كتاب "التاريخ والحقيقة لدى ميشيل فوكو" للدكتور السيد ولد أباه - أونلاين بصيغة إلكترونية online pdf
معلومات عن الكتاب :
إسم الكتاب : التاريخ والحقيقة لدى ميشيل فوكو.
المؤلف : السيد ولد أباه.
الناشر : دار المنتخب العربي للدراسات والنشر والتوزيع.
الطبعة الأولى : 1414 هـ - 1994 م.
عدد الصفحات : 276 ص.
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من الكتاب :
"فلسفة فوكو كمنهج تاريخي جديد
أما بخصوص علاقة فوكو بمناهج الكتابة التاريخية الحديثة، فقد أشرنا إلى بعض أوجه القرابة التي تربطه بمدرسة «الحوليات والمناهج التي تولدت عنها؛ وقد كان الاعجاب بين فوكو وبروديل» متبادلاً وان اختلفت مواضيع اهتها مهما كما كانت علاقته وثيقة ببول فاين P.Vayne) وأريس P. Aries) ودسرتو .M أن Decerteau) وفي حين بعض المؤرخين حمل بشدة على منهج فوكو، وطعن في دقة استنتاجاته وحصيلة بحوثه؛ نجد البعض الآخر أشاد بهذه المباحث والاستناجات واعتبرها ثورة في التاريخ.
في هذا السياق نشير إلى أن كتابه الرقابة والعقاب» قد أثار جدلاً واسعاً في صفوف المؤرخين؛ وقد هاجمه ليونار» Leonard في مقالة لاذعة اتهمه فيها بجهل الكثير من التفصيلات والوقائع المعروفة لدى المؤرخين کالاصلاحات القضائية في عهود الثورة والامبراطورية، واتهمه كذلك بالميل إلى القفزات الكبرى وتجاوز دقائق الامور وان كانت بعض فرضياته خصبة وهامة. أما (بورديه) G. Bourdé و مارتين M. Martin فيشيران إلى أن علاقة فوكو بمدرسة الحوليات تبدو جلية في مقدمة كتابة «حفريات المعرفة حيث يعتمد فوكو بوضوح «التحليل التسلسلي» الذي يتأسس على مفهوم الانفصالية وضبط القطائع والشروخ الدالة والتمييز بين الطبقات الزمنية التي تناسب مستويات مختلفة من الواقع.
في هذا السياق لا بد من تركيز خاص على الدراسات الهامة التي خصصها المؤرخ الفرنسي الشهير بول) فاين لمنهج صديقه فوكو، حيث اعتبر أعماله الحدث الفكري الأكثر أهمية مع قرننا.
إن فوكو، بالنسبة لفاين، هو صاحب «ثورة كبرى في كتابة التاريخ، تدشن أفقاً منهجياً جديداً، وتضع مقومات تأسيسية لا سبيل لتجاهلها».
ويرفض فاين بشدة القراءة البنيوية لاعمال فوكو، موضحاً أن الحدث الاساسي لفوكو ليس الخطاب ولا البنية ولا القطيعة بل هو «الندرة» La rareté (بالمعنى اللاتيني: أي أن الوقائع الانسانية نادرة لا تظهر داخل «اكتمال العقل»، بل يحيط بها الفراغ وترتبط بوقائع أخرى قد لا يخمنها تفكيرنا، فما هو كائن قد لا يقع، فالوقائع الانسانية اعتباطية arbitraires حسب عبارة «مارسال موس» .M.Maus.s: إنها ليست بديهية ولا شفافة وإن بدت كذلك.
إن فوكو إذن ليس فيلسوف الخطاب، ومن يرجع إلى حفريات المعرفة يقرأ فيه بوضوح:
«بعبارة واحدة إننا نريد بالفعل أن نتخلص من الأشياء».
ففوكو ليس لاكان»، ومباحثه لا تتعلق بالسميولوجيا، وعبارة «خطاب) تأخذ عنده معنى فنياً جد خاص، بحيث لا تعني «ما يقال إن عنوان كتابه الكلمات والأشياء» عنوان تهكمي صارخ. ولئن كان بدأ كتاباته الأولى في أوج الحمى البنيوية، وركز فيها على الخطابات بدل الممارسات، فإن علاقة منهجه باللسانيات تظل علاقة جزئية أو عرضية أو ظرفية).
إن تاريخية فوكو تندرج بالنسبة لفاين في فلسفة جديدة للممارسة ترجع جذورها الفلسفية إلى نيتشه، وتقطع بصفة حاسمة مع رواسب الهيغلية والماركسية وفلسفات الوعي. فبالنسبة اليه ليست الممارسة مستوى غامضاً من الواقع، أو حقلاً باطنياً، أو محرك ركاً خفياً، إنها ما يفعله الناس، وإن بدت خفية، فهي كالجزء الخفي من حجرة الثلج، وذلك لأنها كغيرها من أنماط السلوك البشري نعيها دون يكون لدينا تصور محكم حولها.
ومن هنا فإن المواضيع وإن بدت تحدد سلوكنا، إلا أن ممارستنا ـ بالنسبة لفوكو ـ كما يقول فاين هي التي تحدد مواضيعها، فلننطلق إذن . من هذه الممارسة ذاتها، بحيث أن الموضوع المتعلق بها ليس كذلك إلا من حيث علاقته بالممارسة فالموضوع تابع للممارسة ولاحق عليها ولا يمكن أن يوجد قبلها.
ففوكو إذن لم يكتشف مستوى جديداً اسمه «الممارسة» لم يكن معروفاً حتى اليوم: إنه يرينا ممارسة البشر كما هي في الواقع، ويصف لنا بدقة جوانب هذه الممارسة التي ليست طبقة نفسية كالهو الفرويدي) أو محركاً أول (كعلاقات
الانتاج).
إن منهج فوكو ـ حسب فاين - يكمن في فهم أن الأشياء ليست سوى موضعات لممارسات محدّدة Objectuation ولا بد الكشف عنها لأن من الوعي لا يتصورها. وهذا الكشف الذي يتم من خلال مجهود في الرؤية، هو تجربة أصيلة وشيقة» يدعوها «التطفيف».
إن الخطأ هو اعتبار موضوع الممارسة موضوعاً طبيعياً معروفاً، لا يتحول كالجنون أو الدولة... فكل ممارسة تولد الموضوع الذي يناسبها... والمواضيع الطبيعية لا توجد وكذلك الاشياء. إنها ملحقات على الممارسة، فوهم الموضوع الطبيعي يخفي الطابع التعددي للممارسات؛ فلا توجد سوى أشكال متعددة من الموضعة تلازم ممارسات متعددة وليست هناك وحدة جامعة لها؛ فوهم الموضوع الطبيعي هو الذي خلق شعوراً غامضاً بالوحدة وهكذا تصبح الرؤية مشوشة، وتصبح كل الأشياء متشابهة. إنه الوهم الغائي الأزلي المتمثل في الطموح الدائم إلى هدف مثالي».
وهكذا في مقابل فلسفة الموضوع كغاية أو سبب يقترح فوكو فلسفة جديدة للعلاقة». فالممارسة تقدم أشكال الموضعة التي تناسبها وتنغرس في وقائع اللحظة، أي موضعات الممارسات المجاورة أي أنها تملأ بفعالية الفراغ الذي تخلفه تلك الممارسات فتحقق ما كان كامنا.
إن ملاحظات فاين السابقة تمهد بوضوح إشكاليتنا في هذا البحث، باعتبارها تلمس عن قرب الفكرة الاساسية التي أردنا بلورتها وتعميقها أي النظر إلى مباحث فوكو من وجهة تاريخية الحقيقة، التي تقتضي بوضوح منطلقات فلسفية حاولنا الاشارة اليها، كما تستعير بجلاء الجهاز الابستمولوجي المذكور آنفاً، كما أنها تندرج في سياق الافق الجديد الذي دشنته المدارس التاريخية المعاصرة؛ إلا أنها لا يمكن أن تختزل في أي من اللحظات والمواقف التي ذكرنا سابقاً، ومن هنا كانت العلاقة الوثيقة بين التأمل الفلسفي وممارسة التاريخ لديه.
إن أهمية التاريخ لديه - كما يقول فاين - ليس بلورة مجموعة من «الثوابت» الفلسفية أو العلمية، بل استخدام هذه «الثوابت» مهما كانت طبيعتها لتقويض العقلانيات التي لا تفتاً تنشأ وتتشكل إن التاريخ هنا هو «جينالوجيا نيتشوية» وشكل من أشكال الفلسفة في انفصال كامل عن التصور التجربي الذي ينظر إلى التاريخ عادة من خلاله.
إنه تاريخ «هزلي» Humoristique أو تهكمي Ironique، يقوّض المظاهر، من هنا طابعه النسبي، التشكيكي ما دام ينكر وجود المواضيع الطبيعية»، إلا أن فوكو ليس فيلسوف «النسبية» أو «الشك»؛ إذ الفيلسوف النسبوي هو الذي يرى أن البشر فكروا في نفس الموضوع بطرق مختلفة، كما أنه ليس متشككاً وإنما يذكرنا فقط بأن مواضيع علم ما ومقولاته ليست حقائق أزلية."
رابط تحميل الكتاب