كتاب تهافت الفلاسفة - تأليف علاء الدين الطوسي - أونلاين بصيغة إلكترونية ONLINE PDF
معلومات عن الكتاب :
إسم الكتاب : تهافت الفلاسفة.
تأليف : علاء الدين الطّوسي.
تحقيق : د. رضا سعادة.
الناشر : دار الفكر اللبناني.
عدد الصفحات : 406.
حجم الملف : 7.93 ميجا بايت.
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من الكتاب :
"مقالة في أن الوجود موجود بنفسه :
نعم، لبعضهم (مقالة أخرى في الوجود، يعترف صاحبها بأنها خارجة عن طور العقل، وأنه لا يمكن الوصول اليها بمباحث العقل ودلالته، ويحكم بأن العقل معزول عن ادراكها كالحس عن ادراك المعقولات وهي أن ليس في الواقع الا ذات واحدة، لا تركيب فيها اصلاً، ولا تعدّد حقيقة، هي الوجود. وهي قد انبسطت على هياكل الموجودات فظهرت فيها . فلا يخلو عنها شيء من الأشياء، بل هي عينها وحقيقتها وانما امتازت وتعدّدت بتقيّدات وتعينات اعتبارية، كالبحر وظهوره في صورة الأمواج، مع أن ليس هناك الا حقيقة البحر. ويدعي أنه لا يظهر هذا الا بالمكاشفة والمشاهدة. ونحن نسلّم أن العقل معزول بالكلية عن ادراك كثير من الإلهيات لكن بمعنى أنه لا يفهمها ولا يحكم فيها بشيء. وأما إن أدرك نقائضها، وحكم بها أحكاما بديهية أو مترتبة عليها، لازمة منها قطعا، فلا.
وقد أورد لتوضيح مراتب الوجود، وتبيين المذاهب فيه تمثيل. وهو أنه لا يخفى أن الأشياء المنيرة لها في كونها منيرة ثلاث مراتب :
- الأولى، أن يكون نور الشيء مستفاداً من غيره، كوجه الأرض اذا كان مقابلا للشمس، فانه ينير بشعاعها وفي هذه المرتبة ثلاثة أشياء: وجه الأرض، والشعاع والشمس التي يستفاد الشعاع منها . ولا شك في أن هذه الأشياء متغايرة، وأن زوال الشعاع عن وجه الأرض جائز .
- بل واقع الثانية أن يكون نوره مقتضی ،ذاته كالشمس. وفي هذه المرتبة شيئان الشمس والنور وهما متغايران. لكن اذا كان النور مقتضى ذاتها كما فرض، امتنع انفكاك النور عنها.
- الثالثة أن يكون منيرا بذاته لا بنور زائد عليه ،كالنور، فانه لا يخفى على عاقل ان نور الشمس في ذاته ليس بمظلم، بل هو منير لا بنور آخر زائد عليه، قائم به، بل بنفسه. وفي هذه المرتبة شيء واحد هو بنفسه ظاهر على أعين الناس، وسائر الأشياء انما يظهر عليها بواسطته على حسب قابلياتها. ولا مرتبة في المنيرية أعلى من هذه.
إذا تقرر هذا فالوجود أيضا نور معنوي وللأشياء في كونها موجودة ثلاث مراتب:
أولاها ان يكون وجودها مستفاداً من غيرها كما هو المشهور في وجود الممكنات. وهنا ثلاثة أشياء: ذات الممكن ،والوجود والمبدأ الذي هذا الوجود منه. وزوال هذا الوجود عن الموجود به جائز .
بل واقع ثانيتها، أن يكون الوجود / مقتضى ذات/ الموجود، بحيث يمتنع زواله عنه وهذا حال وجود الواجب / على مذهب أكثر المليين. وفي هذه المرتبة شيئان ذات الواجب والوجود الذي هو مقتضاها.
- وثالثتها، ان يكون الوجود عين الموجود، أي يكون موجوداً بنفسه لا بوجود مغایر له. وهو حقيقة الوجود /. اذ لا اشتباه في أن الوجود أبعد / الأشياء عن العدم، كما أن النور أبعد الأشياء عن الظلمة. وكما أن النور منير بنفسه كذلك الوجود موجود بنفسه. وفي هذه المرتبة شيء واحد هو : الوجود موجود بنفسه، وسائر الأشياء موجود به على حسب قابليتها.
ولا مرتبة في الموجودية أعلى من هذه، لأن في المرتبة الثانية، وان امتنع زوال الوجود عن الموجود به لكونه مقتضي ذاته ولكن بسبب مغايرته له يمكن تصور الزوال بخلاف المرتبة الثالثة، اذ تصوّر زوال الشيء عن نفسه محال. ولا شبهة في أن واجب الوجود يجب أن يكون في أعلى مراتب الموجودية، فيكون عين الوجود، كما هو مذهب الفلاسفة وموحدة الصوفية /.
هذا ما قيل. ونحن نقول قولكم النور ليس بمظلم مسلّم . ولكن قولكم بل هو منير بنفسه ممنوع فان النور نور لا منير لامتناع اتصاف الشيء بنفسه بديهة. بل من محققيهم من صرّح بأن تصوّر ذلك الاتصاف لا يمكن، لأن الاتصاف نسبة لا تعقل الا بين متغايرين واذ لا تغاير بين الشيء ونفسه، امتنع أن تدرك هناك نسبة قطعا فقول القائل «الوجود موجود أو معدوم»، ليس قضية حقيقية، بل مجرّد عبارات ليس لها معان محصلة، ومفهومات ثابتة عند العقل. وما يقال : الترديد بين النقيضين حصر عقلي، بديهي، بل من أجلى البديهيات.
فمرادهم أن كل مفهوم مغاير لمفهومي نقيضين مخصوصين، اذا ردّد بينهما، كان ذلك حصراً بديهياً صادقاً ضرورة وانما لم يصرحوا بهذا التقييد، لأنه المتبادر من قولهم ترديد الشيء بين النقيضين حصر عقلي، فلا حاجة الى التصريح به. أولا ترى أن ترديد أحد النقيضين بين نفسه ونقيضه، كما لا يتصوّر؟ فانك اذا قلت: الجسم اما أبيض واما ليس بأبيض مثلاً ، كان ترديداً مقبولا صحيحا بديهة. وأما اذا قلت الجسم اما جسم واما ليس جسما وأردت بالجسم مفهومه لا ما صدق عليه، لم يكن ذلك ترديداً بحسب المعنى، بل بحسب العبارة فقط.
هذا ما ذكر. فان صح ، ثبت أن قولكم النور منير»، مجرد عبارة ليس لها معنى محصل ومفهوم ثابت عند العقل. ولكنّا نقول: الحق أن التغاير الاعتباري كافٍ في امكان تصوّر النسبة. وأن الفرق بين قولنا الجسم اما أبيض واما ليس بأبيض وقولنا الجسم اما جسم واما ليس جسما»، بأن الأول مفيد دون الثاني، لا بأن الأول صحيح دون الثاني. الا أن يراد بعدم الصحة عدم الافادة. فقولنا «النور منير أو ليس منيراً»، ترديد صحيح مفيد لكن الصادق منه هو الشق الثاني / بحكم البديهة، لا الشق الأول كما ذكرتم، فانه غير معقول.
وقولكم الوجود أبعد الأشياء عن العدم، ان أردتم به البعد باعتبار صيرورة أحدها وصف الآخر فلا نسلّم أن الوجود أبعد الأشياء عن العدم بهذا المعنى بل الوجود بالنسبة الى الحركة والسكون وأمثالهما أبعد منه بالنسبة الى العدم فان شيئا منها لا يتصوّر أن يصير وصفاً له، فان أحداً لا أن الوجود يتوهم متحرك أو ساكن دون العدم، فان الحق أن الوجود معدوم. وان أردتم به البعد بمعنى آخر، فهو لا يجديكم نفعا، والله الموفق /.
ثم قول ذلك المحقق ان كل ما هو محتاج في كونه موجوداً الى غيره، ممكن» على اطلاقه ممنوع فان الممكن هو المحتاج الى غيره الذي هو موجده، لا الى غيره الذي هو وجوده. وأجاب الفاضل عنه بأنه يندفع بنظر دقيق. وهو أنه لما احتاج في موجوديته الى غيره، فقد استفاد ذلك من غيره، وصار معلولاً له موقوفا في ذلك عليه وكل ما هو كذلك فهو ممكن سواء يسمى ذلك الغير وجوده أو موجده."
رابط تحميل الكتاب