مقالة "المدرسة التاريخية المغربية الحديثة: الاشكاليات والمفاهيم" تأليف د. العيادي محمد - أونلاين بصيغة إلكترونية ONLINE PDF
معلومات عن المقالة :
العنوان : المدرسة التاريخية المغربية الحديثة: الاشكاليات والمفاهيم.
تأليف : د. العيادي محمد.
المصدر : أعمال ندوة تكريم الأستاذ إدريس العمراني الحنشي : قضايا في تاريخ المغرب الفكري والاجتماعي.
الناشر : جامعة الحسن الثاني والجمعية المغربية للبحث التاريخي - كلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق.
سنة النشر : 2010.
حجم الملف : 2.83 ميجا بايت.
صيغة المقالة : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من المقالة :
"عبارة "المدرسة التاريخية المغربية الحديثة من العبارات المتداولة وسط المؤرخين. ويتردد ذكرها كذلك في الكتابات القليلة التي تعرضت للإنتاج التاريخي الجامعي في مغرب ما بعد الحماية. إلا أن مضمون هذه العبارة غامض وملتبس ويحتاج إلى التدقيق.
نلاحظ بالنظر إلى هذا التداول، أن استعمال عبارة "المدرسة التاريخية المغربية الحديثة" يتأرجح بين معنيين معنى حضري ،خاص، ومعنى شمولي عام. وتطلق هذه العبارة في الاستعمال الأول على اتجاه خاص في الكتابة التاريخية سماه البعض "بالاتجاه الجديد في الكتابة التاريخية المغربية وسماه آخرون "بمدرسة الرباط التاريخية. أما في الاستعمال الثاني، فيقصد بها مجموع الإنتاج التاريخي في الجامعة المغربية الحديثة منذ فجر الاستقلال حتى اليوم.
كان الفقيد جرمان عياش أول مؤرخ تكلم عن "مدرسة تاريخية مغربية حديثة" في مقال تحت عنوان : اتجاه جديد للبحث التاريخي في المغرب". وكان ذلك في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، أي ثلاثة عقود بعد نهاية فترة الحماية وبداية عهد الاستقلال. ماذا كان جرمان عياش يقصد بتلك العبارة ؟ وماهي مميزات "المدرسة" التي يتكلم عنها ؟
يتضح بالرجوع إلى مقالة ج. عياش المذكورة، أن الكاتب يقصد بالاتجاه الجديد للبحث التاريخي في المغرب مجموعة من الأبحاث الأكاديمية المنجزة داخل شعبة التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط تحت إشرافه وبتوجيه منه. يقول جرمان عياش في هذا الباب : "... أخص من هذه الدراسات تلك المجموعة التي أنشئت في جامعتنا هذه، لأن وحدة الاقتباس والطريقة والهدف تجعل من مجموعة أصحابها نوعا من مدرسة معينة، وبما أنني أتشرف بالإنتماء إلى هذه المدرسة، فلعلني مؤهل لعرض المبادئ التي يستهدي بها أعضاؤها والمذاهب التي يذهبون إليها ...".
أكد جرمان عياش على الاختلاف بين هذه "المدرسة" واتجاهات الكتابة التاريخية الأخرى في المغرب. وقد حدد هذه الأخيرة في اتجاهين اثنين، الأول منهما أوروبي لم يلتزم بقواعد البحث العلمي التاريخي في دراسته لتاريخ المغرب نظرا لارتباطه بحركة الاستعمار وبخلفياته السياسية والإيديولوجية، والثاني مغربي تمثله المدرسة التاريخية المغربية التقليدية حدد جرمان عیاش هدف الاتجاه التاريخي المغربي الجديد في إعادة كتابة تاريخ المغرب من منظور وطني اعتمادا على وثائق مغربية أصيلة. وهذا ما عبر عنه بـ النظر إلى تاريخ المغرب من الداخل وعن كتب". ويرى جرمان عياش أن السير على هذا المنوال يؤدي إلى تغيير "لون الأمور حسبما ننتقل من نظرة الأجنبي إلى نظرة المغربي ومن ملامح ذلك محو المؤرخ المغربي الجديد بعض الكلمات من قاموسه لأنها تناسب" رؤية خارجية كاذبة" مثل كلمة "التهدئة التي تخفي واقع الغزو، وكلمة "الحماية" التي تعتم على ظاهرة الاستعمار، وكلمة "العنصرية المغربية " التي تنكر الحمية الوطنية للشعب المغربي. وباختصار فغاية المؤرخ المغربي الجديد هي "... كشف الستار الذي أسدله الكتاب الأوربيون على أنظمة البلاد وعلى درجة التلاحم بين عناصر مجتمعها المختلفة". وهذه مهمة خطيرة تقيد عمل المؤرخ الجديد ولا تسمح له بالخوض في قضايا لا علاقة لها بهذه المهمة الوطنية والنضالية. يقول جرمان عياش : " من حق بعض البلدان الأوربية أن ينتقل مؤرخوها من اتجاه تاريخي معين إلى اتجاه مضاد كل عشرين سنة، من "التاريخ الاجتماعي إلى تاريخ العقليات مثلا ممارسين في كلا الحالتين تأريخا مبتورا. هنالك ظروف تاريخية قد تعلل هذا الشذوذ [...] أما المغرب فلا يسعه أن يمارس التاريخ كأنه لعب يلجأ إليه في أوقات الفراغ. إنه محتاج ألح الحاجة إلى أن يشمر مؤرخوه الجدد عن ساعد الجد ليكتشفوا الأسباب الحقيقية للانحطاط الطويل الذي أدى به إلى الاستسلام للاستعمار ، والأسباب التي مكنته من مقاومة هذا الاستعمار مدة طويلة حتى يصبح قادرا على التحكم في مصيره من الآن فصاعدا ...".
جعل جرمان عياش من الوثيقة المغربية الأداة الأساسية لإعادة كتابة تاريخ المغرب. وهذا نهج سارت عليه منذ القدم المدرسة التاريخية المغربية التقليدية. غير أن عياش يؤكد أن هذا التشابه لا يمنع من وجود تمايز جذري بين المدرسة التاريخية العتيقة والمدرسة التاريخية الحديثة. وقد حدد جرمان عياش عناصر التمايز بين المدرستين في المسائل التالية :
- توسيع المؤرخ الجديد ميدان البحث ليشمل المدن والبوادي ويعطى الاهتمام للفلاحين ورجال المهن واعتبار الإنتاج أساس المجتمع، على خلاف المؤرخين التقليديين الذين حصروا اهتمامهم على "الخاصة" من سلاطين وشرفاء وصلحاء وفقهاء وقضاة.
- تفادي تسجيل ما هو غير محقق على أساس وثائق.
- استنباط ما كان فعلا كما كان" وتفادي تسجيل ما هو غير محقق على أساس وثائق خلاف المؤرخ التقليدي الذي يعرض ما شاء من الروايات.
- الاهتمام بظروف حياة العامة اليومية العادية في إطارها الجغرافي وبالإنتاج ووسائله والعلاقات بين الناس وعوامله عوض اكتفاء المؤرخ التقليدي بالروايات والنكت المتعلقة بترجمة بعض الشخصيات.
نلاحظ أن هناك عنصرين أساسيين يميزان الاتجاه الذي يمثله جرمان عياش في الكتابة التاريخية المغربية المعاصرة.
العنصر الأول، ذو طبيعة إيديولوجية، وهو عنصر نستشفه من مجموع كتابات هذا المؤرخ، ويتمثل في الاعتماد على مبادئ النظرية الماركسية ومفاهيم المادية التاريخية في دراسة تاريخ المغرب. ويتجلى هذا المنحى بصفة خاصة في اعتماد نظرية الأمبريالية، وهي نظرية ماركسية لينينية، في تفسير مسار تاريخ المغرب. مركزية هذه النظرية في مقاربة ج. عياش، جعلته يعطي أهمية قصوى للعامل الخارجي في تفسير تاريخ المغرب. يقول جرمان عياش :"أثناء البحث عن ماضي المغرب، لا يصرف أصحاب الاتجاه الجديد بصرهم عن الأوروبيين المجاورين له المضيقين عليه اقتصاديا وعسكريا. وهذا التضييق الأوروبي موجود فعال منذ زمن أقدم بكثير مما هو الظن به أي منذ القرن الثالث عشر تقريبا. منذ ذلك العصر لم يزل هذا التضييق يؤثر في مصير المغرب إن لم نقل أنه يحدده. فهو الذي أوقف بحصاره للبلاد النمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي المترتب عادة عليه. فهو الذي سبب بالعكس منذ القرن الخامس عشر رد فعل وطني مبكر، رد الفعل هذا الذي التحمت بفضله وحدة وطنية مبكرة لأنها سبقت استكمال الاندماج الاقتصادي وتبقت مع عدم هذا الاندماج، لكنها كانت كافية لإنقاذ البلاد من العبودية والإبادة. فتجاهل هذا التضييق أو جهله لا يؤدي إلا إلى الغلط لفهم تطور البلاد ....
رأى بعض المؤرخين في منحى جرمان عياش نوعا من المبالغة في تقييم وزن العامل الخارجي في تفسير مسار تاريخ المغرب، وإهمالا لا مبرر له للعوامل الداخلية، السياسية والفكرية والاقتصادية، في تفسير هذا المسار. إلا أن جرمان عياش يرى في هذا الاعتراض مثالا للاستخفاف بالقوانين التاريخية".
العنصر الثاني الذي يميز اتجاه جرمان ،عیاش هو عنصر يتجلى في اختياره المنهجي الذي يتبنى أطروحة المدرسة الوضعانية. وهذا يظهر في الأهمية التي يعطيها لقراءة الوثيقة المكتوبة كطريق وحيد لإعادة بناء الحادثة التاريخية، وكذلك في التعريف الذي يعطيه لعمل المؤرخ. يقول جرمان عياش : "ليس غرضه [أي الباحث الجديد ] أن يعرض ما شاء الله من الروايات، وإنما هدفه أن يستنبط من الماضي المنسي ما كان فعلا كما كان ولا غير "
رابط تحميل الكتاب