كتاب "المستفاد في مناقب العباد بمدينة فاس وما يليها من بلاد" الجزء الثاني لأبي عبد الله التميمي - أونلاين بصيغة إلكترونية online pdf
معلومات عن الكتاب :
إسم الكتاب : المستفاد في مناقب العباد بمدينة فاس وما يليها من بلاد.
المؤلف : عبد الله التميمي الفاسي.
تحقيق : د. محمد الشريف.
الجزء : الثاني.
الناشر : منشورات كلية الآدب والعلوم الإنسانية تطوان.
عدد الصفحات : 274 ص.
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من الكتاب :
"حَجاج بن يوسف الكَنْدَرِي
وَمِنْهُمْ حَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ الكَنْدَرِي كَانَ ساكناً، رَحِمَهُ الله تَعَالَى بالكندريينَ مِنْ أَحواز مدينة فاس.
أخْبَرَنِي الشيخ أبو الحجاج يُوسُفُ، أَنَّهُ كَانَتْ مَجاعَةٌ شَدِيدَةٌ، وَكَانَ أَبُو الحَجاجِ يُوسُفُ المذكور لا يَكادُ يَجِدُ قُوتَه إِلَّا قُرْصَ شَعِيرٍ /85/ مِنَ اللَّيْلِ إِلى اللَّيْلِ. فَقَالَ فِي نَفْسِهِ ليلة مِنَ الليالي : إِنْ أهْلي وَوَلَدِي مَا يَكَادُ يَشبِعُ أَحَدُهُم، وَأَنا أَقْدِرُ أَنْ أَصْبَرَ، فَأَنَا أُوثِرُ بِقُوتِي بَعْضَهُم فَآثَرَ بِهِ زَوْجَتَهُ وَأَطْوَى لَيْلَهُ وَنَامَ، فَرَأَى فِي المَنَامِ أَنَّهُ أُوتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ تريد، وقِيلَ لَهُ : كُلِّ : فَأَكَلَ حَتَّى شَبِعَ. فَلَمَّا أَصْبَحَ وَجَدَ مَعُونَةٌ فِي نَفْسِهِ وَشِبَعاً، فَلَمَّا كَانَ الليلةَ الثَّانِيَةَ أَثَرَ أَيْضاً زَوْجَتَه بِقُوتِه، فَأطْعِمَ أيضاً في المنام شبه الليلة الأولى. فَأَقَامَ عَلَى هَذِهِ الحَالَةِ أَشْهُراً يُؤْثِرُ بِقُوتِهِ وَيُطْعَمُ فِي المَنامِ، حَتَّى زَالَتْ تِلْكَ السَّدَّةُ، وَمَا احْتَاجَ فِي تِلكَ المدةِ أَنْ يَتَناوَلَ شَيْئاً مِنَ الطَّعَامِ. وَكَانَ، رَحِمَهُ الله، إِذَا قُدَّمَ إِلَيْهِ طَعَامُ فِيهِ شُبُهَةٌ، نُبِّهَ عَلَيْهِ، فَيَمْتَنِعَ مِنْهُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ : وَهَذَا مَقامُ الحَارِثِ بْنِ أَسَدِ المُحَاسِبِي، رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى حُكِي عَنِ الجنيد أَنَّهُ قَالَ : مَرَّ بِي الحَارِثُ بْنُ أَسَد المحاسبي، رَحِمَهُ الله فَرَأَيْتُ فِيهِ أَثَرَ الجُوعِ فَقُلْتُ : يا عَمُ : تَدْخُلُ الدَّارَ وتَتَناوَلُ شَيْئًا ؟ فَقَالَ : نَعَمْ. فَدَخَلْتُ الدَّارَ وَطَلَبْتُ شَيْئاً، فلم يجد شَيْئاً أقدمُهُ إِلَيْهِ، وَكَانَ فِي البَيْتِ شَيْءٌ مِنْ طَعَامٍ حُمِلَ مِنْ عُرْسِ قَوْمٍ، فَقَدَمْتُهُ
إِلَيْهِ، فَأَخَذَ لقمة وأدارَهَا فِي فِيهِ مرأتِ ثُمَّ إِنَّهُ قامَ والقَاهَا فِي الدِّهْليسِ وَمَرٌ. فَلَمًا رَأَيْتُهُ بَعد ذلِكَ بأيام، قُلْتُ لَهُ فِي ذلِكَ، فَقَالَ : إِنِّي كُنْتُ جَائِعاً، وَأَرَدْتُ أَنْ أَسُرك /86/ ، وأحفظ قَلْبَكَ. وَلَكِنْ بَيْنِي وَبَينَ اللهِ عَلامَةٌ (أن) لا يُسيغَنِي طَعَاماً فِيهِ شبهَةٌ، فَلَمْ يُمْكِنِّي ابْتِلاعُهُ. فَمِنْ أَيْنَ كَانَ ذَلِكَ الطَّعامُ ؟ فَقُلْتُ : إِنَّهُ حُمِلَ مِنْ دَارِ قَريب لِي مِنَ العُرْسِ. ثُمَّ قُلتُ : تَدْخُلُ اليَوْمَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ، فَقَدِّمْتُ إِلَيْهِ كِسَراً (يابسة) كانت لنا ، فأكل وَقَالَ : إِذا قَدَّمْتَ إلى فَقِير شَيْئًا، فَقَدَّمَ إِلَيْهِ مِثْلَ هَذا ".
قال الفقيه أبو مُحَمَّدٍ يَسْكُر " : كَانَ حَجاج يَنزِلُ عِنْدِي. فَإِذَا خَرَجَ لِصَلاةِ الصُّبْحِ، لَمْ يَدْخُلْ دَارَ الوُضُوءِ. فَسَأَلْتُهُ فِي ذلِكَ، فَقَالَ لي : إِنْ مُوسَى بْنَ سَدات، الذي ساق الماء مِنَ القرويين، ثمت دَرَاهِمُ الحَلالِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ ، فَأَسْلَفَ مِنْ إِنْسَانِ دَرَاهِمَ حَرَاماً، وتنى بها دار الوضوء. فَقُلْتُ لَهُ : نَطلَبُها لِلنَّاسِ ونَتَصَدِّقُ بِهَا . فَقَالَ : نَعَمْ، وَكَانَ أَبُو مُحَمَّدِ يَسْكُرُ إمَاماً فِي القَرَويّينَ. فَقَالَ لِلنَّاسِ : نَحْتاجُ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَم نَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى دارِ الوضوء، لأن الذي بُنِيَتْ بِهِ غَيْرُ طَيِّب. فأعطوا النَّاسُ فِي الْوَقْتِ خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ، فَتَصَدَّقَ بِها لِلْفُقَرَاءِ والمساكين.
وَقَالَ أَيْضاً أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ، المشهورِ بِابْن حِينٌ، وَكَانَ مِنَ الصَّالحينَ، وَكَانَ مُنْ اطلَعَ عَلَى سِرِّهِ : قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ : كُنْتُ يَوْماً فِي الجَامِعِ بِصَفْرُوي، وإذا بالشيخ حَجاجِ قَدْ دَخَلَ المَسْجِدَ الجامع /87/ وَكَانَ يَركَعُ، وَكُنْتُ بِإِزائِهِ، فَإِذَا سَجَدَ، مَسَحَ الأَرْضَ عِنْدَ السجودِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : هَذا شغل فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، قَالَ لي : يا عَبْدَ اللهِ : ما كُنتُ أمْسَحُ إِلَّا لِضَرُورَةِ. فَقُلتُ لَهُ : يا سَيِّدِي : رَأَيْتُ الحصير ما عَلَيْهِ شَيْء، فَمَا كُنْتَ تَسَحُ ؟ قَالَ : تَعَرَّضَ لي مِنْ مُؤْمِنٌ، وَكَانَ يَتَعَرَّضُ لِي فِي السُّجودِ لِيَتَبَرَكَ بِي، فَكُنْتُ مُكْرَها أَمْسَحُهُ عَنِ الْأَرْضِ.
وقال أيضا الشيخ الوَرِعُ الزَّاهِدُ، فَقِيهُ وَقْتِهِ، وعَارِفُ عَصْرِهِ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ الجَنْيارِي، قَالَ : مَرَرْتُ يَوْماً لأزُورَهُ بِالكَنْدَرِينَ ، فلَمْ أَجِدهُ فِي دَارٍ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقَالَ لي ولده : هُوَ فِي الجَبَلِ لَهُ أيَّامُ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ الجَبَلِ مَوْضِعَ مُرْتَفِعُ عَلَى تِلْكَ الجِبَالِ وَكُنْتُ مُتَعبداً مَعَهُ فِيهِ، فَوَصَلْتُ إِلَيْهِ، وَكَانَ قَدْ صَوَرَ فِيهِ مَسجِداً لِلصَّلاةِ. فَلَمَّا وَصَلْتُ سلَمْتُ عَلَيْهِ، وَقَعَدْتُ لِنَاحِيَةٍ سَاعَةٌ. وَإِذا بِرَجُلٍ قَدْ نَزَلَ عَلَى الحَجَرِ الَّذِي بِرُكْنِ المَقْصُورةِ وإذا بالشيخ قَامَ إِلَيْهِ، فَعَانَقَهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ بِكُلِّيَتِهِ. وَمَا رَأَيْتُهُ عَمِلَ ذَلِكَ لأَحَدٍ غَيْرِهُ، فَتَعَجَّبْتُ مِنْهُ، وَقَعَدوا يَتَحدِّثُونَ، فَسَمِعْتُه يَسْأَلُهُ عَنْ أُولِيَاءِ اللهِ تَعَالَى. ( أما ) حَجاجِ فَكَانَ يَقُولُ : فُلانٌ بِالموضع الفُلانِي، وَفُلانٌ بِالموضع الفلاني /88/ وَأَنَا أدْرَكَتْنِي هَيْبَةٌ مِنَ الرَّجُلِ، وَلَمْ أَقْدِرْ أَقُومُ إِلَيْهِ مِنَ الهَيْبَةِ. فَلَمَّا مَضَى، قُلْتُ لِلشيخ : من يَكُونُ هَذَا ؟ قَالَ لي : رَأَيْتَهُ؟ قُلْتُ : نَعَمْ. قَالَ لي : يُخْدِمُ قاعِداً لِسَاعِدِ، هَذَا هُوَ رَأْسُ التبريد. ولي عشرونَ سَنَةٌ أطلب اللهَ فِي رُؤيَتِهِ. فَلَمَّا كَانَ اليَوْمِ، جاءَني.
وقال أبو يعقوب، الحَاجُ البُسْتَانِيَ - وَكَانَ حَجَّاجُ رَبَّاهُ - قَالَ : كَانَ يَزيرُ العِنَبَ فِي جِنَانِهِ، فَخَطَرْنَا عَلَيْهِ، أنا وَوَلَدَهُ يَحْيِي فَقَالَ لَنَا : ادْخُلُوا عَاوِنُونِي فِي الزبير. فَقَالَ لَهُ : لَوْ كَانَ العِنبُ إِلَّا وَدَخَلْنَا . قَالَ : ادْخُلُوا تَأكُلُ العِنَبِ، إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى فَقُلْتُ لِوَلَدِهِ : أدْخُلْ نَزيروا (هكذا) مَعَهُ. فَدَخَلْنَا فَزَبَرْنَا . فَلَمَّا فَرَعْنا قَالَ: لِكُلِّ أجيرٍ أَجْرَةٌ، قَالَ : نَعَمْ. قَالَ : مُوروا كذا ) للداليَةِ الفُلانِيَّةِ إِنَّ فِيهَا عُنقوداً كُلُوه. فَمَضَيْنَا لِلدَّالِيَةِ، فَوَجَدْنَا العُنقود فَأَكَلْنَاهُ حَتَّى شَبِعنا ، وَتَرَكْنَا مِنْهُ، وَمَا قَدَرْنا أَنْ تُخَلَّصُوه ).
وقال أيضاً والده يوسُفُ، وَكَانَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللهِ تَعَالَى : كَانَ محْفُوظاً مِنْ صِغَرِهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الصَّلَاةِ، وَهُوَ دُونَ صِيَامٍ كَثِيرَ العُزلةِ عَنِ النَّاس. وَكَانَ يَقُولُ يَا أَبَتِ ! أَرَى الجِنِّ يَتَحَدِّثُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَيَقُولوا هكذا ) : أقْتُلُوه، لأنَّهُ يَخْرُجُ لَنَا فِيهِ أَشْياءُ، وَيَكُونُ وَلِيّاً. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض : ما تَقْدِرُوا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مَحفوظ.
/89/ وَحَدَّثَ عَنْهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّد، يَسْكُر، قَالَ : كُنَّا نَقْعُدُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي مدين، شيخ الشيوخ، وَكَانَ يَتكلم إما في الفقه أو في التَّصَرُّف. فَإِذَا جَاءَ حَجَّاجُ لَمْ يَتَكلَّمْ بِشَيْءٍ، فَسُئِلَ فِي ذلِكَ فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ أَعْطَاهُ فَوْقَ مَا عِنْدَنَا."
رابط تحميل الكتاب