كتاب تفكيك دوركايم: نقد ما بعد بعد بنيوي - تأليف جينيفر م. ليمان - أونلاين بصيغة إلكترونية online pdf
معلومات عن الكتاب :
إسم الكتاب : تفكيك دوركايم: نقد ما بعد بعد بنيوي.
تأليف : جينيفر م. ليمان.
الناشر : المركز القومي للترجمة.
عدد الصفحات : 382.
حجم الكتاب : 7.60 ميجا بايت.
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من الكتاب :
"تاريخ المعرفة : انضباط العلاقة بين الذات والموضوع
تعتبر نظرية دوركايم في التاريخ المادي، والتطور التاريخي لتقسيم العمل في المجتمع، هي مركز الجاذبية في مجموع أعماله. بيد أن نظريته حول التاريخ اللامادي ذات موضع مركزي عنده فهو يعتقد عن يقين بأهمية طرح تشريح وصفي للأساس المادي للمجتمع الجسد الجمعي أو الكائن الاجتماعي. لكن هذا شرط لازم عنده أكثر من كونه الشغل الشاغل، ونجد في كتابة تقسيم العمل"، أكثر أعماله انتماء للتوجه المادي، عبارة عن دراسة مورفولوجية، أي دراسة مستفيضة في نوعين محددين من البناء الاجتماعي يقعان على طرفي متصل التطور . لكنها كذلك وبالمثل دراسة في التحول الفكري والأخلاقي الذي خاضه المجتمع نتيجة لتقسيم العمل.
إن دوركايم معني بالتحول من التضامن الآلي والوعي الجمعي إلى التضامن العضوي والوعي الفردي / المهني / الجمعي الهجين وهو عن حق معني بذلك أكثر من عنايته بعملية التخصص الحاصلة بالفعل على المستوى الاقتصادي، في الأساس المادي للتضامن والوعي. وبعد كتابة الأول "تقسيم العمل"، يتزايد اهتمامه بالحياة النفسية للمجتمع، بالحياة الفكرية والأخلاقية التي لا تعتبر أقل واقعية من الحياة الفيزيقية للأفراد أو الجماعات، بل هي أكثر تعقيداً، إذ تمثل أعلى مرحلة طبيعية وهو يقول بأن علم الاجتماع هو بالأساس علم دراسة الرأي العام، وإن عمله هو - أي دوركايم دراسة الأخلاق. ووفق هذا تعتبر نظريته في المعرفة ذات أهمية عظيمة، إذ نجد أن تاريخ الأفكار والمثل أهم عنده من تاريخ التنظيم الاجتماعي. ففى دراسته للمجتمع وللفرد كذلك، منشغل بحياة العقل ذلك أن سيكولوجية المجتمع، لا تكوينه الفسيولوجي لها الأولوية فتطور القمة فوق العضوية إلى جوار القاعدة الأساسية، مسألة مهمة. كذلك فإن الجانب المثالي، الأخلاقي للعقل الاجتماعي عند دوركايم له الأولوية على جانبه الفكري والذهني. لكن تاريخ الأخلاق عنده يقع على السطح الخارجي لأعماله، بينما تظل نظريته في المعرفة في الأعماق.
إن تاريخ المعرفة، مثل تاريخ أصلها الاجتماعي، متطور فالمعرفة تتغير مع الزمن في تطور ونمو، مثل الكائن البيولوجي أو الاجتماعي. حيث تزداد المعرفة دائماً وتتحسن بالتدريج دون هوادة وتاريخ المعرفة عملية تنوير والتنوير مفهوم يستخدمه دوركايم في أمثلة محددة حول النصوع لكنه مفهوم يلخص جيداً نظريته في تاريخ المعرفة. ويعنى عنده التعليم توضيح وتبيان لموضوع ما ، حل للغز، نمو الحقيقة ونشرها . إنه اكتمال بطيء لكنه مثابر لمعرفة غير مكتملة أساساً. والأهم من أي شيء آخر، مفهوم دوركايم للتاريخ اكتمال المعرفة عبر الزمن وبالفعل تحتوى هذه العملية الشاملة - عملية الاكتمال - على عدة عمليات أخرى. فالمعرفة عنده تنتقل شيئاً فشيئاً إلى مرحلة العلم بكل شيء؛ حيث تنتقل عناصرها الثلاثة إلى الاكتمال شيئاً فشيئاً. كما تترقى ذات المعرفة إلى الكمال. وينمو موضوع المعرفة في الاتجاه ذاته، بل وكذلك العلاقة الحاصلة بين الذات والموضوع.
إن ذات المعرفة في الأصل ذات فرد بشري / حيواني وقادرة على المعرفة في أكثر صورها وقوعا في المرتبة الدنيا : المعرفة بوصفها مدركًا حسياً أو إحساساً، وكذلك المعرفة بالمظهر الجلي لموضوعات فيزيقية منفصلة بوضوح، ولعل دمج الحيوانات الفردية من البشر في كائن اجتماعي جمعي مسألة تميز نشوء البشر تلو البشر، إلى جوار القفزة الكمية في تاريخ المعرفة. ومع ظهور المجتمع البشري، ينشأ الوعي الجمعي، والمعرفة العقلانية وأدواتها اللغوية.
وتعتبر المعرفة العقلانية تصورية، فئوية، تصنيفية تواصلية، وعملية. وهي المعرفة المثالية التي تدرك القواعد الخالدة للعالم الجوهر الخالد للأشياء، والعلاقات الخالدة
التي توحدها.
طالما أن العالم الذي يعبر عن نظام كامل من المفاهيم هو الذي يهتم به المجتمع، فإن المجتمع قادر بمفرده على تهيئة أعم الأفكار التي ينبغي أن يصور بها العالم. هذا الموضوع يمكن أن تستوعبه ذات تحوي كل الذوات الفردية فيها. وطالما أن العالم لا مكان له إلا في الفكر الدائر حوله، وأن المجتمع هو الوحيد الذي يفكر فيه تفكيراً مكتملاً، فإنه يتخذ مكانه في المجتمع؛ فيضحى جزءاً من الحياة الداخلية له، بينما يكون المجتمع هو الوحدة الشاملة، ولا شيء خارجه.
إن المفاهيم الشاملة تعبر عن طريقة تمثيل المجتمع للأشياء"، ولذلك "فالفكر التصوري متزامن مع البشرية ذاتها " وقد تكون التصورات الجمعية "ساذجة في بدايتها" ؛ لكن معها تأتي جرثومة الذهنية الجديدة التي لم يرب الفرد نفسه عليها بمجهوداته فمعها انفتح سبيل أمام الفكر الثابت المحايد، والمنظم الذي لا شيء إذن يقوم به سوى تطوير طبيعته.
إن نظام المجتمع هو نظام حتمي، وكذلك حال التحول المعرفي الثوري الذي يتحقق بفضل تحول الوعي الفردي إلى وعي جمعي. فأن تولد ذات المعرفة الاجتماعية من الذوات الفردية، وتحل محلها مسألة حتمية كذلك فإن التحول اللاحق للذات الاجتماعية تحول حتمي : النمو التطوري للجسد الاجتماعي، والنمو التطوري الملازم له، لعقله. ويمكن للمجتمع / الذات أن يكون شاملاً بقدر ما، كلياً بقدر ما، ولذلك تكون معرفته كاملة بقدر ما. والمجتمع الصغير أكثر خصوصية، أقل عمومية، أقل شمولية، مقارنة بالمجتمع الكبير، ولذلك تنتج معرفته بعض القيود على معرفة الفرد.
طالما أن كل فرد في المجتمع الصغير موجود بوضوح في نفس ظروف العيش فإن البيئة الجمعية هي بالأساس عينية ... وأوضاع الوعي الممثلة لها لديها ذات الطابع إذن ... فهي مرتبطة بموضوعات محددة ... والانطباعات الجمعية النابعة من وحدة الانطباعات الفردية جميعها هي انطباعات مقيدة شكلاً وموضوعاً وكلما اقترب الضمير العام من أشياء خاصة، كلما كان حاملاً لأثرها بشكل كبير وكلما كان أكثر وضوحاً أيضاً.
وبالعكس مع توسع المجتمع ليشمل أشياء، بيئات وصور وعي، موسومة بالتنوع أخذ يستوعب الموضوع المعمم، الموضوع الكلي، ومن ثم يستوعب كل ما هو مجرد
أساسي وعلائقي. ذلك أن الوعي الجمعي للمجتمع الصغير له "طابع محدد".
لكنه يغير من طبيعته كلما كبر حجم المجتمعات أكثر. ولأن هذه المجتمعات تنتشر على رقعة واسعة، فإن الضمير العام ذاته مجبر على السمو فوق كل الاختلافات المحلية وبالتالى يمسي أكثر تجريداً ... فالملاحظ أن الفروق الكثيرة ما بين بورتريهات فرد واحد تفيد في رسم بورتريه جامع، تخفت فيه نبرة الغموض.
وهكذا يعادل دوركايم التوجه صوب صفات التجريد التعميم، والوضوح، التي هي سمات مصاحبة للمقدار والحجم، مع توجه الحضارة جهته أن تغدو أرشد وأكثر منطقية". وهو يقيم هذه المعادلة بناءً على حجته التالية :
ذلك أن ما هو عقلاني عام أما ما يربك الفهم فهو الخاص والعيني. فالفكر الراسخ مرتبط بما هو عام . . . وحين تتطور الحضارة على أرض واسعة للممارسة حين تطبق على أكثر الناس والأشياء تظهر حتما الأفكار العامة وتصبح لها السيادة مثال ذلك: أن فكرة الإنسان تحل ... محل فكرة الروماني، لكونها أكثر عينية، وأكثر مقاومة للعلم."
رابط تحميل الكتاب