كتاب مباحث في التاريخ الإجتماعي للمغرب والأندلس خلال عصر المرابطين - إبراهيم القادري بوتشيش أونلاين بصيغة إلكترونية PDF
معلومات عن الكتاب :
العنوان : مباحث في التاريخ الإجتماعي للمغرب والأندلس خلال عصر المرابطين.
المؤلف : الأستاذ إبراهيم القادري بوتشيش.
الناشر : دار الطليعة للطباعة والنشر – بيروت.
عدد صفحات الكتاب : 260.
حجم الكتاب : 9 ميجا بايت.
مواضيع الكتاب : التاريخ الاجتماعي, المرابطين, المغرب, الأندلس.
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من الكتاب :
"أولاً: الظاهرة القبلية بين المصادر والدراسات الأنتروبولوجية المعاصرة
نظرياً، تمدنا المصادر بسيل من النصوص حول القبيلة ومرتبتها ضمن الشرائح Les couches المكوّنة للنظام الاجتماعي العام. فقد ورد ذكرها في القرآن الكريم. ومن المفهوم القرآني استمد مؤرخو الحضارة العربية مفهومهم القبلية، فجعلوها في المرتبة الثانية ضمن المجموعات البشرية. فالقلقشندي جعل الشعب في قمة المراتب ومنه تتفرع القبائل التي سميت كذلك لتقابل الأنساب فيها». وبعد القبيلة تأتي العمارة فالبطن فالفخذ فالفصيلة والعشيرة. ويسرد هذا المؤرخ كثيراً من التفاصيل حول طرق الانتساب للقبيلة، كما يسهب في تحليل أسماء القبائل العربية وعلى النهج نفسه أسهب النويري في ذكر القبائل ونظامها وما يندرج تحتها من مراتب. وتميز الكتاني عن المؤرخين السابقين حين جعل القبيلة في الطبقة الرابعة بعد الجدم والجمهور والشعب، ووصفها بأنها بمنزلة الصدر من الجسد».
أما ابن خلدون، فيُعتبر حجة بالنسبة للقبائل المغربية، وتقوم رؤيته على أساس نظرية العصبية التي تشكل منطلقاً لتفسير ميلاد الدولة من رحم القبيلة. كما يعد أول مؤرخ فطن إلى العلاقة بين البداوة والعصبية.
وعلى الرغم من أنه انطلق من معاينة دقيقة لظرفية عصره العصر المريني)، فإن أحكامه تنطبق على المراحل السابقة لتشمل العصر الوسيط برمته وحسبنا دليلاً على ذلك إعطاؤه نماذج تطبيقية من مختلف الفترات التاريخية، بما في ذلك المرحلة المرابطية التي تهمنا.
أما الدراسات الأنتروبولوجية، فهي عبارة عن أبحاث ميدانية اهتمت ببنية القبائل الحديثة وانتهت إلى تخريجات حاولت تعميمها على كل العصور التاريخية.
ومن أشهر النظريات التي صيغت حول المجتمع القبلي بالمغرب، نظرية الانقسامية Segmentarité). وقد ارتبطت هذه النظرية بالانتروبولوجيا الأنغلوساكسونية التي اهتمت
بدراسة التشكيلة الاجتماعية السياسية المغربية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث تصدى عدة باحثين لدراسة بعض القبائل المغربية مثل جلنر Gellener الذي قام بدراسة مجتمع قبائل آيت عطا وعلاقتها بالزاوية الحنصالية، ودافيد هارت الذي درس قبائل بني ورياغل وآيت عطا ودكالة بينما عمم واستربري Wasterbury حكمه على المجتمع السياسي المغربي بل لم يتورع البعض عن إعطاء نموذج لهذه النظرية من قبيلة لمتونة ذاتها.
ينقسم المجتمع القبلي - حسب النظرية الانقسامية - إلى أجزاء متساوية على أساس القرابة الدموية الحقيقية أو الوهمية، فتكون القبيلة عبارة عن مجموعة من العشائر، تؤلف مجتمعاً منظماً له اسم خاص ولغة وسلطة، ومجال جغرافي خاص. وتحدث الانقسامات أو الانشطارات داخل القبيلة عن طريق الهجرة الناجمة عن النمو الديموغرافي وقلة الأراضي الزراعية وتنقسم القبيلة في الأطلس الكبير والأوسط حسب ما استنتجه جلنر إلى عدة أجزاء وأفخاذ إلى أن تصل إلى مستوى الوحدات العائلية وتتساوى هذه الأجزاء في كل مستوى من مستويات الانقسام إذ لا وجود بينها لأي تقسيم للعمل ذي طبيعة اقتصادية أو سياسية كما لا توجد داخل هذه الأجزاء أي مؤسسات سياسية متخصصة.
وبخصوص وظائف هذه الأجزاء، فهي تتوزع من أسفل إلى أعلى إذ تتولى العائلة استغلال الميراث العائلي، بينما يشرف مجلس القرية على قضايا توزيع الأرض وموارد المياه. أما الأشكال المرتبطة بالحدود والمراعي فهي من اختصاص القبيلة. وعلى العموم فإن المجتمع القبلي الانقسامي مجتمع منغلق، تنعدم فيه الملكية الفردية، الشيء الذي يزيد من تماسك أعضائه وتعاونهم والسكان لا يتجددون إلا عن طريق النسل، وهو ما ولد لدى هذه الجماعات الارتباط الوثيق بالأرض، ومن هنا فإن هذه الأخيرة شكلت نقطة أساسية في ضمان وحدة القبيلة وتعاضدها. وكل الصراعات التي شجرت بين القبائل غالباً ما حدثت بسبب الأرض وما يرتبط بها من مراع.
تلك هي الخطوط العريضة للنظرية الانقسامية أو التجزيئية. ولعل أهم النتائج التي خلص إليها أنصار هذه النظرية أن المجتمعات الانقسامية لا تعرف تقسيم العمل بين الأفراد، وتكون فيها سلطة الزعماء على الصعيد السياسي سلطة محدودة وضعيفة، الشيء الذي يحول دون بروز مؤسسات مختصة بالمحافظة على النظام ومزاولة «العنف المشروع». وبكلمة مختصرة فإن المجتمعات الانقسامية لا تعرف تركيز السلطة، كما أنها مبنية على المساواة، ولا تعرف أي تراتب دائم. أما مسألة الرئاسة، فإنها تتميز بمبدأ التناوب والتكامل». ويعني هذا المبدأ أن كل قبيلة تتكون من عدة عشائر تنتخب». الرئيس من أحد زعماء تلك العشائر مرة كل سنة. والعشيرة التي تقدم الرئيس لا يصوت أفرادها. أما مسألة الحفاظ على الأمن داخل القبيلة، فإن الفقهاء والصلحاء عموماً يضمنون استمرار الأمن والاستقرار.
وقد وجهت عدة انتقادات إلى أنصار النظرية التجزيئية مما يكفينا مؤونة الخوض فيها. غير أن ما يهمنا بالنسبة لدراستنا هو معرفة ما إذا كانت الحياة القبلية في البوادي المغربية خلال عصر المرابطين سارت وفق المواصفات المذكورة.
ثانياً: عناصر الحياة القبلية في العصر المرابطي
قامت الحياة القبلية في العصر المرابطي على ثلاثة عناصر أساسية: الأرض والنسب والعصبية، فالأرض هي التي تحدد موطن القبيلة، فضلاً عن كونها وسيلة الإنتاج الرئيسية بالنسبة للقبائل المزارعة، بحكم قيمتها الاستعمالية. وتكون إما عبارة عن مجموعة من الحقول في الأراضي السهلية كما هو الحال بالنسبة لقبائل برغواطة، أو مجموعة من الأشرطة في الوديان أو السفوح كتلك التي احتلتها قبائل المصامدة. وتكون أحياناً عبارة عن مجموعة من المراعي كما هو الحال بالنسبة للقبائل المتنقلة مثل صنهاجة اللثام.
وترتبط القبيلة بأرضها ارتباطاً وثيقاً تحميها وتدافع عنها ضد كل من سولت له نفسه الاعتداء عليها. وهذا ما يفسر قول النويري ، وهو بصدد الحديث عن قبائل صنهاجة وكل قبيلة حازت أرضاً تسرح فيها مواشيهم ويحمونها بالسيوف وهو نص لا يؤيد رأي بيرك الذي قال: «باستثناء قبائل الأطلس أو البنيات المشابهة لا تقترن الأشكال الاجتماعية، بالرغم من انطوائها بأية أرضية مادية وبأي ارتباط بالأرض».
وتكون الأرض في الغالب الأعم جماعية. فأرض مراكش قبل شرائها من طرف يوسف ابن تاشفين كانت ملكاً لبعض القبائل المصمودية تزكّي ذلك رواية ابن القطان الذي ذكر أن المهدي بن تومرت قتل سنة ٥١٩ هـ كل من شك في ولائه من قبيلة هزميرة ضمن ما عرف بعملية التمييز وسبى حريمهم وغنم ،أموالهم، وقسم أرضهم وثروتهم، مما يعني سيادة ملكية الأرض الجماعية لدى هذه القبيلة.
وتثبت كتب النوازل سيادة الأراضي المشاعة داخل القبائل. فبالإضافة إلى الأراضي الزراعية التي يتم استغلالها، هناك أيضاً الأراضي الشعراء، والسبخات والمراعي التي قسمت أحياناً بين أهالي القرية، أو بين القبائل المجاورة لها. وبذلك يصبح كل فرد في القبيلة مشتركاً في ملكية الأرض وما عليها من مراع ومياه. إلا أن هذه الملكية من جانب آخر تعتبر ملكية فردية إذا اعتبرنا القبيلة كلها شخصاً معنوياً. لذلك فإن النزاعات لم تنشب بين الأفراد في الغالب، بل بين المجموعات، وهذا ما توضحه النوازل بكيفية لا غبار عليها فكل اعتداء على مصدر من مصادر القبيلة يعتبر اعتداء على المجموعة كلها ولو كان المصدر المعتدى عليه لا يستفيد منه إلا شخص واحد أو أسرة واحدة.
أما العنصر الثاني من العناصر التي قامت عليها الحياة القبلية فهو النسب ونعني به انتساب أفراد القبيلة إلى جد مشترك، سواء أكان هذا الجد حقيقياً أو وهمياً. فصنهاجة نسبت نفسها إلى صنهاج بن عبد شمس. بينما انتسبت زناتة إلى جدها جاناتا بن يحيى بن مولاة ابن مازيغ. أما مصمودة فقد جعلت من مصمود بن مادغس جدها المشترك ). في حين أن غمارة سميت بهذا الاسم نسبة إلى جدها غمار بن مصمود.
وانتسبت بعض القبائل إلى امرأة. وفي هذا الصدد يقول ابن خلدون عن المطة وجزولة وهسكورة هؤلاء القبائل الثلاث قد تقدم لنا أنهم إخوة لصنهاجة وأن أم الثلاثة تصكي العرجاء بنت زحيك بن مادغيس.
وحرصت كل قبيلة على ضبط نسبها وأصبحت رابطة الدم هي الرابطة الجامعة بين أفخاذ القبيلة والقبيلة الأم، وبين الأفراد أنفسهم. فهؤلاء جميعاً يعتبرون أنفسهم منحدرين من جد واحد وهذا ما يفسر قول ابن أبي زرع بأن جدالة ولمتونة إخوة يجتمعون في أب واحد». واعتبر عدم الانتماء إلى جد مشترك نقيصة وعيباً تُعيَّرُ به القبائل. فعندما وصل عبدالله بن ياسين إلى قبائل برغواطة أخبر بديانتهم الخسيسة التي تمسكوا بها وقيل له إن برغواطة قبائل كثيرة وليس لهم أب واحد وأم واحدة. فوظيفة الانتساب إلى جد مشترك تتمثل في تحديد هوية القبيلة، كما تساعد على تحديد واجب كل فرد من أفرادها، ومكانه في دائرة الصراع بالقدر نفسه تحدد الأشخاص الواجب الدفاع عنهم وعن ممتلكاتهم حسب وضعية الفرد وموقعه في القبيلة، وما إذا كان أصيلاً فيها أو طارئاً عليها."
رابط تحميل الكتاب
