كتاب في أصول الحوار وتجديد علم الكلام - تأليف د. طه عبد الرحمن - أونلاين بصيغة إلكترونية ONLINE PDF
معلومات عن الكتاب :
إسم الكتاب : في أصول الحوار وتجديد علم الكلام.
تأليف : د. طه عبد الرحمن.
الناشر : المركز الثقافي العربي.
الحجم : 6.66 Mo.
عدد الصفحات : 164.
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من الكتاب :
"تجديد الاعتبار لعلم الكلام
ـ مكانة المناظرة في الإنتاج الإسلامي :
إذا صح أن ما يميز الفلسفة عن غيرها من أصناف المعرفة الإنسانية ويمنحها منهجية مخصوصة هو أسلوب المناظرة»، صح معه بالضرورة أن كل قطاع معرفي يكون حظه من العمل الفلسفي على قدر انتهاجه لهذا الأسلوب «المناظري».
وما صدقت هاتان الحقيقتان المتلازمتان: إمكان قيام الفكر الفلسفي في كل قطاع معرفي أياً كان من جهة، وانتهاج الفلسفة لأسلوب المناظرة من جهة أخرى، مثل صدقهما على الإنتاج الفكري الإسلامي، إذ لم يطبق ولم يعمم منهج على جميع مجالات المعرفة مثلما طبق وعُمم منهج المناظرة في هذا التراث، فأكسبه خصباً فلسفياً متميزاً.
فقد أقيمت مجالس للمُحاورة عُرفت بـ «المناظرات، كما وضعت تأليف على طريقة المناظرة في مختلف الميادين، وظهرت صنوف من الخطابات تقر بالمناظرة منهجاً فكرياً مثل خطاب التهافت و خطاب التعارض» و «خطاب الرد» و «خطاب النقض وما إليها؛ بل حيثما وُجدت مذاهب ومدارس واتجاهات في مجال من مجالات المعرفة الإسلامية كانت المناظرة طريقة التعامل بينها وهذا شأن الفقه (باب الخلاف والنحو (باب القياس) والأدب (النقائض)، ولم تكن المناظرة وجه تفاعل التيارات التي تنتسب إلى قطاع علمي واحد فحسب، بل طبعت أيضاً التعامل بين أهل العلم من قطاعات مختلفة (المناظرة بين أبي سعيد السيرافي النحوي ومتى بن يونس الفيلسوف).
وإذا أدخلنا في الاعتبار أمراً آخر وهو الدعوى التي تقول بأن اللغة تحمل سمات فكر من يتكلمونها، فإن غنى معجم المناظرة في اللغة العربية ليدل بحق على تداول المسلمين الأغلب لهذا المنهج الجدلي والتزامهم به أكثر من غيره في تحصيل المعرفة وتبليغها ونذكر من هذا المعجم لا على سبيل الحصر وإنما على سبيل المثال مجموعة المفردات التالية ،وهي، بالإضافة إلى لفظي المناظرة» و «المحاورة» : «المخاطبة» و «المجادلة» و «المحاججة» و «المناقشة» و «المنازعة و المذاكرة و المباحثة» و «المجالسة» و «المفاوضة» (في معناها القديم) و «المراجعة) و المطارحة و المساجلة» و «المعارضة» و «المناقضة» و المداولة» و «المداخلة» وأخرى غيرها كثير .
ـ إفادة المناظرة اليقين :
وإذا اتضح لنا أن طريقة المناظرة الجدلية تشمل كل مناحي الفكر الإسلامي وكنا نعلم من جهة أخرى أنها في عُزف من تأثر بأرسطو تفيد الظن وحسب في مقابل منهج المنطق الذي يفيد اليقين، أيعني هذا أن الجزء الأكبر من المعرفة الإسلامية لا يرقى إلى مستوى اليقين ويكون طلبه غير نافع ولا واجباً؟
نرد على هذا السؤال من الوجوه الثلاثة الآتية:
ـ إن النظار المسلمين وضعوا لمنهج المناظرة شروطاً وقوانين تنافس في استيفائها وضبطها وصرامتها وترتيبها ضوابط المنطق وأحكامه، باعتباره علماً لقوانين العقل؛ ولا أدل على ذلك من أنهم استخدموا طرق الجدل في الاستدلال على قضايا من صميم المنطق نفسه، وبهذا فتحوا الطريق أمام مشروع رد المنطق إلى الجدل هذا المشروع الذي يترتب عنه أن النظر العقلي هو في أصله مناظرة، وأن ما يدعى «بالعقلانية» إن هو إلا «مُعَاقَلَة».
- إن الأساليب الرياضية الحديثة التي صيغ فيها المنطق انتهت إلى ترجيح أسلوب جدلي في هذه الصياغة؛ فبعد أن كان المناطقة، في مرحلة أولى، يكتفون بتقنين صور الألفاظ وتراكيب العبارات دون النظر إلى معانيها من صدق أو كذب (المرحلة التركيبية)، أخذوا في مرحلة تالية يجعلون لمدلولات الألفاظ ومضامين العبارات دوراً حاسماً في هذا التقنين (المرحلة الدلالية)؛ ومنها إلى مرحلة ثالثة جددوا فيها الاعتبار للمتكلم والمخاطب بوصفهما متناظرين يطلبان تمييز الصواب من الخطإ وفي هذا ما يزكي كامل التزكية المنحى الذي جنح إليه المسلمون في جعل علم المنطق جزءاً من علم المناظرة وإلباسه لباس الجدل.
- إن اليقين الذي ينبني عليه الجدل هو يقين عملي، بينما اليقين المنطقي هو يقين نظري، صناعي صوري واليقين العملي أقوى على التوجيه وأقدر على التغيير من اليقين النظري، هذا اليقين الذي لا يُنتفع به ويظل حبيس
القول والقرطاس.
ـ علم المناظرة العقدي، أو علم الكلام:
وإذا كانت أغلب المعارف الإسلامية آخذة بمسلك المناظرة الجدلي، فإنها تفاوتت في درجة التقيد به على قدر الافتقار إليه بمُقْتَضى نوعية شروطها المعرفية، ولم يأخذ أي مجال علمي إسلامي بهذا المنهج مثلما أخذ به «علم الكلام» - هذا العلم الذي قام على تواجه العقائد سواء بين أصحاب الملة الواحدة أو بين أصحاب الملل المختلفة - حتى إننا نرى أنه أحق أن يدعى «علم المناظرة العقدي من أن يدعى باسم آخر، فيكون رجل الكلام» أو «المتكلم» هو من قام بالشروط الآتية : بأن كان:
- معتقداً : يقوم اعتقاده في التسليم بما ورد في كتاب الله والسنة المحمدية تسليم المكلف من لدن الشرع واعتباراً لهذا الجانب سُمِّيَ علم الكلام بـ علم التوحيد وعلم الموجود بما هو «موجود» على قواعد الإسلام.
ـ ناظراً : لما كان النظر هو طلب الفكر لشيء مخصوص سالكاً إليه طرقاً مخصوصة يعتقد أنها قادرة على الظفر به فإن المتكلم يطلب تعقل أصول العقيدة ،وتعقيلها وذلك بأن يسلك فيها سبل الاستدلال والإقناع، مما أدى إلى تسمية علم الكلام بعلم النظر والاستدلال».
- محاوراً : مقتضى المحاورة أنّه لا خطاب إلا بين اثنين، لكل منهما مقامان هما مقام المخاطب ومقام المخاطب ووظيفتان هما وظيفة العارض ووظيفة المعترض. وقد كانت هذه الصفة الحوارية للمتكلم داعياً إلى حمل الكلام على معنى المكالمة والمناظرة وإلى تسمية علم الكلام بعلم المقالات الإسلامية».
وفي هذا الجمع الخاص بين أصول النقل وبين مبادىء العقل الذي تعلقت به همم المتكلمين ما دعا البعض إلى التحفظ في شأن علم الكلام والاعتراض عليه بل واستنكاره، وقد وجدت هذه المواقف الانتقادية قوة وسنداً في ما وقع فيه بعض المتكلمين من شبهات مقصودة وغير مقصودة، وما سلكوه، عن عمد أو غير عمد من طرق ملتبسة طلبوا بها نصرة آرائهم."
رابط تحميل الكتاب