كتاب "الدارجة المغربية مجال توارد بين الأمازيغية والعربية" للأستاذ محمد شفيق - أونلاين بصيغة إلكترونية online pdf
بيانات الكتاب :
عنوان الكتاب : الدارجة المغربية مجال توارد بين الأمازيغية والعربية.
المؤلف : د. محمد شفيق.
الناشر : أكاديمية المملكة المغربية.
مطبعة المعارف الجديدة - الرباط - 1999م.
عدد الصفحات : 177 ص.
حجم الكتاب : 3 ميجا بايت.
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من الكتاب :
"مما يجب التنبيه إليه أولاً أنَّ الدارجة المغربية حرفت عدداً مهماً مِنَ الكلمات الـعـربـيـة عـن مـعـانـيـهـا الـحـقـيـقـيـة، وذلك لأن من أخذها أول الأمرِ عَنِ العَرَب كان أمازيغي النِّسَان، « فَهِمْ، كُلُّ كلمة منها في ظروف مُعَيَّنَة أَوحت إليه بمدلول لتلك الكلمة غير مدلولها الحقيقي الدقيق، فشاع ذلك المدلول وصار هو الغالب، حتَّى إِنَّ عَرَبَ المغرب أنفسهم تبنوه واطمأنوا إليه. وخير مثال لهذا ما يُفهم من لفظة « الشتاء في المغرب : مدلولها العادي هو المطر....
والملاحظة الثانية أن بعض الألفاظ البربرية صارت أكثر شيوعاً بين الناطقين بالعربية وحدَهَا، فَعَوَّضَها عند أمازيغيي اللسان ما يُقابِلُها في العربيَّة الفُصْحَى، حَتَّى إِنَّ عامة النَّاس صاروا ينسبون إلى العربية ما هو أمازيغي وإلى البربرية ما هو عربي نسوق كمثال لذلك لفظة « التليس » التي يَظُنُّهَا النَّاس عَرَبِيَّةً، ولفظة « تاغرارت، التي يوقن البربري اللسان أنها أمازيغية، بينما الواقع هو العكس : أصل الكلمة الأولى هو « أتليس / ج / ئتلسان »، وأصل الكلمة الثانية هو « الغرارة »، والمعنى واحد.
هذا ما يستدرجنا إلى التساؤل : هل من سبيل إلى التقرير بأنَّ فِعْلَ الأمْرِ سلك ! » - مَثَلاً ـ عربي، أو بربي الأصْلِ ؟ أَهُوَ مُشتق مِن سَلَكَ، عَلَى وَزْنِ فَعَلْ، بِمَعْنِى اجْعَلِ الْأَمْرَ أَوِ
الشَّيء سالكاً، أم هُوَ الفعل الأمازيغي « سُلَك، الذي بمعنى « سَلَمَ وَ أَدْعِنْ وتَنَازَلْ ؟. الغالب أنَّ تقارب معنيي الفعلين هُوَ الذي سبب نوعاً من الاندماج الدَّلالِي بينهما حتَّى صارا فِعلاً واحداً في الدارجة. وما هذا إلا مثال واحد من أمثلة عدة. و على العكس قد تجد لفظة أمازيغية لا تزال تفرض وجودها في ناحية أو مدينة من المـغـرب قـديـمـة العهد بالاستعراب، فَلا يُؤَدَّى مدلولها إلا بها عند عامة الناس. في لهجة الفاسيين مثلا لا يُسَمَّى أَوَّلُ اللَّبَنِ في النتاج ( le colostrum إلا باسمه البربري «أدغس»، بينما لا يُعَبر عَنْهُ إِلا باسمه العربي، اللبأ »، عِندَ ( الحَيَايِنَة، المتحدرين من بني هلال.
.
كثيراً ما يؤثر الجانب الصوتي في الجانب الدَّلالِي وَيُحَرِّفُه عَن وِجْهَتِهِ، الكَرْمُ، مثلا، في اللغة العربيَّة الفُصْحَى هُوَ شَجَرُ العِنَبِ، بينما المعني بـ « لكرم، في دارجَتِنا هو شجر التين، والسبب في هذا الانحراف المعجمي أنَّ مِنْ أسماء التين في الأمازيغية اکر موص». وه اکر موص » نفسه ليس إلا كناية تحقيرية عن التين غير الجيد. أمَّا مَعْناه الأَصْلِيُّ فَهُوَ ثَمَرُ الصَّبار المعروف بـ « كرمـوص النّصارى، عندنا، وبـ « les figues de Barbarie عند الفرنسيين.
يظهر من جملة الملاحظات السابقة أنَّ « فَكَ الترابط المعجمي، بيـن العـربـيـة والأمازيغية في الدارجة المغربية يتطلب فحصاً دقيقاً لجذور الكلمات ومعانيها. ولا يمكن تحقيق ذلك الفحص إلا بإخضاعه لمنهجية صارمة الضوابط، أيسر مقتضياتها استنطاق أمهات المعاجم العربية وتحكيمُها في ردّ الكلمات إلى أصولها، ما كانت لها في العربية أصول، وأقصاها الاطلاع على ما قد يوجد من التنافر بين بعض الحروف ( بعض الأصوات ) في إحدى اللغتين أو في الأخرى. إذا علم الباحث مثلاً أنه لا شين بَعْدَ لأم، في العربية حكم بأنَّ الفِعْل ( الدَّارِج » « قُلَش، ليس عَرَبِيَّ الأَصْلِ، ورَبَّحَ كِفْةَ انتمائه إلى اللسان البربري، وهو منه بالفعل.
و لا بُدَّ مِنَ التنبه إلى أن عدداً من المفردات دخيلة في العامية المغربية، منها ما جاء على طريق الأمازيغية، وهو قديم الدخول فيها، كما هُوَ لاتيني أو يوناني مثلاً، ومنها ما تبنته الدارجة مباشرة، كما هو تركي أو إسباني أو فرنسي. ولا بد من التنبه أيضاً إلى أن مجموعة من الألفاظ - من الأفعال خاصة - ما هي في أصولها إلا و أصوات محكية des onomatopées، تكاد تكون مشتركة النمط في عدة لغات، كما يتجلى ذلك في الأمثلة الآتية : غرغر، تغرغر، gargarizar gargariser, gargle، جمجم، دمدم، تبرقم، بقبق، بخبخ، هرهر، بعبع، سرسر... لا سبيل إلى التقرير بأن هذه الأفعال دخيلة أو أصيلة، لا في العربية، ولا في البربرية، ولا في غَيْرِهما.
ومَنْ يُلق ولو نظرة لامحة غير فَاحِصة إلى تاريخ تَدَاخُلِ اللغتين، العربية والأمازيغية، وتمازجهما التلقائي، يجد أن كثيراً من محرري الوثائق الرسمية وغير الرسمية، من مراسلات وعقود والتزامات، كانوا يقيمون في نصوصها مفردات بربرية، إِمَّا غَيْرَ منتبهين وإما شاعرين واعين غير مُتَحَرِّجين. خير نموذج لنا من ذلك ما اعتمده العميد العربي مزين من وثائق التعاقد والتعاهد بين قبائل تافيلالت، وجماعاتها في غضون القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين. إنَّ من المحقق أنَّ مِنَ المستحيل أن ينفذ فهم قارىء تلك النصوص إلى فحواها ومرماها إن لم يكن لذلك القاريء إلمام بالبربرية. نظراً لكون الأفكار المحورية التي يرتكز عليها التعاقد أو التعاهد فيها قد عُبر عنها بلفظ أمازيغي صيغ صيغة عربيَّة. لقد وردت في تلك الوثائق الألفاظ الآتية : «يَظْفَرُونَ،، بمعنى يَتْبَعُون »، من الفعل « تضفار - تبع »، « الدولة، بمعنى قطيع البـقــر، من «تاوالاه، «أمور» بمعناه الحقيقي ( الرُّمْحُ ) وبمعناه المجازي ( الحِمَى )، ( طاطة، بمعنى الحلف، من « تاضا.... وردت هذه الألفاظ بين عشرات من الألفاظ الأمازيغية الأخرى، ذلك ما جَعَلَ الأستاذ العربي مزين يقول في أطروحته إنَّ للبربرية حضوراً ملحوظاً في الوثائق التاريخية « الفيلالية، وإنَّ معرفتها مفروضة على كل باحث في الموضوع. وما هو صحيح بالنسبة لتاريخ تافيلالت صحيح بالنسبة للجهات المغربية الأخرى بدرجات متفاوتة، طبعاً.
وبصفة عامة، قد كان لـ « تفصيح » الكلمات الأمازيغية، أي لتعريبها، دوره في تنشئة الدارجة. فإلى جانب الأسماء التي حوفظ لها في العامية على بنيتها الأصلية، كـ فرور الخزف »، و « أفراگ - السياج »، و«اگوال - الدَّرَابُكة »، و « تاگرا - الإناء »، وتادقا - طين الصَّقْلِ أو الخزف»، و « سكسو - الكسكس.... توجد أسماء أُدْخِلَ عليها حرفا التعريف ( الألف واللام )، فَتَزَيَّت بزي عربي، منها « المزوار - النقيب ) و السكوم - الهليون »، و« المزكور - الدُّرَةُ »، و « الزكيفة – الجُرعة »، و«الزكاوة = القُفَّة »، و « الدربالة - المرقع من الثياب..... فبالنظر في التوزيع الجغرافي للمعرب وغير المعرب يستبين الباحث بوضوح أنَّ البربر المستعربين هم الأكثر حفاظاً للأسماء على صيغها الأصلية، وأنَّ العَرَب المستوطنين هم الأكثر جُنُوحاً لتعريبها."
رابط تحميل الكتاب