تحميل مقال الأنتروبولوجيا التاريخية لأندري بورغيار بصيغة إلكترونية بدف pdf
معلومات توثيقية
مقتطف من المقال
" في واقع الأمر تعايشت في فرنسا مدرستان تاريخيتان إلى بداية عهد الجمهورية الثالثة، الأولى: هي سردية قريبة من النخب الحاكمة، ومن الجدل السياسي، وريثة للرواة القدامى، ومهتمة في البحث في تكون المؤسسات والصراعات. وأما الثانية، فهي اكثر تحليلية، وهي وريثة لفلسفة الأنوار، وتهتم بوصف العادات والسلوكيات الاجتماعية. واذا كانت الأولى قد نجحت عشية الحرب العالمية الأولى 1914، في إجبار التانية على اقتحام مسالك التجريب والهواية المظلمة، فلانها نجحت أكثر من منافستها في الحصول على صفة علمية. وكان ازدهار العلوم الاجتماعية، وهي علوم حديثة، مثل علم الاجتماع، يدفع التاريخ إلى إعادة بناء هويته انطلاقا من حقل أقل اتساعا، وهو ما يعني أن يجب أن يتقوقع في ما هو سياسي ومؤسسي. وكان مطمح العلموي الذي كان سائدا في الأوساط الفكرية يدفع بالتاريخ نحو تأسيس منهج صارم على شاكلة العلوم التجريبية، إلا أن العنصر القاعدي للواقع الملحوظ الذي يعادل الخلايا بالنسبة إلى علم البيولوجيا،أو الذرة بالنسبة لعالم الفيزياء، هو الفعل التاريخي، أي الحدث الذي يحدث في الحياة العامة.
ولم يكن هذا الانعطاف الوضعي مستقلا تماما عن الضغط السياسي الذي كان يمارس على المعرفة التاريخية، فالوضغية السائدة كانت تمجد العمل المصدري أكثر من غيره وتنظر إليه على أنه مقارعة ضرورية مع المعطيات التجريبية للمعرفة التاريخية، فضلا على أن الدولة كانت تبذل في الوقت نفسه مجهودا كبيرا لجمع الوثائق وتنظيمها في مراكز الأرشيف العمومي. واستجابة للشروط العلموية التي وضعها لنفسه أصبح البحث التاريخي يميل إلى الخلط بين الذاكرة الاجتماعية والذاكرة القومية، والخلط بين الذاكرة القومية وذاكرة الدولة. فكل ظاهرة لا تطفو على سطح الحياة العامة يمكن للمؤرخ تجاهلها، ليس لأنها لا تتطابق مع عمل واع وإرادي فحسب، وإنما لأنها تعتبر خارجة عن حركة التاريخ.
يجب عدم تبسيط مسار الكتابة التاريخية خلال القرن التاسع عشر بصورة مبالغة، ولا عدم الاكتراث بالتأثير الرومانسي، خاصة الذي كان وراء مشاريع الكتابة التاريخية الكبرى التي بلغت ذروتها مع أعمال ميشليه، لقد دفعه مشروعه من أجل بعث كامل للماضي إلى أن يصف ظروف وجود الغموض، وذلك بقطع النظر عن وصف أشكال ممارسة النفوذ وملابساتها، فعندما يبين تأثير موضة غذائية مثل شرب القهوة، على حساسية النخب وسلوكها في المجتمع الفرنسي خلال القرن الثامن عشر، أو عندما يصف المناخ التراجيدي لقرن لويس التي تسيطر عليه الازمات الغذائية والبؤس الشعبي، فإنه يعتمد الاتنولوجيا اساسا يتناول الواقع التاريخي بالدرس.
ولا غرابة ان يقع رفضه من طرف التاريخ الوضعي، ويتم تبنيه على عكس ذلك من طرف لوسيان فافر، واعتباره له بوصفه رائدا لتاريخ الاحاسيس والذهنيات. إن الأهمية التي يوليها لحدسه ولقدرته على تقمص الشخوص للوصول إلى روئ وأحاسيس فترة ما، وهي المقاربة التي سيسلكها علماء الإثنوغرافيا لا يمكن إلا أن لا تروق لتيار يسعى إلى تركيز المعرفة التاريخية على معالجة موضوعية وعلمية للواقع. ولكنه، والدرجة الأولى، بشعبويته الشبه الصوفية، والدور الأساسي الذي يعطيه للحركات الجماعية الكبرى وشبه اللاوعية، وبنزوعه نحو التقليل من دور العظماء ومن دور المؤسسات، وجد ميشليه نفسه مرفوضا من طرف المدرسة الوضعية،وعلى العكس من ذلك أغرى مؤسسي مدرسة الحوليات. "
Lien de téléchargement en PDF