لمحات من تاريخ المغرب لمحات من تاريخ المغرب

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

كتاب نحن والتاريخ: مطالب وتساؤلات في صناعة التأريخ وصنع التاريخ pdf تأليف قسطنطين زريق

تحميل وتصفح كتاب نحن والتاريخ: مطالب وتساؤلات في صناعة التأريخ وصنع التاريخ تأليف قسطنطين زريق - أونلاين بصيغة إلكترونية online pdf







معلومات عن الكتاب :


إسم الكتاب : نحن والتاريخ: مطالب وتساؤلات في صناعة التأريخ وصنع التاريخ.


المؤلف : قسطنطين زريق.


الناشر : دار العلم للملايين.


حجم الملف : 18.0 ميجابايت.


صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf). 


Ebook download PDF 


 



مقتطف من الكتاب :


"صنع التاريخ


ليس سبيل ادراك الماضي واكتساب الوعي التأريخي الصحيح سبيلاً مختصراً هيناً، وإنما هو سبيل طويل عسير، يتدرج فيه الساعي من الجهد لتحقيق أحداث الماضي بأدق أساليب الصناعة التأريخية، إلى التفكير فيه تفكيراً نافذاً شاملاً يربط بين تلك الأحداث ويسبر غورها، إلى محاولة استكشاف العوامل التي تفعل فيه، إلى الحكم على مظاهره ونتائجه بأضبط الموازين وأعدلها. وتتكون من نتيجة هذا السعي معرفة متدرجة نامية لحقيقة الماضي، كما تتكون في الساعي ذاته فضائل عقلية وخلقية وثقافة متميزة تتوجها كلها فضيلة الحكمة تلك الفضيلة التي هي غاية الجهود العقلية وأنفس ثمار الثقافة وأعزها وأبقاها.


على ان الانسان ليس كائناً مدركاً فحسب، وإنما هو كائن عامل أيضاً. لا يكتفي بادراك العالم الذي يحيط به وادراك ذاته ( ومن ضمن ذلك ماضيه )، وإنما يظل يعمل وينفذ ويحقق، ومن خلال هذا كله يحدث اثره في تبديل عالمه وتبديل ذاته. إن الانسان هو، من بين المخلوقات كلها، الكائن الذي يحس بالمشكلات التي تجبهه وينهض لمعالجتها، ويرى الامكانات التي تنفسح من خلالها ويختار بينها. لقد وجد على وجه هذه البسيطة، تكتنفه طبيعة زاخرة القوى عميقة الاسرار، فجاهد جهادا عنيفاً طويل المدى لاقتناص وسائل عيشه وكفالة أمنه وحماية ذاته وذويه من فعل هذه القوى، وانصرف ما أمكنه الانصراف إلى محاولة التغلب عليها وتسخيرها لمصلحته وخيره. وكذلك جابه مشكلات طبيعته البدائية، وما تتصف به من طمع وغرور وجهل، وسعى - ناجحاً حيناً مخفقاً حيناً آخر - إلى ان يقهر ضعفه ونقائصه ويسمو بحياته الفردية وبتنظيمه الاجتماعي إلى المراتب التي يكشفها له عقله المتطلع إلى الحق ونفسه المتشوقة إلى الخير. ولم يكن هذان الجهادان جهاد الطبيعة وجهاد النفس منفصلين مستقلين، بل كانا مترابطين متفاعلين يستفيد أحدهما من الآخر ويتقوى به ويقويه. وكانت المدنية الانسانية والثقافة الانسانية، بمختلف مظاهر هما وأشكالهما، نتيجة هذين الجهادين، بل هذا الجهاد المشترك، الذي قام به الانشان، فرداً وجماعة، والذي ما زال يتابعه - بل الذي سيظل يتابعه ما دام انساناً لمجابهة مشكلات عالمه الخارجي وعالمه الداخلي. 


ولعلنا لا تعدو الحق إذا قلنا ان رقي أي انسان يقاس بطبيعة المشكلات التي تحس بها والتي تثير قلقه واهتمامه، وبنوع هذا الاحساس والقلق والاهتمام، وبقيمة النتاج المادي والفكري والروحي الذي يؤدي اليــه ويبرزه إلى حيز الوجود. وما ينطبق على الفرد ينطبق على الجماعة والامة والحضارة، فان مرتبة كل منها في مدارج الرقي ومعارج التقدم رهن بنوع المشكلات التي تتحداها وبطبيعة احساسها بها وطرق مجابهتها لها ذلك ان المشكلات الإنسانية والاسئلة التي تثيرها تختلف من حيث البدائية والتطور، والبساطة والتعقد، والجدب والخصب، ومبلغ الاصالة والبقاء والاثر. كما ان الاحساس بها ورؤية الاختيارات الناتجة عنها مختلفان صفاء وحدة وامتلاكاً للنفس، وسبل معالجتها تتفاوت دقة وصحة واثماراً.


ومن هذا كله يكون الاختلاف والتفاوت في قيمة النتاج ومرتبة الحضارة وإذا قلنا الانسان العامل المجابة للمشكلات، فقد قلنا ضمناً الانسان



الحر في تصرفه، الواعي لحريته، المختار بين شتى السبل المفتوحة أمامه. فليس من عمل منتج لا تسبقه حرية واختيار. ونوع الانتاج وقيمته يتوقفان على مدى الحرية التي يتمتع بها المرء، وعلى ادراكه لهذه الحرية، وعلى استخدامه لها في ما يتوصل اليه من قرارات وفي ما يقدم عليه من اعمال.


ان الانسان الحي هو الانسان الذي يحس بضرورة اتخاذ قرارات ازاء ما يعترضه من مسائل، هو الذي يشعر بالتحدي - تحدي الطبيعة والتحدي البشري - وبالحاجة إلى الرد عليه، هو الذي يدرك امكانات الاختيار ومواضع القرارات ويحسن الاقدام عليها. ولعل هذه هي أبلغ أمثولة يلقننا إياها التاريخ : وهي ان الحياة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بنوع اختيارنا ومذاه، وبطبيعة قراراتنا، وانها بالتالي تتأثر بما نعتزم وما نصنع، وتتوقف إلى مدى بعيد على مؤهلاتنا للاعتزام الواعي الصادق والصنع المحكم السليم. نقول هذا غير ناسين أو متناسين ان للحياة قيودها وحدودها من حيث المحيط الطبيعي والمؤسسات الاجتماعية والاحوال السياسية والاقتصادية والثقافية. فان من صفات الاعتزام والصنع الصحيحين تبين هذه الحدود والقيود وإنما نقوله لأننا نرى في الماضي امكانات اومة للاختيار من ضمن الحدود، وأحياناً عبر الحدود، قد حققت حيناً، ولم تحقق حيناً آخر تبعاً لمؤهلات الافراد والجماعات الذين انفسحت أمامهم. وبكلمة أخرى : اننا لا نجد التاريخ، كما لا نجد الحياة الحاضرة، حصيلة قوى متسلطة على الافراد والجماعات، مستقلة عنهم، غير متأثرة بهم، حارمة إياهم جدوى الاختيار والفعل وامكان الإسهام في تكييف مجرى هذه القوى ذاتها.


يختلف الناس من هذا القبيل : من قبيل مجابهتهم للمشكلات ومدى ما يتصفون به من اختيار وعزم وينقسمون فرقاً وفئات. فمنهم فئة لا تشعر إلا بأقرب المشكلات اليها من حيث ضمان العيش واستمراره، وتجابه هذه المشكلات باحساساتها البدائية أو بالتقليد السائد في مجتمعها تلك هي الفئة الغالبة في المجتمعات البدائية، والتي نجدها أيضاً في المجتمعات المتحضرة، ولكنا لا نجد لها - اسهاماً في حضارة هذه المجتمعات أو اثرا في شق طرق جديدة أو ابداع اشكال متطورة راقية لحياتها أو لحياة قومها أو للحياة الانسانية عموماً، وبعرفنا أن هذه الفئة لم تحقق انسانيتها لم تحقق إلا أذنى مراتب هذه الأنسانية. فهي تطفو على مجرى التاريخ يجرها معه إلى هنا وهناك، دون أن يكون لها أثر في توجيهه أو تعديل سيره، لأنها لم تر ما يعترض هذا المجرى ويسد عليه سبيله، ولم تتنبه إلى ما ينفسح أمامها من وسائل وامكانات من خلال هذه السدود أو على رغمها، ولم تحقق هذه الامكانات تحقيقاً يمكنها من ان تفرض ذاتها، من قريب أو من بعيد، على مجرى التاريخ. إنها في المستوى الذي تعيش فيه قد تذكر ماضيها أو تتخيله أو تتوهمه، ولكن هذا التذكر لا ليصبح عاملاً حافزاً على التحكم بالحاضر أو اعداد المستقبل، فلا يسهم بالتالي في صنع الحياة."


رابط تحميل الكتاب


عن الكاتب

كاتب التاريخ المغربي

التعليقات


اتصل بنا

نحرص دائما على عدم انتهاك حقوق الملكية الفكرية، لذا يحق للمؤلفين ودور النشر المطالبة بحذف رابط تحميل لكتاب من الموقع. إذا وجدت كتاب ملك لك ولا توافق على نشر رابط تحميل الكتاب أو لديك اقتراح أو شكوى راسلنا من خلال صفحة اتصل بنا، أو عبر البريد الإلكتروني: lamahat.histoirmaroc@gmail.com

جميع حقوق الكتب والدراسات تابعة لمؤلفيها من حيث الطباعة والنشر والخصوصية

لمحات من تاريخ المغرب