كتاب ما بعد الحداثة والتنوير: موقف الأنطولوجيا التاريخية - دراسة نقدية تأليف د. الزواوي بغوره - أونلاين بصيغة إلكترونية online pdf
معلومات عن الكتاب :
إسم الكتاب : ما بعد الحداثة والتنوير: موقف الأنطولوجيا التاريخية - دراسة نقدية
المؤلف : د. الزواوي بغوره.
الناشر : دار الطليعة للطباعة والنشر – بيروت.
رقم الطبعة : الأولى، كانون الثاني (يناير) 2009.
عدد الصفحات : 291.
حجم الملف : 7 ميجا بايت.
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من الكتاب :
"نقد الانطولوجيا التاريخية :
من بين الفلاسفة الذين اهتموا بالانطولوجيا التاريخية الفيلسوف الكندي شارل تايلور. ومع ان دراسة هذه الفلسفة ليست موضوع بحثنا الا ان هنالك جانباً مهماً من هذه الفلسفة يرتبط بالقضايا التي أثرناها في هذا الفصل وبخاصة موضوع التعدد الثقافي، وسياسة الاعتراف وموقفها بالطبع من الانطولوجيا التاريخية الذي اتسم بمستويين خاص وعام .
يظهر المستوى الخاص في تحليل شارل تايلور للانطولوجيا التاريخية في دراسته التي حملت العنوان الآتي: ميشيل فوكو : الحرية والحقيقة»، بين فيها جملة من الأفكار الأساسية التي تحتاج إلى تحليل في سياق بحثنا، وذلك حتى نتمكن من فهم موقفه من هذه الفلسفة ومن بين هذه الأفكار تأكيد تايلور على ان ما يطبع أعمال فوكو عموماً هو تنديدها بالوضعيات والحالات الإنسانية كالجنون والجريمة والمرض والجنس، وفي الوقت نفسه صمته وعزوفه وامتناعه عن تأكيد أي قيمة. بتعبير آخر، انه في الوقت الذي نجد أعماله مركزة حول السلطة والخضوع والوهم والرياء، نجده لا يؤكد على قيمتي الحرية والحقيقة وان أكد على عليهما فإنه يربطهما دائماً بالسلطة . من هنا تساءل تايلور: هل يتعلق الأمر بلبس ام بتناقض في هذه الفلسفة ؟ يجيب تايلور بأن موقف فوكو تنطبق عليه الصفتان معاً صفة اللبس والتناقض معاً، وهذا هو المنحى العام لنقد هابرماس كما بيناه في الفصل السابق.
وبتعبير آخر انه اذا كان فوكو يقوم بتشخيص الأمراض والسلبيات التي عرفتها الحداثة الغربية فانه يمتنع عن التفكير في القيم والبدائل إن أعماله تركز بشدة على عمليات الإخضاع والسلطة وتتضمن إدانة صريحة وتحرراً مضمراً، من هنا يفترض ان تكون الحقيقة والحرية في فلسفة فوكو مرتبطتين ببعضهما ارتباطاً شديداً.
ان هذا السؤال الذي طرحه تايلور لا يتعلق بمجمل فلسفة فوكو بقدر ما يتعلق بأعماله السياسية الصريحة أي بتلك الأعمال التي بدأها في السبعينات، وظهرت في كتابه المراقبة والمعاقبة. من هنا فإن ما يلاحظ على قراءة تايلور اقتصارها على ما يُعرف بحسب دريفوس بالمرحلة الثانية من فلسفة فوكو، أو ما نسميه نحن بالمرحلة السياسية. وهذا الانتقاء في القراءة يتفق أيضاً مع قراءة هابرماس. بل اننا نجد تايلور يقتصر على دراسة عملين أساسين له وهما المراقبة والمعاقبة، وتاريخ الجنسانية في جزئه الأول، أي إرادة المعرفة مع عودة إلى مجموعة من مقابلات ومقالات الفيلسوف التي نشرها في هذه المرحلة.
یری شارل تايلور ان الدراسات التاريخية التي قدمها ميشيل فوكو تنتمي إلى تيار فلسفي معروف هو تيار مدرسة فرانكفورت، وان أعماله تتصف بالطابع النقدي وهو ما يفترض ان تؤكد على قيم معينة إلا ان فوكو ظل طوال مساره الفلسفي ناكراً لكل قيمة ممكنة، وبخاصة قيمة الحقيقة والحرية وهذا يعد في نظر تايلور مفارقة بينة وجلية، او كما قال : إن أعماله تثير الانتباه إلى وجود أمراض، الا انه يرفض تصور أي حل او تفضيل أي قيمة. فعلى سبيل المثال ان تحليله للسلطة يعطي الانطباع بأنه مناهض للسلطة، مما يفيد انه مدافع عن الحرية الا انه لا يبين كيف تكون هذه المناهضة او الإدانة وكيف تكون الحرية كما ان تحليله لعلاقة المعرفة او الحقيقة بالسلطة تفيد انه يريد إنقاذ الحقيقة، بما انه يدعو إلى التحرر من الهيمنة، إلا ان شيئا من ذلك لم يحدث لأنه يصر دائما على ترابط واتصال الحقيقة بالسلطة، بل يرى ان فكرة تحرير المعرفة من السلطة يعد وهماً خالصاً.
يعترض تايلور على التحليلات التاريخية التي أنجزها ميشيل فوكو ومنها على سبيل المثال النزعة الإنسانية التي ظهرت في القرن الثامن عشر وكان لها معان تجاهلها أو أنكرها ميشيل فوكو، ومن هذه المعاني الاهتمام بحفظ الحياة، وتحقيق الحاجات، وتخفيف المعاناة، وهو ما أدى إلى إيجاد نظام من القيم يختلف عن نظام القيم السائدة سابقاً، أي قبل عصر التنوير ويطلق تايلور على هذه النزعة التي يصعب حصر معالمها، ويختلف في تقديرها الفلاسفة والمؤرخون مصطلح "الحياة العامة" (او الحياة العادية la vie ordinaire ويقصد بها مجموع الأنشطة التي تهدف إلى ضمان الحياة واستمرارها وإعادة إنتاجها : أنشطة الإنتاج والاستهلاك، والزواج، والحب، والعائلة). في حين ان الحياة العادية في القديم كانت تُعتبر بمثابة بنية تحتية لحياة مثالية مطلوبة، وهو ما ذهب اليه أرسطو في تفضيله لحياة الفكر والروح على حياة العبيد والحيوانات.
ان مفهوم الحياة العادية أصبح مع عصر التنوير يكتسي أهمية رئيسية. وفيلسوف الانطولوجيا التاريخية لم يهتم بهذا الوجه من وجوه النزعة الإنسانية التي هي وليدة عصر التنوير، وإنما اكد فقط على الجانب القهري والاستعبادي للنزعة الإنسانية، وانها كانت وسيلة للسلطة لتسويغ مخططاتها وانها سمحت بإقامة شكل جديد من السلطة يقوم على الرقابة الشاملة للحياة الفردية وانها مكنت من ان تُحلّ هذه السلطة محل السلطة القديمة سلطة العاهل، التي كانت تظهر في المجال الاجتماع العام.
لقد مكنت النزعة الإنسانية في نظر فوكو من تحويل سلطة العاهل إلى سلطة الرقابة الشاملة، وذلك بأن أخفت السلطة لتجعلها قائمة وحاضرة في حياة كل مواطن، وهو ما تلخصه صورة البنوبتيك او المشتمل لجيرمي بنتام. بمعنى آخر، لقد كانت النزعة الإنسانية في نظر فوكو مجرد إستراتيجية لهذا النمط الجديد من التوسع والامتداد والانتشار لسلطة الرقابة، بحيث أصبح الأفراد يخضعون لعمليات الإحصاء والقياس والتصنيف والعد والتكميم والاختبار بطرق مختلفة، وهو ما يعني ان الفرد الحديث أصبح نتاجاً لهذه التقنيات والانضبطات التي جعلت من الفرد موضوع رقابة مستمرة. ولم يكن هدف هذه التقنيات إضفاء الشرعية وانما فرض الانضباط، مما أضفى على السلطة الجديدة في نظر فوكو صبغة الإنتاج. لقد أصبحت السلطة الجديدة المعززة بإستراتيجية النزعة الإنسانية منتجة وأصبحت وظيفتها تكوين الفرد الحديث، او بالأحرى إنتاج الفرد الحديث مستعيناً في ذلك بتحليلات مدرسة فرانكفورت، وبخاصة تحليلات هربرت ماركوزه الذي يحيل اليه فوكو.
من هنا يؤكد شارل تايلور على ان تحليل فوكو للنزعة الإنسانية وعلاقتها بالسلطة يلتقي بتحليلات مدرسة فرانكفورت ان لم يكن متأثراً بها، وذلك لأن هذه المدرسة هي التي طورت فكرة السيطرة على الطبيعة وعلى الإنسان بالرغم من ان هذه الفكرة كما يقول، نجدها عند ماكس شيلر. ونقطة الالتقاء المشتركة. ونقطة الالتقاء المشتركة بين الانطولوجيا التاريخية والنظرية النقدية هي نقد النزعة الإنسانية التنويرية واستعمالها للعقل الأداتي، وموقفها النفعي تجاه الطبيعة وتجاه الإنسان، وان الانطولوجيا التاريخية قد قدمت لمدرسة فرانكفورت تفسيراً للرابطة والعلاقة الداخلية القائمة بين السيطرة على الطبيعة والهيمنة على الإنسان علاقة مفصلة ومقنعة مقارنة بما قدمته المدرسة ذاتها».
على أنه مهما كانت العلاقة بين فوكو والنظرية النقدية علاقة قوية، وتلتقي في مواضيع عديدة سبق وان بينا بعض ملامحها في الفصل السابع، حيث رأينا ان العلاقة ليست بهذه الدرجة من الارتباط الوثيق الذي يصفه ،تايلور فإن السؤال الذي يطرحه شارل تايلور على الانطولوجيا التاريخية يمثل تحدياً حقيقاً، ويتمثل هذا السؤال الآتي : ماذا يعني هذا الرفض للقيم التي تتضمنه تحليلات ميشيل فوكو؟ هل حقا يرفض القيم، ونحن نقرأ له بعض الخطابات عن التحرر؟ وهل يرفض حقاً فكرة التحرر بواسطة الحقيقة؟ ماذا يعني حديثه في أخريات حياته عن جماليات الوجود" من خلال الاهتمام بالذات ؟."
رابط تحميل الكتاب