كتاب تهافت التهافت - انتصاراً للروح العلمية وتأسيساً لأخلاقيات الحوار تأليف د. محمد عابد الجابري - أونلاين بصيغة إلكترونية online pdf
معلومات عن الكتاب :
إسم الكتاب : تهافت التهافت - انتصاراً للروح العلمية وتأسيساً لأخلاقيات الحوار.
تأليف : د. محمد عابد الجابري.
الناشر : مركز دراسات الوحدة العربية.
تاريخ النشر : 01/01/2016.
الحجم : 16.74 Mo.
عدد الصفحات : 578.
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من الكتاب :
"[ ٢٨ - قياس البعد الزماني بالبعد المكاني..! ]
٢٤ ] قال أبو حامد مجيبا للفلاسفة ( نيابة) عن المتكلمين في معارضة هذا القول :
[ أ ] قلنا المفهوم الأصلي من اللفظين "وجود" ذات" و "عدم ذات"، والأمـ الثالث الذي فيه افتراق، اللفظين نسبة لازمة بالإضافة إلينا. بدليل أنا لو قدرنا عـــــــدم العالم في المستقبل، ثم قدرنا له بعد ذلك وجودا ثانيا، لكنا عند ذلك نقول: "كان الله ولا عالم". ويصح قولنا سواء أردنا به العدم الأول أو العدم الثاني الذي هو بعد الوجود. وآيـــــة ذلك أن هذه نسبة إلى المستقبل، يجوز أن يصير ماضيا، فيُعبر عنه بلفظ الماضي.
[ب] وهذا كله لعجز الوهم من توهم موجود مبتدأ إلا مع تقدير قبل له.
[۱] وذلك القبل الذي لا ينفك الوهم عنه يُظَنُّ أنه شيء محقق موجود هو الزمـــان. وهو كعجز " الوهم عن أ أن يُقدِّر تناهي الجسم في جاني الرأس، مثلا، إلا على سطح له فوق، فيتوهم أن وراء العالم مكانا : إما ملاء وإما خلاء.
[٢] وإذا قيل ليس فوق سطح العالم فوق ولا بُعْد أبعد منه، امتنع الوهم من الإذعان لقبوله، كما إذا قيل: ليس قبل وجود العالم قبل هو وجود محقق، نَفَرَ عن قبوله.
[٣] وكما جاز أن يُكذِّبَ الوهم في تقديره فوق العالم خلاء هو بعد لا نهاية له بأن يقال له (للوهم: الخلاء ليس مفهوم وما(ب) في نفسه وأما البعد فهو تابع للجسم الذي تتباعد أقطاره، فإذا كان الجسم متناهيا كان البعد الذي هو تابع له متناهيا وانقطع الملاء، والخلاء غير مفهوم فثبت أن ليس وراء العالم لا خلاء ولا ملاء.
[٤] وإن كان الوهم لا يذعن لقبوله، فكذلك يقال: كما أن البعد المكاني تابع للجسم فكذلك البعد الزماني تابع للحركة فإنه امتداد الحركة، كما أن ذلك (البعد المكاني) امتداد أقطار الجسم.
[٥] وكما أن قيام الدليل على تناهي أقطار الجسم، منع من إثبات بعد مكاني وراءه، فقيام الدليل على تناهي الحركة من طرفيه يمنع من تقدير بعد زماني وراءه.
[٦] وإن كان الوهم متشبثا بخياله وتقديره ولا يرعوي عنه، ولا فرق بين البعــــد الزماني الذي تنقسم العبارة عنه، عند الإضافة إلى قبل وبعد، وبين البعد المكاني الذي تنقسم العبارة عنه، عند الإضافة إلى فوق وتحت، فإن جاز إثبات فوق لا فوق فوقــه جـــــــاز إثبات قبل ليس قبله قبل. محقق إلا خيال وهمي، كما في الفوق. وهذا لازم، فليتأمل. فإنهم اتفقوا على أن ليس وراء العالم لا خلاء ولا ملاء.
[٢٤-ر] قلت :
حاصل هذا القول معاندتان :
[ أ ] إحداهما : أن توهم الماضي والمستقبل اللذيـن همـا القبل والبعد هماشيئان موجودان بالقياس إلى وهمنا إذ قد يمكننا أن نتخيل مستقبلا صـار ماضيا وماضيا كان قبل مستقبلا. وإذا كان ذلك كذلك فليس الماضي والمستقبل من
الأشياء الموجودة بذاتها، ولا لها خارج النفس وجود، وإنما هي شيء تفعله النفس. فإذا بطل وجود الحركة يبطل مفهوم هذه النسبة والمقايسة.
[ ب ] والجواب أن تلازم الحركة والزمان صحيح، وأن الزمـان هـو شـيء يفعله الذهن في الحركة. لكن الحركة ليست تبطل ولا الزمان. لأنـه ليـس يمتنع وجود الزمان إلا مع الموجودات التي لا تقبل الحركة، وأمـا وجـود الموجودات المتحركة، أو تقدير وجودها فيلحقها الزمان ضرورة فإنـه ليـس هاهنـا إلا موجودان موجود يقبل الحركة وموجود ليس يقبل الحركة. وليس يمكن أن ينقلب أحد الموجودين إلى صاحبه إلا لو أمكن أن ينقلب الضروري ممكنـا. فلو كانت الحركة غير ممكنة ثم وجدت لوجب أن تنقلب طبيعة الموجودات التي لا تقبل الحركة إلى طبيعة التي تقبل الحركة، وذلك مستحيل.
ج ] وإنما كان ذلك كذلك لأن الحركة هي في شيء ضرورة. فإن كانت الحركة ممكنة قبل وجود العالم، فالأشياء القابلة لها هي في زمان ضرورة، لأن الحركة إنما هي ممكنة فيما يقبل السكون، لا في العدم لأن العدم ليس فيه إمكان أصلا، إلا لو أمكن أن يتحول العدم وجودا. ولذلك لابد للحادث من أن يتقدمه العدم، ولابد أن يقترن عدم الحادث بموضوع يقبل وجود الحادث، ويرتفع عنه العدم، كالحال في سائر الأضداد. وذلك أن الحار إذا صار بـاردا فليس يتحول جوهر الحرارة برودة، وإنما يتحول القابل للحرارة والحامل لهـا مـن الحـرارة إلى البرودة.
[د] وأما العناد الثاني، وهو أقـوى هـذه العنادات، فإنه سفسطــائي خبيث. وحاصله أن توهم القبلية قبل ابتداء الحركة الأولى التي لم يكن قبلها شيء متحرك، هو مثل توهم الخيال أن آخِرَ جسم العالم، وهـو الفــوق مثلا، ينتهي ضرورة إما إلى جسم آخر وإما إلى خلاء. وذلك أن البعد شيء يتبع الجسم، كما أن الزمان هو شيء يتبع الحركة. فإن امتنع أن يوجد جسم لا نهاية لـه امتنع بعد غير متناه. وإذا امتنع أن يوجد بعد غير متناه امتنع أن ينتهي كل جسم إلى جسم آخر، أو إلى شيء يُقدَّرُ فيه بعد، وهو الخلاء مثلا. ويمـر ذلك إلى غير نهاية. وكذلك الحركة، والزمان هو شيء تابع لها، فإن امتنع أن توجد حركة ماضية غير متناهية، وكانت هاهنا حركة أولى متناهية الطرف من جهة الابتداء، امتنع أن يوجد لها قبل إذ لو وجد لها قبل، لوُجدت قبل الحركة الأولى حركة أخرى.
[ هـ ] وهذه المعاندة هي كما قلنا خبيثة، وهي من مواضع الإبدال المغلطة، إن كنت قرأت كتاب السفسطة.
[١] وذلك (الإبدال (هو) الحكم للكم، الذي لا "وضع " لـه ولا يوجد فيـه "كل" وهو الزمان والحركة، كحكم الكم الذي له "وضع " و"كل" وهو الجسم، وجعل امتناع عدم التناهي في الكم ذي الوضع دليلا على امتناعه في الكم الذي لا وضع له. وجعل فعل النفس في توهم الزيادة على ما كان يعرض بالفعل منهما من باب واحد. وذلك غلط بين.
[٢] فإن توهم الزيادة على العظم الحجم الوضع المكـان) الموجود بالفعل، وأنه يجب أن ينتهي إلى عظم آخر، ليس هـو شيئا موجودا في جوهر العظم ولا في حده. وأما توهم القبلية والبعدية في الحركة المحدثة فشيء موجود في جوهرها. فإنه ليس يمكن أن تكون حركة محدثة إلا في زمان، أعني أن يفضل ( = يسبق) الزمان على ابتدائها.
[٣] وكذلك لا يمكن أن يتصور زمان له طرف ليس هو نهاية لزمان آخر، إذ كان حد "الآن" أنه الشيء الذي هو نهاية للماضي ومبدأ للمستقبل. لأن "الآن" هو الحاضر، والحاضر هو وسط ضرورةً بين الماضي والمستقبل. وتصور
حاضر ليس قبله ماض هو محال.
[٤] وليس كذلك الأمر في النقطة لأن النقطة نهاية الخط وتوجد معه، لأن الخط ساكن. فيمكن أن تتوهم. نقطة مبدأ لخط، وليست نهاية لآخر. و"الآن" ليس يمكن أن يوجد لا مع الزمان الماضي ولا مع المستقبل، فهو ضرورة بعد الماضي وقبل المستقبل. وما لا يمكن فيه أن يكون قائما بذاته، فليس يمكن أن يوجد وجود المستقبل من غير أن يكون نهاية لزمان ماض.
[٥] فسبب هذا الغلط تشبيه "الآن" بـ"النقطة". وبرهان أن كل حركة محدثة (= لابد أن يكون قبلها زمان (هو) : أن كل حادث لابد أن يكون معدوما. وليس يمكن أن يكون ذلك (الحادث) في "الآن" الذي يصدق عليه أنه حادث معدوما، فبقي أن يصدق عليه أنه معدوم في "آن" آخر غير "الآن" الذي يصدق عليه فيه أنه وجد، وبين كل آنين زمان. لأنه لا يلي آن آنـا كمـا لا يلي نقطة نقطة."
رابط تحميل الكتاب