لمحات من تاريخ المغرب لمحات من تاريخ المغرب

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

كتاب فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية pdf تأليف د. يمنى طريف الخولي

 كتاب فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية - تأليف د. يمنى طريف الخولي - أونلاين بصيغة إلكترونية ONLINE PDF







معلومات عن الكتاب :


إسم الكتاب : فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية.


تأليف : يمنى طريف الخولي.


الناشر : مؤسسة هنداوي.


صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf). 






مقتطف من الكتاب :


"علاقة متوترة بين فلسفة العلم وتاريخ العلم


يقول هيدجر: إن العلم لا يفكر في ذاته. ويمكن أن نضيف إلى هذا أنه لا يُعنَى كثيرًا بذاكرته، ولا يلتفت إلى ماضيه، فديدن العلم في أن يصحح ذاته ويجدد نفسه ويتجاوز الوضع القائم، ناهيك عن الماضي، إنه يشحذ فعالياته المنطلقة بصميم الخصائص المنطقية صوب الاختبارية والتكذيب والتصويب، صوب مزيد من التقدم والكشف، أي صوب المستقبل دومًا.


لذلك لم تكن علاقة العلم بتاريخه مماثلة لعلاقة الكيانات الحضارية الأخرى بتاريخها، فقد تعتبره بمثابة سجلها المدون الذي يحمل معالم تشكل هويتها، فلا تنفصل عن تاريخها إلا إذا كان للشخص أن ينفصل عن بطاقة هويته، ولعل المنطلق الفلسفي يطرح علاقة الفلسفة — قبل أي شيء آخر — بتاريخها، ولما كان تاريخ الفلسفة هو ذاته الفلسفة، فإن هذا يبرز كيف تنفرج الهوة بين العلم وتاريخه.


ولكن بقدر ما نجد العلم في القرن العشرين قد أصبح الفعالية العظمى التي تشكل وتعيد تشكيل العقل المعاصر والواقع المعاصر، يومًا بعد يوم وإلى غير نهاية، نجد تاريخ العلم هو تاريخ العقل الإنساني والتفاعل بينه وبين الخبرات التجريبية أو معطيات الحواس، هو تاريخ المناهج وأساليب الاستدلال وطرق حل المشكلات التي تتميز بأنها واقعية عملية ونظرية على السواء، إنه تاريخ تنامي البنية المعرفية وحدودها ومسلماتها وآفاقها، تاريخ تطور موقف الإنسان بإمكاناته العقلية من الطبيعة والعالم الذي يحيا فيه، تاريخ تقدم المدينة المدنية والأشكال الحضارية والأساليب الفنية التي يصطنعها الإنسان للتعامل مع بيئته؛ لكل ذلك يحق لنا القول: إن تاريخ العلم وليس تاريخ العروش والتيجان والحروب والمؤامرات هو التاريخ الحقيقي للإنسان وصلب قصة الحضارة في تطورها الصاعد.


وعلى أية حال، إذا كان العلم لا يفكر في ذاته، فإن فلسفة العلم هي التي تتكفل بذلك العبء وتضطلع بالتفكير في ذات العلم … في منهجه ومنطقه وخصائص المعرفة العلمية وشروطها وطبائع تقدمها وكيفياته وعوامله … على الإجمال التفكير في الإبستمولوجيا — أي نظرية المعرفة العلمية — ثم العلاقة بينها وبين المتغيرات المعرفية الأخرى والعوامل الحضارية المختلفة.


وإذا كان العلم لا يلتفت كثيرًا إلى ماضيه، فإن فلسفة العلم أصبحت لا تنفصل عن الأبعاد التاريخية لظاهرة العلم فغدت شديدة العناية بتاريخ العلم، بحيث إن المتابع لتطورات فلسفة العلم في القرن العشرين يلاحظ أن أبرز ما أسفرت عنه هذه التطورات هو حلول الوعي التاريخي في صلبها، فتستقبل فلسفة العلم القرن الحادي والعشرين، وقد انتقلت من وضع مبتسر استمر طويلًا يولي ظهره لتاريخ العلم ولدوره في تمكيننا من فهم ظاهرة العلم فهمًا أعمق، فضلًا عن دفع معدلات التقدم العلمي، ويكتفي بالنسق العلمي المنجز الراهن، ويفلسفه بما هو كذلك على أساس النظرة إليه من الداخل، أو النظرة إلى النسق العلمي في حد ذاته … انتقلت فلسفة العلم من هذا إلى وضع مستجد يرتكز على الوعي بتاريخ العلم، فيفلسف العلم في ضوء تطوره التاريخي، وعبر تفاعله مع البنيات الحضارية والاجتماعية، مما يعني تطورًا ذا اعتبار في منطلقات وحيثيات وعوامل النظرة الفلسفية إلى العلم، وهذا التطور في الواقع هو تكامل النظرة إلى العلم من الداخل مع النظرة إليه من الخارج، أي باختصار نظرة فلسفية أشمل لظاهرة العلم.


ولا شك أن فلسفة العلم هي المُعبِّر الرسمي والشرعي عن أصول التفكير العلمي، وهي مسئولة عن وضعية ودور تاريخ العلم، وسوف تكشف صفحات مقبلة عن عوامل عديدة أفضت فيما سبق إلى إغفالها البعد التاريخي طويلًا.

ولكن نلاحظ مبدئيًّا أن فلسفة العلم كمبحث أكاديمي متخصص ومستقل عن نظرية المعرفة بصفة عامة، قد نشأت في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وهذه حقبة شهدت ذروة من ذرى المجد العلمي؛ إذ كان العلم الكلاسيكي الذي تؤطره فيزياء نيوتن معتدًّا بذاته إلى أقصى الحدود، فلم ينشغل رجالاته كثيرًا بتاريخ العلم، ولم يُعن فلاسفته بالإجابة على السؤال: كيف بدأ العلم؟ كيف اتجه وسار؟ كيف نما وتطور حتى وصل إلى تلك المرحلة التي بلغت ذروتها في القرن التاسع عشر حين شوهد ما بدا للعيان من شبه اكتمال للعلوم الفيزيوكيماوية المسلحة باللغة الرياضية، وقد آتت مصداقيتها العينية والواقعية بانفجار الثورة الصناعية التي غيَّرت تمامًا من شكل التكوينات والعلاقات الاجتماعية والتقسيمات الطبقية والصراعات الدولية.


وإزاء هذا الواقع المستحدث والحي المتوقد، انصرف اهتمامهم عن تاريخ العلم، وكأن حسبهم الافتتان بالعلم ذاته في تلك المرحلة النابضة، والتأمل في رونق جلالها وجبروت شموخها، الذي نجح آنذاك — القرن التاسع عشر — في أن يضوي تحت لوائه فروعًا كانت عصيِّة للعلوم الحيوية، فضلًا عن العلوم الإنسانية، وهذه الأخيرة — أي العلوم الإنسانية — تُعد نشأتها الواعدة من المنجزات اليانعة التي يفخر بها القرن التاسع عشر وعلمه الكلاسيكي.


هكذا بدأ العلم الحديث عملاقًا يزداد تعملقًا بصورة مطردة، فانبهر به أهلوه ورجالات عصره، حتى بدا تاريخ العلم مسألة ثانوية، وليس من شأنها أن تلقي الضوء على الظاهرة العلمية التي غدت باهرة مبهرة، فجرى التفكير العلمي آنذاك على منوال إغفال قيمة أو دور تاريخ العلم في تفهم الظاهرة العلمية وتعميق موقفها، فضلًا عن استشراف مستقبلها ودفع معدلات تقدمها. على الإجمال عدم الالتفات إلى تاريخ العلم … إلا قليلًا.


بل منذ البدايات، كان النجاح الصاعد الواعد الذي صاحب نشأة العلم الحديث في العصر الحديث منذ القرن السابع عشر، وقد خلق ثقة زائدة في العقل وقدراته، ساهمت بدورها في الغض من قيمة تاريخ العلم! فكيف كان ذلك؟

إنها العقلانية التي ترى الحقيقة واضحة فيمكن أن يكتشفها الإنسان، ويميزها عن الباطل، إن العقلانية اتجاه تنويري مستنير يثق في الإنسان ويرفع الوصاية من عليه؛ لأنه يملك العقل وأيضًا الحواس، يملك الوسائل التي تمكنه من إدراك الحقيقة واكتساب المعرفة، ولا حاجة إلى سلطة تُفرض عليه لكي تدله على الحقيقة، كما كان الوضع في أوروبا طوال العصور الوسطى، فإذا كانت العقلانية مطروحة دائمًا بشكل أو بآخر عبر مراحل ومواضع شتى على مدى تاريخ الفلسفة، فإنها سادت القرن السابع عشر في أوروبا كثورة على خضوع العصور الوسطى الطويل للسلطة الدينية ولأرسطو، وأرست الأسس المكينة لظاهرة العلم الحديث، وهي في هذا تدين لاثنين من كبار الأئمة، أولهما رينيه ديكارت R. Descartes (١٥٩٦–١٦٥٠م) أبو الفلسفة الحديثة الذي أكد أن العقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس يدرك البديهيات بالحدس — أي بالإدراك الفوري المباشر — ويصل إلى الحقائق اليقينية. الله لا يخدع أبدًا، فلنثق في الله وفي العقل، ونرفع الوصاية عن الإنسان لينطلق باحثًا عن الحقيقة ومُشيدًا للعلوم. فقدم ديكارت واحدة من أمضى صور العقلانية. أما الإمام الثاني لعقلانية القرن السابع عشر، فيرتبط اسمه مباشرة بحركة العلم الحديث، إنه فرنسيس بيكُون F. Bacon (١٥٦١–١٦٢٦م) الذي رفع الوصاية عن الإنسان عن طريق الثقة في الحواس وفي الطبيعة، فكان أبا التجريبية الحادة التي اقترن بها العلم الحديث في مراحله الأولى."


رابط تحميل الكتاب


عن الكاتب

كاتب التاريخ المغربي

التعليقات


اتصل بنا

نحرص دائما على عدم انتهاك حقوق الملكية الفكرية، لذا يحق للمؤلفين ودور النشر المطالبة بحذف رابط تحميل لكتاب من الموقع. إذا وجدت كتاب ملك لك ولا توافق على نشر رابط تحميل الكتاب أو لديك اقتراح أو شكوى راسلنا من خلال صفحة اتصل بنا، أو عبر البريد الإلكتروني: lamahat.histoirmaroc@gmail.com

جميع حقوق الكتب والدراسات تابعة لمؤلفيها من حيث الطباعة والنشر والخصوصية

لمحات من تاريخ المغرب

2025