كتاب أثر العلم في المجتمع للمؤلف برتراند راسل - أونلاين بصيغة إلكترونية online pdf
حول الكتاب :
المؤلف : برتراند راسل.
المترجم : صباح صدّيق الدملوجي.
الناشر : المنظمة العربية للترجمة.
تاريخ النشر : 2009.
حجم الملف : 3.38 ميجا بايت.
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من الكتاب :
"الديمقراطية والتقنية العلمية
لقد أصبحت الديمقراطية كلمة ذات مفهوم غامض، فهي في شرق نهر الألبه (Elbe) تعني دكتاتورية عسكرية للأقلية تفرض بواسطة قوة الشرطة الاعتباطية. أما غرب الألبه فإن معناها أقل تحديداً لكنه بصورة عامة يعني التوزيع المتساوي للسلطة السياسية العليا بين كافة البالغين فيما عدا المجانين والمجرمين والأمراء». وهذا ليس تعريفاً دقيقاً لاحتوائه على كلمة «عليا». لنفترض أن الدستور البريطاني غُيّر في مسألة واحدة، وهي أن الانتخابات تحدث مرة كل ثلاثين سنة بدل مرة كل خمس سنوات، فإن هذا سيقلل من اعتماد البرلمان على الرأي العام بحيث يصعب دعوة النظام المستحدث بالديمقراطي. ويضيف العديد من الاشتراكيين الاقتصاد إلى السلطة السياسية ضمن ما يجب توزيعه بصورة عادلة في الديمقراطية. لكننا سنهمل هذه التساؤلات إن جوهر القضية هو التقرب من تساوي السلطة، ومن الواضح أن الديمقراطية قضية نسبية.
عندما يفكر الناس بالديمقراطية فإنهم يقرنونها بصورة عامة بقدر كبير من الحرية للأفراد والجماعات فالاضطهاد الديني على سبيل المثال سيقصى عن مخيلتنا رغم أنه يتماشى مع الديمقراطية كما عرفناها قبل برهة وأميل إلى الاعتقاد إن كلمة (الحرية)، كما كانت مفهومة في القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر، ليست بذات المفهوم حتى اليوم، وأفضّل أن أستعيض عنها بكلمة «فرصة للمبادرة وسبب اقتراحي هذا هو طبيعة المجتمع العلمي، فليس في الإمكان إنكار أن الديمقراطية لا تثير فينا نفس الحماس الذي أثارته لدى جان جاك روسو ورجال الثورة الفرنسية، والسبب الرئيسي لذلك أننا حققناها.
يقوم دعاة الإصلاح بتضخيم قضيتهم، لذا يتوقع أتباعهم من الإصلاح تحقيق العصر الألفي السعيد . وعندما فشل الإصلاح في تحقيق ذلك ظهر التذمر، رغم أن الإصلاح أمن منافع حقيقية وملموسة. اعتقد الفرنسيون في زمن لويس السادس عشر أن كافة المصائب سببها الملك والكهنة، لذا قاموا بقطع رأس الملك وحولوا القساوسة إلى هاربين مطلوب القبض عليهم. لكن الفرنسيين فشلوا في التمتع بالنعم السماوية، لذا قرروا أنه لا ضرر في الأباطرة رغم أن الملوك سيئون.
وكان أمر الديمقراطية مشابهاً، فدعاتها الرزينون، وبخاصة بنتام ومدرسته، تمسكوا بالرأي القائل إن الديمقراطية ستقضي على بعض الشرور وبرهنوا على صحة ادعائهم بشكل عام. لكن المتحمسين لها، وبخاصة أتباع روسو، اعتقدوا أنها ستحقق أكثر بكثير مما كان يتوقعه المنطق السليم. لكن نجاحاتها المعقولة نسيت، وذلك لأن الشرور التي عالجتها لم تعد موجودة لتسبب السخط نتيجة لذلك بدأ الناس يصغون إلى سخرية كارلايل ) (Carlyle) من الديمقراطية وإلى القدح الذي أطلقه نيتشه في حقها واصفاً إياها بأخلاقية العبيد.
إن عبادة الأبطال تمثل طقوساً فوضوية ومتخلفة ومن الصعب توافقها مع متطلبات المجتمع العلمي. لكن الشيوعية تحمل اتجاهاً مغايراً، وهذا الاتجاه رغم عدم ديمقراطيته يتماشى مع التطورات التقنية في الصناعة الحديثة، لذا فإنه يستحق الاعتبار. هذا الاتجاه لا يعطي الأهمية للأبطال أو للناس العاديين بل للمؤسسات، فمن وجهة النظر هذه ليس للفرد من اعتبار من دون الجماعة التي هو عضو فيها، وكل جماعة هذا النوع تمثل ـ كما يقال - قوة اجتماعية، من والسبب الوحيد لأهميته هو كونه عنصراً في هذه الجماعة.
وهكذا تتبلور لدينا وجهات نظر ثلاث تقودنا إلى ثلاث فلسفات سياسية : فأنت تستطيع النظر إلى الفرد على أساس أنه (أ) رجل اعتيادي، أو (ب) بطل، أو (ج) جزء من ماكنة. تقودنا النظرة الأولى إلى الديمقراطية بطرازها القديم، أما النظرة الثانية فتقودنا إلى الفاشية، وتقودنا الثالثة إلى الشيوعية. أعتقد أن الديمقراطية إذا أرادت أن تستعيد القوة الملهمة للعمل بعزم فعليها أن تأخذ بنظر الاعتبار ما هو صحيح في الطريقتين الأخيرتين لاعتبار الفرد.
ويعطي كل فرد مثالاً لوجهات النظر الثلاث في مواقف مختلفة، فأنت رجل اعتيادي حتى لو كنت أشعر الشعراء الأحياء حين يتعلق الأمر بدفتر التموين أو حين تذهب إلى مقصورة الاقتراع لتدلي بصوتك في الانتخابات.
ومهما تكن حياتك اليومية عادية فهناك فرصة جيدة لك لإبداء بطولتك بين الحين والآخر، فقد تنقذ أحد الأشخاص من الغرق أو تموت بنبل في ميدان المعركة (وهو الأكثر احتمالاً). وأنت جزء من ماكنة إذا كنت تعمل ضمن مجموعة منظمة كالجيش أو صناعة التعدين. إن الذي فعله العلم هو تكبير النسبة المقتطعة من حياتك التي تكون فيها جزءاً من ماكنة إلى حد تعريض ما هو حقك كبطل أو كرجل اعتيادي للخطر. ومهمة داعية الديمقراطية المعاصر هو تطوير فلسفة تتجنب هذه الخطورة.
وفي نظام اجتماعي جيد يكون كل إنسان في ذات الوقت رجلاً اعتيادياً وبطلاً وجزءاً من ماكنة إلى أبعد حد ممكن. ولكن إذا كان امتلك الإنسان أيّاً من هذه الصفات بدرجة استثنائية، فإن دوريه الآخرين سوف يتقلصان، فبوصفه بطلاً يجب أن يمتلك الفرصة للمبادرة، وكرجل اعتيادي يجب أن يكون لديه الأمان، وكجزء من ماكنة يجب أن يكون ذا فائدة ولا تستطيع أمة نيل التفوق بأي من هذه الصفات وحدها، ففي بولندا قبل تقسيمها كان الجميع أبطالا (على الأقل النبلاء منهم والغرب الأمريكي الأوسط هو موطن الرجل الاعتيادي، أما في روسيا السوفياتية فالكل، عدا أعضاء المكتب السياسي (البوليتبيورو) (Politburo) أجزاء من الماكنة. ولا أحد في أي من هذه المواقع الثلاث مقنع تماماً."
رابط تحميل الكتاب