لمحات من تاريخ المغرب لمحات من تاريخ المغرب

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

كتاب حياة الفكر في العالم الجديد pdf تأليف د. زكي نجيب محمود




معلومات عن الكتاب :


إسم الكتاب : حياة الفكر في العالم الجديد.


تأليف : زكي نجيب محمود.


الناشر : مؤسسة هنداوي.


صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).


 






مقتطف من الكتاب :


"تستطيع أن تتعقَّب تاريخ الأمة خطوة وراء خطوة، دون أن ينتهي بك السير إلى لحظةٍ زمنيةٍ يكون في مستطاعك عندها أن تقول: هنا بدأ تاريخ الأمة؛ لأن خيوط التاريخ تمتد إلى الوراء إلى غير بدايةٍ معلومة، فإذا ما اتخذ المؤرِّخ بدايةً يبدأ عندها تاريخ أمةٍ من الأمم، فإنما يفعل ذلك جزافًا، مستندًا إلى أن هنالك قبل التاريخ المدون تاريخًا مجهولًا لم يدون، يضم عناصره الغامضة، ويطلق عليها «ما قبل التاريخ»، لكنك تستطيع — على سبيل التجوز اليسير — أن تستثني من هذه القاعدة الولايات المتحدة؛ إذ جاء مولدها في يومٍ معلوم، هو اليوم الرابع من شهر يوليو سنة ١٧٧٦م، يوم أن أعلنت استقلال نفسها عن إنجلترا، فجاء في إعلانها ذاك ما يلي:


إننا نؤمن بأن هذه الحقائق واضحة بذاتها، وهي أن الناس قد خلقوا سواسية، وأن خالقهم قد حباهم بحقوقٍ معينة هي جزء من طبائعهم لا يتجزأ؛ منها «الحياة» و«الحرية» والتماس «السعادة»، وأنه لكي يظفر الناس بهذه الحقوق، أُقيمت فيهم الحكومات، تستمدُّ سلطاتها العادلة من رضا المحكومين، وأن الحكومة — كائنةً ما كانت صورتها — إذا ما انقلبت هادمةً لتلك الغايات، فمن «حق الشعب» أن يغيرها أو يزيلها، وأن يقيم حكومةً جديدة، تضع أساسها على مبادئ، وتنظم سلطاتها على صورة، بحيث تبدو للناس تلك المبادئ وهذه الصورة أنهما — على الاحتمال الأرجح — مؤديتان إلى أمنهم وسعادتهم.


هذه أسطر قلائل، لكنها — كما قال «جفرسن» وهو الذي صاغ عبارتها بقلمه — تعبر عن العقل الأمريكي، وقوتها مستمدة من تركيزها لاتجاهات الناس في عصرها تركيزًا يلخص روح عصر بأسره، هو عصر الثورة الأمريكية، أو إن شئت فسمِّه عصر التنوير في أمريكا، وقد كان التنوير فالثورة في أمريكا مقابلين في العصر نفسه لتنوير وثورة في فرنسا، ففي هذه الوثيقة القصيرة من المبادئ الهامة ما يستوقف النظر بغير حاجةٍ إلى تحليل، فهي تنصُّ على أن حقوق المساواة والحياة والحرية والتماس السعادة هي أشياء واضحة بذاتها — أي بديهيات — لا يحتاج صدقها إلى إقامة البرهان، وأنها حقوق مستمدة من الله، وليست هي بالهبات يمنحها الحاكم إذا شاء، ويحبسها إذا شاء، وهي جزء من طبيعة الإنسان وفطرته؛ بحيث يستحيل تصور الإنسان إنسانًا بغيرها، وأنه إن قامت بين الناس حكومة فلأن الناس أنفسهم هم الذين أقاموها لتحافظ لهم على تلك الحقوق، وهم الذين يغيرونها أو يزيلونها إذا هي قامت عقبةً في سبيل تلك الحقوق الإنسانية.


وتستطيع أن تمضي في تحليل هذه الأسطر القلائل ليتبين لك أنها تتضمن ما يصح أن يكون مثلًا أعلى للإنسانية جميعًا، وفي ذلك يقول «لنكلن»: «إنني ما أحسست قط بشعورٍ — من الوجهة السياسية — لم أجده نابعًا من العواطف التي تبلورت في «إعلان الاستقلال» …»٢ فمن أين استقت هذه الوثيقة عناصرها؟ إن مضمونها الفكري لم يكن من ابتكار واضعيها، فها هو ذا «جفرسن» — وهو على رأس المشتركين في إعلانها — يصرِّح قائلًا وهو بصدد التعليق عليها: «إنني لم أشعر بضرورةٍ تدعو إلى ابتكار أفكارٍ جديدةٍ لم أسبق إليها.»


«جون لوك» هو مصدر التفكير السياسي الذي ساد الولايات المتحدة إبان ثورتها، وليس هو بالمصدر الذي نستنتجه استنتاجًا مما كان يدور عندئذٍ على ألسنة الناس وأقلامهم، بل هو المصدر الذي كان يتردَّد ذكره صراحةً على أنه المعين الذي استقى منه القادة مبادئهم بطريقٍ مباشر، «فمن كتابات «جون لوك» — قبل أي شيءٍ آخر — استمد الأمريكيون سلاح الحجج التي هاجموا بها الملك والبرلمان في حكمهما المتعسف، ولو كان هناك رجل واحد يجوز أن يقال عنه إنه ساد الفلسفة السياسية في عهد الثورة الأمريكية، فذلك هو «جون لوك»، إذ لم يكن الفكر السياسي الأمريكي إلا تأويلًا لما كتبه لوك»،٤ فماذا قال «جون لوك» مما جعل الأمريكيين أنفسهم يصفونه بقولهم إنه «فيلسوف أمريكا»، وواضع الأساس لفكرها السياسي؟


كان «جون لوك» — الفيلسوف الإنجليزي الذي عاش بين عامي ١٦٣٢م و١٧٠٤م — في طليعة من استخرجوا النتائج الفلسفية للعلم الحديث، وحلَّلوا مضمون هذا العلم تحليلًا ينتزع مدلوله بالنسبة إلى السياسة والأخلاق والدين، ولعله مما يجدر ذكره في هذا الموضع أن مهمة الفلسفة في صميمها هي هذا التحليل للمبادئ العلمية؛ بحيث تستخرج من هذه المبادئ ما تنطوي عليه من مضمون وفحوى، يتغير العلم السائد عصرًا بعد عصر، فتتغير معه الفلسفة؛ لأنها تحليل لمبادئ العلم، فإن تغير العلم تغيرت، كان العلم السائد أيام اليونان الأقدمين هو الرياضة، وكان اليقين الثابت هو معيار الحق، فهل يسع الفلسفة إزاء ذلك إلا أن تبحث عما يتضمنه هذا اليقين الثابت المنشود، والمتمثل في الرياضة، لتجد أصوله الأولى في مبادئ عقلية مفارقة لهذا العالم المحسوس الذي هو عالم الأشياء المتغيرة التي لا تثبت ولا تدوم؟ ثم جاءت النهضة الأوروبية في القرن السادس عشر وما بعده، ليسود بمجيئها علم الطبيعة الذي لم تكن له سيادة من قبل، بل أوشك ألَّا يكون له وجود من قبل، وكيف يجوز لمن ينشد الحقيقة الثابتة الدائمة أن يجعل الطبيعة المتغيرة المتحولة موضوع بحثه؟ لكن النهضة الأوروبية قد غيرت من وجهة النظر، وجعلت الحواس مصدر العلم بعد أن لم تكن عند اليونان الأقدمين إلا مصدر الظن والخطأ، كما جعلت بالتالي ظواهر الطبيعة موضوع البحث بعد أن لم تكن شيئًا جديرًا بالعناية والعناء؛ فشهدت النهضة الأوروبية من علماء الطبيعة من هم بين أقرانهم في التاريخ كله ذوو مكانةٍ ملحوظة، وعلى رأس هؤلاء «جاليليو» و«نيوتن»، وأقام هؤلاء العلماء علمًا للطبيعة هو الذي ساد الفكر الإنساني في القرون الثلاثة: السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر، حتى جاءت نظرية النسبية في القرن العشرين، وجعلت تعدل من البناء القديم لتقيم مكانه بناءً جديدًا على أساسٍ جديد."


رابط تحميل الكتاب


عن الكاتب

كاتب التاريخ المغربي

التعليقات


اتصل بنا

نحرص دائما على عدم انتهاك حقوق الملكية الفكرية، لذا يحق للمؤلفين ودور النشر المطالبة بحذف رابط تحميل لكتاب من الموقع. إذا وجدت كتاب ملك لك ولا توافق على نشر رابط تحميل الكتاب أو لديك اقتراح أو شكوى راسلنا من خلال صفحة اتصل بنا، أو عبر البريد الإلكتروني: lamahat.histoirmaroc@gmail.com

جميع حقوق الكتب والدراسات تابعة لمؤلفيها من حيث الطباعة والنشر والخصوصية

لمحات من تاريخ المغرب