين من أصل واحد.
إنطلاقا من هذه المقاييس الثابتة والتي يكتسي فيها التصور القبلي بعدا قيميا تشكلت النظريات الانتروبولوجية الحديثة كالانقسامية، كما تأسست النظريات القديمة كنظرية ابن خلدون.
إن استمرارية هذا النمط الأصلي منذ العهود السابقة للاسلام، مرورا بالمراحل الاسلامية المختلفة، وحتى بداية العهد الاستعماري، تطرح مسألة قدرة النمط على التكيف مع ظرفيات مختلفة، والقدرة على التكيف تعني استمرارية النمط في التصور والسلوك مع تغيره في الواقع وفقا للشروط الجديدة.
والبحث في أشكال ومضامين التغيير والتكيف هو ميدان عمل المؤرخ قبل غيره، كأن ندرس مثلا تطور علاقة المخزن بقبائل منطقة محددة في الفترة الحديثة او انتقال مجموعة من القبائل من الحياة الرعوية الى الحياة الزراعية على إثر التحولات الاستعمارية.
أما البحث في العناصر الثابتة والتي تحدد التضامنات الداخلية والصراعات والتصورات الجماعية المشتركة فقد مثل المجال المفضل لعلماء الاجـتـمـاع والانتروبولوجيا لأنه مجال البناء النظري المرتكز على البنية الاجتماعية في استقلالها الكامل أو النسبي عن الظرف والمتغيرات.
إن قدم الظاهرة القبلية ورسوخها في شمال افريقيا أمران لا نقاش فيهما، وعندما نتحدث مثلا عن البربر ومقاومتهم سواء للدولة الرومانية الزاحفة أو فيما بعد للتوسع الاسلامي، فان ذلك يعني مقاومة المجموعات المحلية المنتظمة في شكل قبلي سبق مجيئ الرومان وعاصره كما سبق مجيئ الاسلام وتكيف معه.
وحتى انتشار الاسلام في دواخل المغرب فقد تم بشكل تدريجي ولكن جماعي أي من خلال القبائل نفسها التي اندمجت في الاسلام وعبرت من خلاله عن تذمراتها واحتجاجاتها بنفس الحماس الذي قاومته به من قبل.
والظاهرة التي وصفها لنا ابن خلدون في القرن الرابع عشر هي تلك البنية القبلية التي لعبت دورا محوريا في جدلية البناء والهدم وإعادة بناء مؤسسة الدولة في المغرب الاسلامي في العصر الوسيط.
وبالرغم من ان النمط الخلدوني، لتكرر قيام الدول وسقوطها على قاعدة العصبية القبلية لم يعد نافذا في المغرب بعد الاستقرار العثماني في كل من الجزائر وتونس وقيام الدولة السعدية على قاعدة الشرف في المغرب الأقصى، فإن الظاهرة القبلية كنمط اجتماعي وسلوكي بقيت فاعلة.
واستمرت هذه الظاهرة تغذي العديد من الدراسات والنظريات التي ركزت في معظمها على واقع الانقسام والصراع سواء بين القبائل والسلط المركزية في المدن او داخل المجتمع القبلي ذاته حيث تتكون التحالفات والتضامنات على أساس الصفوف الداخلية بين العشائر والعروش او الصفوف القبلية عندما يتعلق الأمر بمواجهة خصم خارجي » مثلما حدث زمن الحرب الأهلية في تونس في النصف الأول من القرن الثامن عشر حيث انقسمت القبائل التونسية بين أنصار حسين بن علي (حسينية) وانصار علي باشا (باشية).
وفي مجال البناء النظري التحليلي، كانت المدرسة الأنجلو .
سكسونية سباقة الى سحب التحليل الانقسامي على مجتمعات المغرب.
ويعود هذا السبق الى التراكمات والاتجاهات الجديدة التي عرفتها الانتروبولوجيا الاجتماعية الأنجلو - سكسونية المعاصرة، وما ترتب عن ذلك من إعادة توجيه الدراسات ة في اتجاه التحليل البنيوي والتخلي أكثر فأكثر عن مقولات المدرسة الوظيفية التي اسسها مالينوفسكي.
ومثلت القارة السوداء الفضاء الخصب الذي طورت فيه البنيوية دراساتها للظواهر الاجتماعية.
فنشأت نظرية «الفضاء الاجتماعي الواحد» (espace social unique) التي ترتكز على مفهوم الصراع الاجتماعي (م. قلوكمان - 1949) في ضوء مقاربات جديدة للمجتمعات الافريقية.
وأولى الدراسات التي ركزت على مفهوم الانقسام أو الصراع داخل المجتمعات القبلية الافريقية هي الدراسة التي وضعها ايفانس بريتشارد حول مجموعات النوير بالسودان (بریتشارد (1940).
ومن خلال هذه الدراسة تلمس استعامالا منهجيا لمفهومي الالتحام (fusion) والانقسام (fission) في إطار صراع ووحدة التقسيمات داخل البنية الاجتماعية، وأطلق بريتشارد على ذلك الواقع صفة «الفوضى المنظمة» مفسرا توازن ووحدة ذلك المجتمع بانقساميته.
وفي دراسته اللاحقة حول الحركة السنوسية في ليبيا (1949) توصل بريتشارد الى استنتاجات مماثلة في مستوى التنظيم الانقسامي.
ومن أبرز الخصائص التي ركز عليها استنتاجه :
- وحدة المجال القبلي الذي يتشكل حول الأراضي والمراعي الجماعية.
- الانتساب الى جد واحد يعطي اسم المجموعة، وتجسيد ذلك الانتساب المشترك بأضرحة الجد المؤسس وأبنائه.
- انقسام القبيلة الى فروع وسلالات متوازية.
على أساس تلك الاستنتاجات الميدانية، قام ارنست فلتر بإعادة قراءة الواقع القبلي في شمال افريقيا وفقا للنظرية الانقسامية.
واستند في دراسته وتحليله الى رصيد الابحاث التي قام بها روبير مونتان و دراساتها توطو ولوتورنو فاقتبس منها مفهوم «الديمقراطية القبلية» و طبقه على قبائل الأطلس الكبير (قلنر 1969).
وكانت مقاربته تنطلق من ثنائية البنية والموقع.
فالخاصية البنيوية هي ! الانقسامية والخاصية المتصلة بالموقع هي الهامشية.
فالانقسامية تعني هنا سيطرة النسب الأبوي وانعكاس علاقات القرابة الدموية على مستوى المجال والتضامنات الداخلية التي تخضع لمبدأ الانصهار والانشطار.
فالقبيلة تتألف من فروع تسمى العروش، وتتفرع العروش بدورها الى بطون تنقسم بدورها الى سلالات او عائلات واسعة تضم الأفراد المنحدرين من نفس الأب والمكونين لعائلات «نووية».
وتكون هذه التقسيمات متساوية ومتوازية رغم تفاوت احجامها.
وتتحدد العلاقات بين مختلف التقسيمات المتوازية وفق قانون الصراع والتضامن، فالصراع هو حالة طبيعية تنشأ بين أطراف موازية ضمن السلالة او العرش، ويقوم الصراع حول خلافات او نزاعات داخلية، عادة ما يقع فضها داخل الوحدة نفسها.
غير أن حالة الصراع والتضاد داخل سلالة او قسيمة سرعان ما تنتفي وتتحول الى تضامن الي عندما يظهر خطر خارجي إما من فرع مواز أو من قبيلة اخرى.
وفي مستوى أعلى تتحد كل فروع القبيلة وتتجاوز صراعاتها
الداخلية أو عبر . القبلية لتواجه خطر قبيلة أخرى تنازعها الأرض أو النفوذ أو خطر السلطة المركزية نفسها."
رابط تحميل الكتاب
