لمحات من تاريخ المغرب لمحات من تاريخ المغرب

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

كتاب تاريخ ابن خلدون العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر - عبد الرحمن بن خلدون ج1 - PDF

 كتاب تاريخ ابن خلدون العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر للمؤلف عبد الرحمن بن خلدون الجزء الأول أونلاين بصيغة PDF.







معلومات عن الكتاب :


عنوان الكتاب : تاريخ ابن خلدون العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر.


الجزء : الأول.


المؤلف : عبد الرحمن بن خلدون (٧٣٢ - ٨٠٨ هـ).


ضبط المتن ووضع الحواشي والفهارس : أ. خليل شحادة.


مراجعة : د. سهيل زكار.


الناشر : دار الفكر، بيروت.


الطبعة : الأولى، ١٤٠١ هـ - ١٩٨١ م.


عدد الصفحات : 851.


حجم الكتاب : 18.84 ميجا بايت.


صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).



مقتطف من الكتاب :


"الفصل الثاني والخمسون


في أن العمران البشري لا بد له من سياسة ينتظم بها أمره


إعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ لَنَا في غَيْر مَوْضع أن الاجْتِمَاعِ لِلْبَشَرِ ضُرُورِي وَهُوَ مَعْنَى الْعُمْرَانِ الَّذِي نَتَكَلَّمُ فِيهِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُمْ فِي الاجْتِمَاعِ مِنْ وَازِعَ حَاكِم يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ وَحُكْمُهُ فِيهِمْ تَارَةً يَكُونُ مُسْتَئِداً إلى شَرْعٍ مُنْزَلٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُوجِبُ انْقِيَادَهُمْ إِلَيْهِ إيْمَانُهُمْ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عَلَيْهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُبَلِّغُهُ وَتَارَةً إِلى سِيَاسَةِ عَقْلِيَّةٍ يُوجِبُ انْقِيَادَهُمْ إِلَيْهَا مَا يَتَوَكَّعُونَهُ مِنْ ثَوَابِ ذلِكَ الْحَاكِمِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِمَصَالِحِهِمْ.


فَالأولى يَحْصُلُ نَفْعُها في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لِعِلْمِ الشَّارع بِالْمَصَالِحِ فِي الْعَاقِبَةِ وَلِمُرَاعَاتِهِ نَجَاةَ الْعِبَادِ في الآخِرَةِ وَالثَّانِيَةُ إِنَّمَا يَحْصُلُ نَفْعُها في الدُّنْيَا فَقَط وَمَا تَسْمَعُهُ مِنَ السَّيَاسَةِ الْمَدَنِيَّةِ فَلَيْسَ مِنْ هذَا الْبَابِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ عِنْدَ الْحُكَمَاء مَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ كُل وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ ذلِكَ الْمُجْتَمَع في نَفْسيه وَخُلْقِهِ حَتَّى يَسْتَغْنُوا عَنِ الْحُكامِ رَأْساً وَيُسَمُونَ الْمُجْتَمَعَ الَّذِي يَحْصُلُ فِيهِ مَا يُسَمَّى مِنْ ذَلِكَ « بِالْمَدِينَةِ الْفَاضِلَةِ وَالْقَوَانِينِ الْمُرَاعَاةِ في ذلِكَ « بالسَّيَاسَةِ الْمَدَنِيَّةِ » وَلَيْسَ مُرَادِهُمُ السَّيَاسَةَ الَّتِي يَحْمِلُ عَلَيْهَا أَهْلُ الاجْتِمَاعِ بِالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ فَإِنْ هَذِهِ غَيْرُ تِلْكَ وَهَذِهِ الْمَدِينَةُ الْفَاضِلَةُ عِنْدَهُمْ نَادِرَةً أَوْ يَعِيدَةُ الْوُقُوع وَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُونَ عَلَيْهَا عَلى جَهَة الْقَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ ثُمَّ إِنَّ السَّيَاسَةَ الْعَقْلِيةَ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا تَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا يُرَاعَى فِيهَا الْمَصَالِحُ عَلَى الْعُمُومِ وَمَصَالِحُ السُّلْطَانِ فِي اسْتِقَامَةِ مُلْكِهِ عَلَى الْخُصُوصِ وَهَذِهِ كَانَتْ سِيَاسَةَ الْفُرْسِ وَهِيَ عَلَى جِهَةِ الْحِكْمَةِ.


وَقَدْ أَغْنَانَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا فِي الْمِلَّةِ وَلِعَهْدِ الْخِلَافَةِ لأن الأحْكامَ الشَّرْعِيَّةَ مُغْنِيَةٌ عَنْهَا فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ وَأَحْكَامُ الْمُلْكِ مُندرجةً فيها. الْوَجْهُ الثَّانِي أنْ يُرَاعَى فِيهَا مَصْلَحَةُ السُّلْطَانِ وَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ لَهُ الْمُلْكُ مَعَ الْقَهْرِ وَالاسْتِطَالَة وَتَكُونُ الْمَصَالِحُ الْعَامَّةُ في هذِهِ تَبَعاً وهَذِهِ السَّيَاسَةُ الَّتِي يَحْمِلُ عَلَيْها أَهْلُ الاجْتِمَاعِ الَّتِي لِسَائِرَ الْمُلُوكِ فِي الْعَالَمِ مِنْ مُسْلِم وَغَيْرِه إِلا أَن مُلُوكَ الْمُسْلِمِينَ يَجْرُونَ مِنْهَا عَلى ما تقتضيه الشريعة الإسلامية بِحَسَبِ جُهْدِهِمْ فَقَوَانِينَها إِذا مُجْتَمَعَةً مِنْ أَحْكام شَرْعِيَّةِ وَآدَابِ خُلْقِيَّةٍ وَقَوَانِينَ فِي الاجتماع طبيعية، وَأَشْيَاءَ مِنْ مُرَاعَاةِ الشَّوْكَةِ وَالْعَصَبِيَّةِ ضَرُورِيَّةِ وَالِاقْتِدَاءُ فِيهَا بِالشَّرْع أولاً ثُمَّ الْحُكَمَاءُ فِي آدَابِهِمْ وَالْمُلُوكُ فِي سِيَرِهِمْ وَمِنْ أَحْسَنِ مَا كُتِبَ فِي ذلِكَ وَأُودِعَ كِتَابُ طَاهِرَ بْنِ الْحُسَيْنِ لابْنِهِ عَبْدِ الله بْنِ طَاهِرِ لَمَّا وَلَاهُ الْمَأْمُونُ الرّقْةَ وَمِصْرَ وَمَا بَيْنَهُمَا فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُوهُ طَاهِرٌ كِتَابَهُ الْمَشْهُورَ عَهْدَ إِلَيْهِ فِيهِ وَوَصَّاهُ بِجَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي دَوْلَتِهِ وَسُلْطَانِهِ مِنَ الآدَابِ الدِّينِيَّةِ وَالْخُلُقِيَّةِ وَالسَّيَاسَةِ الشرعية والمُلوكِيةِ، وَحَتْهُ عَلى مَكَارم الأخْلاقِ وَمَحَاسِنِ الشَّيَمِ بِمَا لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ مَلِكٌ وَلَا سُوقَةٌ.


وَنَصُّ الْكِتَابِ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) أَمَّا بَعْدُ فَعَلَيْكَ بسم بِتَقْوَى اللَّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَخَشْيَتِهِ وَمُرَاقَبَتِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمُزَايَلَةِ سُخْطِهِ وَاحْفَظْ رَعِيْتَكَ في اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْزَمْ مَا الْبَسَكَ اللهُ مِنَ الْعَافِيَةِ بِالذِّكْرِ لِمَعَادِكَ وَمَا أَنْتَ صَائِرٌ إِلَيْهِ وَمَوْقُوفٌ عَلَيْهِ وَمَسئُولٌ عَنْهُ، وَالْعَمَلِ فِي ذلِكِ كُلِّهِ بِمَا يَعْصِمُكَ الله عَزَّ وَجَلٌ وَيُنَجِيكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِقَابِهِ وَأَلِيم عَذَا بِهِ فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ قَدْ أحْسَنُ إِلَيْكَ وَأَوْجَبَ الرّافَةَ عَلَيْكَ بمَنِ اسْتَرْعَاكَ أمْرَهُمْ مِنْ عِبَادِهِ وَأَلْزَمَكَ الْعَدْلَ فيهم والقيام بحقِّهِ وَحُدُودِهِ عَلَيْهِمْ وَالذَبْ عَنْهُمْ وَالدَّفْعِ عَنْ حَرِيمِهِمْ وَمَنْصِيهِمْ وَالْحَقْنِ لِدِمَائِهِمْ وَالأمْنِ لِسِرْ بِهِمْ وَإدْخَالِ الرّاحَةِ عَلَيْهِمْ وَمُؤَاخِذُكَ بِمَا فُرِضَ عَلَيْكَ وَمُوْقِفُكَ عَلَيْهِ وَسَائِلُكَ عَنْهُ وَمُثِيبُكَ عَلَيْهِ بِمَا قَدَّمْتَ وَأَخْرْتَ فَفَرِّغْ لِذلِكَ فَهُمَكَ وَعَقْلَكَ وَبَصَرَكَ وَلَا يُشْغِلْكَ عَنْهُ شَاغِلٌ، وَإِنَّهُ رَأْسُ أَمْرِكَ وَمِلَاكُ شَأْنِكَ وَأُوْلُ مَا يُوقِفكَ اللهُ عَلَيْهِ وَلْيَكُنْ أوّلُ مَا تُلْزِمَ بِهِ نَفْسَكَ وَتَنْسِبُ إِلَيْهِ فِعْلَكَ الْمَوَاظَبَةَ عَلَى مَا فَرَضَ الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكَ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَيْهَا بِالنَّاسِ قَبْلَكَ وَتَوَابِعِهَا عَلَى سُنَنِهَا مِنْ إِسْبَاغِ الْوُضُوء لَهَا وَافْتِتَاحِ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا وَرَتِّلْ فِي قِرَاءَتِكَ وَتَمَكَّن في رُكُوعِكَ وَسُجُودِكَ وَتَشَهدِكَ وَلْتَصْرِفْ فِيهِ رَأْتِكَ وَنِيْتَكَ وَاحْضُضْ عَلَيْهِ جَمَاعَةً مِمَّنْ مَعَكَ وَتَحْتَ يَدِكَ وَادْأَبْ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا كَمَا قَالَ اللهُ عَنْ وَجَلَّ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَرِ ثُمَّ اتَّبِعْ ذلِكَ بِالْأُخْذِ بِسُنَنِ رَسُولِ الله ﷺ وَالْمَثَابَرَة عَلى خَلَائِقِهِ وَاقْتِفَاء أثر السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنْ بَعْدِهِ، وَإِذَا وَرَدَ عَلَيْكَ أَمْرٌ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ بِاسْتِخَارَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَقْوَاهُ وَبِلُزُومِ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ مِنْ أمره ونهيه وَحَلَالِهِ وَحَرامِهِ وَالْتِمَام مَا جَاءَتْ بِهِ الآثَارُ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ ثُمَّ قُمْ فِيهِ بِالْحَقِّ الله عَزَّ وَجَلَّ وَلَا تَمِيلَنْ عَنِ الْعَدْلِ فِيمَا أَحْبَبْتَ أَوْ كَرِهْتَ لِقَرِيبٍ مِنَ النَّاسِ أَوْ لِبَعيدٍ وَآثر الْفِقْهَ وَأَهْلَهُ وَالدِّينَ وَحَمَلَتَهُ وَكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلٌ وَالْعَامِلِينَ بِهِ فَإِنْ أَفْضَلَ مَا يَتَزَيَّنُ بِهِ الْمَرْءُ الْفِقْهُ فِي الدِّينِ وَالطَّلَبُ لَهُ وَالْحَبُّ عَلَيْهِ وَالْمَعْرِفَةُ بِمَا يَتَقَرِّبُ بِهِ إِلى اللهِ عَزَّ وَجَلْ فَإِنَّهُ الدِّلِيلُ عَلَى الْخَيْرِ كِلْهِ وَالْقَائِدُ إِلَيْهِ وَالأمرُ وَالنَّاهِي عَن الْمَعَاصِي وَالْمُوبِقاتِ كُلَّهَا وَمَعَ تَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلْ يَزْدَادُ الْمَرْءُ مَعْرِفَةً وَإِجْلَالاً لَهُ وَدَرَكاً لِلدَّرَجَاتِ الْعُلى فِي الْمَعَادِ مَعَ مَا فِي ظُهُورِهِ لِلنَّاسِ مِنَ التَّوْقِير لأمْرِكَ وَالْهَيْبَةِ لِسُلْطَانِكَ وَالأنَسَةِ بِكَ وَالثّقَةِ بِعَدْلِكَ وَعَلَيْكَ بالاقتصاد في الأمُورِ كُلَّهَا فَلَيْسَ شَيْءٌ أَبْيَنَ نَفْعاً وَلَا أَخَصُ أَمْناً وَلَا أَجْمَعَ فَضْلًا مِنْهُ، وَالْقَصْدُ دَاعِيَةٌ إلى الرُّشْدِ وَالرُّشْدُ دَلِيلٌ عَلى التَّوْفِيقِ وَالتَّوْفِيقُ قَائِدٌ إِلى السَّعَادَةِ وَقِوَامُ الدِّينِ وَالسُّنَنِ الْهَادِيَةِ بِالاقْتِصَادِ وَكَذَا فِي دُنْيَاكَ كُلَّهَا. وَلَا تُقَصِّرْ في طلب الآخِرَةِ وَالأجْرِ وَالأعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالسُّنَنِ الْمَعْرُوفَةِ وَمَعَالِمِ الرُّشْدِ وَالإِعَانَةِ وَالِاسْتِكْثَارِ مِنَ الْبِرِّ وَالسَّعي لَهُ إِذَا كَانَ يُطْلَبُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى وَمَرْضَاتُهُ وَمُرَافَقَةُ أَوْلِيَاء اللهِ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ أمَا تَعْلَمُ أَنَّ الْقَصْدَ في شَأْنِ الدُّنْيَا يُورِثُ الْعِزْ وَيُمَحْصُ مِنَ الذُّنُوبِ وَأَنكَ لَنْ تَحُوطُ نَفْسَكَ مِنْ قَائِل وَلَا تَنْصَلِحُ أَمُورُكَ بِأَفْضَلَ مِنْهُ فَأْتِهِ وَاهْتَدِ بِهِ تَتِمُ أُمُورُكَ وَتَزِدْ مَقْدِرَتُكَ وَتَصْلُحْ عَامْتُكَ وَخَاصْتُكَ وَأَحْسِنْ ظَنْكَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلٌ تَسْتَقِمْ لَكَ رَعِيْتُكَ والتمس الوَسِيلَةَ إِلَيْه في الأمور كلها تَسْتَدِمُ بهِ النِّعْمَةُ عَلَيْكَ وَلَا تُتهمَنْ أحداً مِنَ النَّاس فيما تُوَلّيه منْ عَمَلكَ قَبْلَ أَنْ تَكْشَفَ أَمْرَهُ فَإِنْ إيقاع التهم بِالْبُرَاء وَالظُّنُونَ السَّيْئَةَ بهِمْ آثَمُ ثم فَاجْعَلْ مِنْ شَأْنِكَ حُسْنِ الظَّنِّ بِأَصْحَابِكَ وَاطْرُدْ عَنْكَ سُوءَ الظَّنِّ بِهِمْ، وَارْفُضْهُ فِيهِمْ يُعِنْكَ ذلِكَ عَلَى اسْتِطَاعَتِهِمْ وَرِيَاضَتِهِمْ. وَلَا يَجدَنْ عَدُوٌّ اللهِ الشَّيْطَانُ في أَمْرِكَ مَعْمَزا) فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِالْقَلِيلِ مِنْ وَهَنِكَ وَيُدْخِلُ عَلَيْكَ مِنَ الْغَمِّ بِسُوء الظَّنِّ بِهِمْ مَا يُنْقِصُ لَذَاذَةَ عَيْشِكَ. وَاعْلَمْ أَنَّكَ تَجِدُ بحُسْنِ الظَّنِّ قُوَّةً وَرَاحَةً، وتَكْتَفِي بِهِ مَا أَحْبَبْتَ كِفَايَتَهُ مِنْ أُمُورِكِ وَتَدْعُو بِهِ النَّاسَ إلى مَحَيْتِكَ وَالاسْتِقَامَةِ في الأمور كلها وَلَا يَمْنَعُكَ حُسْنُ الظَّنِّ بأصْحَابِكَ وَالرّافَةُ بِرَعِيْتِكَ أنْ تَسْتَعْمِلَ الْمَسْأَلَةَ وَالْبَحْثَ عَنْ أُمُورِكَ وَالْمُبَاشَرَةُ لأمور الأوْلِيَاء وَحيَاطَةِ الرَّعِيَّةِ وَالنظر في حَوَائِجِهِمْ وَحَمْلٍ مَؤُونَاتِهِمْ أَيْسَرُ عِنْدَكَ مِمَّا سِوَى ذلِكَ فَإِنَّهُ أَقْوَمُ لِلدِّينِ وَأَحْيَا لِلسُّنْةِ.


وَأَخْلِصْ نِيْتَكَ فِي جَمِيعِ هَذَا وَتَفَرْدْ بِتَقْويمِ نَفْسِكَ تَفَرُّدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَسْئُولٌ عَمَّا صَنَعَ وَمَجْزِيٌّ بِمَا أَحْسَنَ وَمُؤَاخَذْ بِمَا أَسَاءَ فَإِنَّ الله عَزَّ وَجَلٌ جَعَلَ الدِّينَ حِرْزاً وَعِزًا وَرَفَعَ مَن اتَّبَعَهُ وَعَزْزَهُ وَاسْلُكْ بِمَنْ تَسُوسُهُ وَتَرْعَاهُ نَهَجَ الدِّينَ وَطَرِيقَة الْهُدَى.


وَأَقِمْ حُدُودَ الله تَعَالَى فِي أَصْحَابِ الْجَرَائِمِ عَلى قَدر مَنازلهمْ وَمَا اسْتَحَقُوهُ وَلا تُعطل ذلك وَلَا تَتَهَاوَنَ بِهِ وَلَا تُؤَخَّرْ عُقُوبَةَ أهْل الْعُقُوبَة فَإن في تفريطك في ذلك مَا يُفْسِدُ عَلَيْكَ حُسْنَ ظَنّكَ وَاعْتَرَمُ على أمْرِكَ في ذلك بالسُّنَنِ الْمَعْرُوفَةِ وَجَانِبِ الْبدَع والشُّبَهَاتِ يَسْلَمُ لَكَ دِينُكَ وَتَقُمْ لَكَ مُرُوتُكَ. وَإِذَا عَاهَدتْ عَهْداً فَأَوْفِ بِهِ وَإِذَا وَعَدْتَ خَيْراً فَأَنْجِزْهُ وَاقْبَلِ الْحَسَنَةَ وَادْفَعْ بِهَا، وَاغْمِضْ عَن عَيْبٍ كُلِّ ذِي عَيْبٍ مِنْ رَعِيَّتِكَ، وَاشْدُدْ لِسَانَكَ عَنْ قَوْلِ الْكَذِبِ وَالنُّورِ، وَأَبْغِضُ أهْلَ النَّمِيمَةِ، فَإِنْ أَوَّلَ فَسَاد أُمُورِكَ فِي عَاجِلِهَا وَآجِلِهَا. تَقْرِيبُ الْكَذُوبِ، وَالْجَرَاءَةُ عَلى الْكَذِبِ، لأنّ الْكَذِبَ رَأْسُ الْمَائِمِ، وَالزُّورَ وَالنَّمِيمَةَ خَاتِمَتها، لأنَّ النَّمِيمَةَ لَا يَسْلَمُ صَاحِبُها وَقَائِلُهَا، لَا يَسْلَمُ لَهُ صَاحِبٌ وَلَا يَسْتَقِيمُ لَهُ أَمْرٌ. وَأحْبَبْ  َأهْلَ الصَّلَاح وَالصِّدْقِ، وَأَعِرُ الْأشْرَافَ بِالْحَقِّ، وَآس الضُّعَفَاءَ، وَصل الرّحِمَ، وَابْتَغ بذلِكَ وَجْهَ الله تَعَالى وَإعْزَارُ أَمْرِهِ، وَالْتَمِسُ فِيهِ ثَوَابَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، وَاجْتَنِبْ سُوءَ الْأهْوَاء وَالجَوْرَ، وَاصْرِفْ عَنْهُمَا رَايَكَ، وَأَظْهرُ برَاءَتَكَ مِنْ ذلِكَ لِرَعِيْتِكَ وَأَنْعِمْ بِالْعَدْلِ في سياستهم وَقُمْ بِالْحَقِّ فيهم. وَبِالْمَعْرِفَةِ الَّتِي تَنْتَهِي بِكَ إلى سَبِيلِ الْهُدَى. وَامْلُكْ نَفْسَكَ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَآثِرِ الْحِلْمَ وَالْوَقَارَ، وَإِيَّاكَ وَالْحِدةَ وَالطَّيْشَ وَالْغُرُورَ فِيمَا أَنْتَ بِسَبِيلِهِ. وَإِيَّاكَ أَنْ تَقُولَ أنَا مُسَلَّطَ أَفْعَلُ مَا أَشَاءُ فَإِنْ ذلِكَ سَرِيحٌ إلى نقص الرأي وَقِلَّةِ الْيَقِينِ بِاللهِ عَزَّ وَجَلٌ وَأَخْلِصْ اللهِ وَحْدَهُ النِّيَّةَ فِيهِ وَالْيَقِينَ بِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُلْكَ للهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَنْزِعُهُ مِمَّنْ يَشَاءُ، وَلَنْ تَجِدَ تَغَيَّرَ النَّعْمَةِ وَحُلُولَ النِّقْمَةِ عَلى أَحَدٍ أَسْرَعَ مِنْهُ إلى حَمَلَةِ النّعْمَةِ مِنْ أَصْحَابِ السُّلْطَانِ وَالْمَبْسُوطِ لَهُمْ فِي الدَّوْلَةِ إِذَا كَفَرُوا نِعَمَ اللهِ وَإِحْسَانَهُ وَاسْتَطَالُوا بِمَا أَعْطَاهُمُ الله عَزَّ وَجَلٌ مِنْ فَضْلِهِ. وَدَعْ عَنْكَ شَرَة نَفْسِكَ وَلْتَكُنْ ذَخَائِرُكَ وَكُنُورُكَ الَّتِي تَدْخِرُ وَتَكْنُزُ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاسْتِصْلَاحَ الرعية وَعِمَارَةَ بِلادِهِمْ وَالتَّفَقدَ لأمُورِهِمْ وَالْحفظ لِدِمَائِهِمْ وَالإِغَاثَةَ لِمَلْهُوفِهِمْ.."


رابط تحميل الكتاب :


عن الكاتب

كاتب التاريخ المغربي

التعليقات


اتصل بنا

نحرص دائما على عدم انتهاك حقوق الملكية الفكرية، لذا يحق للمؤلفين ودور النشر المطالبة بحذف رابط تحميل لكتاب من الموقع. إذا وجدت كتاب ملك لك ولا توافق على نشر رابط تحميل الكتاب أو لديك اقتراح أو شكوى راسلنا من خلال صفحة اتصل بنا، أو عبر البريد الإلكتروني: lamahat.histoirmaroc@gmail.com

جميع حقوق الكتب والدراسات تابعة لمؤلفيها من حيث الطباعة والنشر والخصوصية

لمحات من تاريخ المغرب