لمحات من تاريخ المغرب لمحات من تاريخ المغرب

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

مسار التجديد في الكتابة التاريخية عند إبراهيم القادري بوتشيش - خالد بلعربي pdf





معلومات عن المقال :


العنوان : مسار التجديد في الكتابة التاريخية عند إبراهيم القادري بوتشيش.

قراءة في كتابه المهمشون في تاريخ الغرب الإسلامي: إشكاليات نظرية وتطبيقية في التاريخ المنظور إليه مم أسفل.


المؤلف : خالد بلعربي.


عدد الصفحات : 10.


صيغة المقال : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).




مقتطف من المقال :


''المهمشون في تاريخ الغرب الإسلامي: محاولة جادة للتأريخ للذهنيات


حدد بوتشيش أهداف دراسته في مقدمة الكتاب موزعةً على أحد عشر فصلا، حيث أكد أن التاريخ العربي يحفل بثورات وانتفاضات و حركات احتجاج خلّفت دويًا كبيرًا في حينه، بيد أنها لا تظهر اليوم في ثنايا الهيستوريوغرافيا إلا على نحو باهت، بل نكاد نجهل كل شيء عن أهدافها ومراميها التي طمست أو شوهت، حين صُور زعماؤها على أنهم شرذمة من السفلة والأوباش والعصاة والمارقين والخارجين على الجماعة.


استهل المؤلف كتابه بتسليط الضوء على مفهوم "المهمش"، والاستشهاد بالآراء المختلفة التي تخص هذا المفهوم، ثم تقديم مفهومه الخاص وقراءته الشخصية للمصطلح؛ إذ يقول : "صحيح أننا نشاطر جان كلود سميث الرأي في أن قراءة التاريخ انطلاقًا من المركز تفرز تاريخا مبتورا يتمحور حول السلطة ويُقصي تاريخ الفئات الصامتة، إلا أننا لا نقتصر على هذا المفهوم في شكله العائم لسبب بسيط وهو أن بعض الحالات في التاريخ سجّلت تهميش بعض النماذج المنتمية إلى خانة النفوذ والجاه والسلطة، بناء على قاعدة أن التاريخ يكتبه المنتصرون (4) . وليدعم وجهة نظره، قدّم أمثلة حول المصطلح ؛ إذ يقول : " وقد عرف التاريخ البشري - في مراحله المختلفة - ألوانا متنوعة من تهميش الشعوب المقموعة والشرائح الدنيا من المجتمع وعدم الإقرار بحقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويكفي التذكير في هذا الصدد بالنسبة للعالم القديم بتهميش كل من أثينا وروما للشعوب التي كانت تندرج تحت سلطتيهما، ومع ذلك اعتبرتها في درجة أدنى من درجة المواطنة الرومانية والإغريقية" (ص 22).


لقراءة النص التاريخي من منظور يركز على استكناه مكامن التحيز الواضح في التواريخ السلطانية، علّق المؤلف على تخصيص ابن أبي زرع بصفحتين كاملتين لوصف الملامح الفيزيولوجية ليوسف بن تاشفين، ففي الوقت الذي وصف المؤرخ ابن أبي زرع الخليفة من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه مع ذكر الجزئيات الدقيقة من ملامح وجهه، لم يتعامل بالسخاء نفسه مع شرائح المجتمع المهمشة من فلاحين ورعاة وحرفيين، بل إنه لم ينبش بكلمة واحدة حول المشردين والمنبوذين والمتسولين الذين لم يخلُ منهم مجتمعه، أما بوتشيش فنبش في توجهات المؤرخين المهتمين بتاريخ المهمشين، وهو " يعتبر المؤرخ المسعودي كرمز ونموذج للمؤرخ المحترف الذي امتلك ناصية المنهجية التاريخية السليمة خاصة في كتابه مروج الذهب" (ص 25).


ينطلق المؤلف من رؤية تحليلية مفادها أن الكتابة التاريخية المتعلقة بالعصر الوسيط عرفت خللًا كبيرًا في حيز المؤرخ، حيث طغى على صفحاتها التأريخ للسلطان، وفسّر ذلك وفق عوامل الطمس والتعتيم، فتميّز مؤرخ السلطة بنظرة سطحية لاقتصاره على جمع أحداث تاريخية وعسكرية وتدوينها من دون استنطاق مكنوناتها وتجلياتها (ص 27).


لذلك؛ يوضح بوتشيش أنه على الرغم من الأدوار الشامخة التي قامت بها شرائح المجتمع المهمشة داخل مجتمعاتها، فإنها لم تذكر في المصادر التقليدية إلا بنصف الكلمات، وهذا أمر بديهي إذا وضعنا في الحسبان موقع المؤرخ الاجتماعي، وموقفه من صراع الحاكم والمحكوم، والتوتر الذي ميّز علاقة الطرفين، إضافة إلى مكوّناته الثقافية ونظرته القاصرة إلى التاريخ.


يرى بوتشيش، أيضًا، أن العامل السياسي يتحكم بدرجة كبيرة في هذا الطمس، فالمؤرخ بقي حبيس رؤية البلاط للآخر؛ ذلك أنه ليس له حرية ومنطلق معينان ومبادئ شخصية يلتزم بها، بل يُردّد ما يقوله السلطان، وحسبنا أن هؤلاء كانت لهم نظرة متعالية تجاه الرعية؛ فذلك المؤرخ وصفهم بالرعاع والسفلة والهمج (ص) (28) ما أثر في الفئة المستهدفة من الكتابة التاريخية. ومن بين عوامل الطمس أيضًا، نذكر عامل الرقابة؛ إذ شكل عامل الوحدة تحديًا بالنسبة إلى المؤرخ، وهكذا ثم راح يسعى في كتاباته للتركيز على هذا العامل، وإقصاء كل ما يخالفه وهو أمرٌ جعله يُصنّف محاولات الخروج على السلطة بوصفها مساسًا بوحدة الدولة وتماسكها. وانطلاقا من هذه الرؤية، صنّف مؤرخو السلطان المهمشين ضمن الفاسقين والرعاع (ص 30-31)، وهو أسلوب "ذكي" في الظلم وعدم الإنصاف، ما يفرض على الباحث النزيه إعادة تقييم هذه الحركات المظلومة بنقد ما هو متواتر وخلخلته، وإعادة الدراسة والتحليل انطلاقا من نظرة شمولية تربط هذه الحركات بواقعها، وبالمعتقدات والنظم السائدة.


ويذكر المؤلف، أيضًا، عامل التفسير الديني؛ ذلك أن مؤرخ السلطان غالبًا ما يُفسّر الأحداث انطلاقا من خلفية دينية، فيحصر الحدث التاريخي ويقرؤه من زاوية العناية الإلهية (ص (31). يضاف إلى ذلك عامل التفسير الفردي للأحداث التاريخية وفق منطلق تقديس الحاكم وجعله مدار الأحداث التاريخية والبطل الوحيد والقائد المحنك صاحب الانتصارات المدوية.


ثم ينطلق بوتشيش من قواعد منهجية ضرورية متسلّحًا بها للتنقيب والبحث والكتابة في تاريخ المهمشين؛ من بينها نقل ساحة البحث في الفئة المؤرخ لها، فهو ينتقل من دراسة البلاط وأمور السلطة وزخم الأحداث السياسية والعسكرية والطبقة المخملية، إلى تسليط الضوء على الطبقة الدنيا؛ العبيد والباعة والمتسولين والمجانين وعموم الناس (ص 37)، وينقل ساحة البحث من القصور الفخمة والحدائق الغناء ومجالس السلطان وسهرات الطرب واللهو ومنادمة الجواري ومعاقرة الخمور إلى الشارع وحقول الفلاحين ودكاكين التجار والزوايا والأكواخ والبيوت والقرى والمداشر (ص 37-38)، إضافة إلى تسليطه الضوء على المرأة ودورها في الحياة الاجتماعية (ص 38). وقد وسّع المؤلف الفترة الزمنية للبحث المتعلق بالامتداد الزمني للدولة، أو ما اصطلح عليه بـ "الزمن الأميري"، إلى زمن أوسع منه هو الزمن الاجتماعي الذي تتحكم فيه الذهنيات والمؤثرات الطبيعية والاجتماعية. وبدلا من القول زمن الحاكم الفلاني أو زمن الدولة الفلانية، قال زمن الخوف من الطاعون وزمن الكرامات أو زمن البركة وزمن القبيلة. ومن خصائص هذا الزمن أنه زمن طويل يتجاوز القرنين من الزمن، بعكس الزمن السياسي الذي لا يتجاوز على الأكثر قرنين (ص) (38)؛ ومن ثم على المؤرخ أن يتجاوز المألوف، إلى البحث والتنقيب عن المسكوت عنه، أو ما يمثل سلوكًا محرمًا أو محظورًا في المجتمع، على غرار المثلية الجنسية والدعارة والخمر والشعوذة والسحر والانحرافات العقدية (ص 39)، وعليه أيضًا أن يرتحل من المستوى الثقافي الذي يؤرخ للعلماء والحركة العلمية إلى تسليط الضوء وإزالة الغموض المتعلق بالأميين الذين لم ينالوا تعليمًا.


على أن عدة المؤرخ في ذلك ليست المصادر المكتوبة فقط، فنادرًا ما تطرقت هذه المصادر إلى هذه الفئة المنبوذة؛ لذا ينبغي أن يُوسع عدته المصدرية بالاعتماد على الموروث الشفوي، نظرًا إلى أن هذا الموروث يحوي الكثير من الرموز والدلالات والتمثلات الاجتماعية لهذه الفئة (ص 39-40)، إضافة إلى توسيع حقل البحث في المجال الهامشي، وذلك بدراسة الذهنية والغوص في موضوعات أخرى؛ مثل تفاعل الإنسان مع البيئة، وموقفه من الأزمات الطبيعية والظواهر الاجتماعية (ص 41).


يعكف المؤرخ على استنطاق النص التاريخي بعمق وفق منهجية معينة، و"ركام" من الأسئلة الموجّهة إلى النص سماها المؤلف " استمارة أسئلة"، لاستجلاء الخبر الكامن والتفسير الدفين بين خبايا النص، مركزا على دراسة تاريخ المهمشين على الانتقال من الخاص إلى العام، بمعنى توسيع آفاق البحث وتبني التحليل وفق رؤية أفقية حتى يسلّط الضوء على تاريخ "كل الناس"، بدلا من الطبقة السياسية فقط (ص 45)، وعكس المنهجية. فبدلا من دراسة ما يحيط بالإنسان، يتم تحويل هذه اللمسة المنهجية إلى محور الإنسان؛ ومن ثم ندرس سلوكه ونفسيته وتصرفاته في هذه الظروف (ص 45)، ويتم تبني المنهج الشمولي اقتداء بما طبقه بروديل في أطروحته " المتوسط والعالم المتوسطي في عصر فيليب الثاني"؛ فقد درس عصرًا بأكمله من شتى نواحيه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية (ص (46) ضمن ما سماه "أسلوب الشبكة" (ص 46).


ركز المؤلف على المنهج الكمي الإحصائي، فهو يرى أن اعتماد المؤرخ على الرسومات البيانية والجداول الإحصائية مهم جدا لتدعيم الدراسة المتعلقة بفئة المهمشين، فلغة الأرقام تُبرهن أكثر على المعطيات المتعلقة بالحياة اليومية للمهمشين؛ من قبيل المعطيات الاقتصادية، وقوائم الأسعار، والمنتوجات الزراعية المستهلكة بكثرة، وأسعار المواد الغذائية في أوقات الاستقرار والحروب، والمعطيات الديموغرافية قبل الحروب وبعدها (ص 46-47).


بحسب المؤلف، يساعد توظيف المنهج السيميائي - وهو منهج يقوم على تفسير الرموز والدلالات المبطنة بين ثنايا النص التاريخي واستكناهها - المؤرخ على كشف ما لم يكن راغبا في الإفصاح عنه صاحب النص، ولهذا المنهج أثر محمود في النصوص المناقبية وكتب التصوّف، فهو يُعد ملائما لمثل هذه النصوص التي تعج بالرموز والمعاني المسكوت عنها، بل يمكن اعتبار أن المسكوت عنه في هذه النصوص أكثر من المصرح به، وهو ما يمثل "فجوة مصدرية " بشأن تمكن المؤرخ من الحصول على تفصيلات أكثر فيما يخص الطبقة المهمشة (ص 48-49).


يسعى المؤلف، أيضًا، إلى اعتماد المقاربة الأنثروبولوجية، وهي مقاربة تقوم على دراسة عادات الأمم والجماعات وتقاليدهم؛ وذلك بالتعمق في ذهنياتهم وسلوكهم وتكوينهم الجسماني. ووفق نظرة التاريخ الجديد يُساهم هذا المنهج في إماطة اللثام عن بعض الألغاز التي تقف في طريق مؤرخ المهمشين؛ بفضل قدرته على تفكيك عناصر البنية الفردية للإنسان والمجتمع بكل ما تمثله من ارتسامات ذهنية وفيزيولوجية وتعايشها مع معادلة البيئة والظروف (ص 49)."


رابط التحميل


عن الكاتب

كاتب التاريخ المغربي

التعليقات


اتصل بنا

نحرص دائما على عدم انتهاك حقوق الملكية الفكرية، لذا يحق للمؤلفين ودور النشر المطالبة بحذف رابط تحميل لكتاب من الموقع. إذا وجدت كتاب ملك لك ولا توافق على نشر رابط تحميل الكتاب أو لديك اقتراح أو شكوى راسلنا من خلال صفحة اتصل بنا، أو عبر البريد الإلكتروني: lamahat.histoirmaroc@gmail.com

جميع حقوق الكتب والدراسات تابعة لمؤلفيها من حيث الطباعة والنشر والخصوصية

لمحات من تاريخ المغرب