مقالة "الأولياء والأسود في تاريخ المغرب الوسيط: نماذج من العصرين الموحدي والمريني" تأليف مصطفی نشاط - أونلاين بصيغة إلكترونية online pdf
معلومات عن المقالة :
العنوان : الأولياء والأسود في تاريخ المغرب الوسيط: نماذج من العصرين الموحدي والمريني.
المؤلف : مصطفی نشاط.
المصدر : التصوف والمجال والإنسان أعمال مهداة إلى الأستاذ عبداللطيف الشادلي.
الناشر : الجمعية المغربية للبحث التاريخي.
سنة النشر : 2016.
صيغة المقالة : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من المقالة :
"قد يكون ذكر الأسد من أكثر الحيوانات ورودا بالمصادر المغربية الوسيطية، ليس لشهرته بالقوة والبأس فحسب، بل لأن ذلك يعكس واقع كثرة الأسود بالبيئة المغربية الوسيطية. فالإشارات المصدرية المتوافرة عن هذا الحيوان، تسمح بالقول بأنه عاش بمختلف مناطق المغرب الأقصى الشمالية الغربية على خط يربط بين بسيط أنكاد بالشمال الشرقي إلى جبال درن بالجنوب الغربي. ويقدم ابن الزيات لوحة مهمة عن حضور الأسود بالمغرب في العصر الموحدي، إذ كانت تنتقل بهسكورة وبلد إيلان وحول أزمور وبجبل درن وبتادلا وجبل إيروجان وأنسا ،وتاحنيت وحول مدينة فاس. كما أن الأسود وجدت في العصر نفسه بمقربة من مكناسة وبالغابة على وادي أم الربيع. وتتزايد الإشارات عن وجود الأسود بالمغرب في العصر المريني، فقد أصبحت تعيش بمحاذاة فاس، حتى إن أحدها وصل إلى باب الفتوح، وكانت الأسود تتحرك كذلك بالفضاء الممتد من مليلة إلى كبدانة . كما كانت منطقة آسمير بظاهر سلا معروفة آنذاك بأسودها. ولعل أو فى لوحة عن انتشار الأسود بالمغرب الوسيط، هي التي قدمها الوزان عن العصر الوطاسي الذي هو امتداد للعصر المريني، فقد وجدت بجبل زرهون وبمنطقة الحجر الأحمر، وبسايس والمعمورة وعلى ضفاف لكوس والهبط وبمنطقة أكلا وبجبل سليليو وبسهب المرجة وأزغار إيكمارن ومزدغة وبجبل حنك الغربان وببسيط أنكاد.
لم يكن الأسد بالمغرب الوسيط مجرد حيوان مفترس يعيش منزويا بالغابة، بل إنه بصم حياة المغاربة عصرئذ ، فقد كان يقطع الطريق على المارين، وافترس بعضهم أحيانا ونجا منه البعض الآخر فرارا، وأصبح في بعض المناطق يؤثت مشهدها العام، ويعيش في ألفة . مع سكانها، كما أنه تجاوز حدود الغابة والأحراش ووصل إلى أبواب بعض المدن. ولم يكن الأسد غائبا عن مدينة مراكش، حيث كان يخصص له معرض منفصل عن باقي الحيوانات الوحشية.
ومن المعلوم أن الخليفة الموحدي عبد المومن لم يتوان عن توظيف رمزية الأسد لتكريس سلطته وإخضاع محكوميه ذلك بأنه تعود على التوصل بالأسود كهدايا، وكان يثيب فاعليها عليها . وقد درب طائرا على ترديد كلمات بالعربية تقول "النصر والتمكين للخليفة عبد المومن أمير المؤمنين سند المملكة وناصرها وربي شبلا حتى صار له تبعا، ثم قام بدعوة شيوخ الموحدين وجلس في مكان عال ليطلعهم على خبر وفاة المهدي بن تومرت بعد إخفائه مدة ثلاث سنوات، وطلب منهم نبذ خلافاتهم، وأن يتم اختيارهم على رجل واحد يخولون له السلطة المطلقة، وبمجرد الانتهاء من كلمته، شرع الطائر في ترديد الكلمات الآنفة بالذكر. وفتح عبد المومن بابا كان الأسد بورائه، ولما شاهده الحضور وهو منفوش الشعر مكشرا عن أنيابه رافعا ذنبه، وعيناه تقدحان
بالشر..." استبد الذعر ،بالجميع وارتعدت فرائصهم، فتدخل عبدالمومن وأوقف الأسد عن هيجانه، وقد ظل الأسد رفيقا لعبد المومن "كالكلب الوفي، يرافقه حتى في المسجد أثناء الصلاة". وقد سجل الأشيري شاعر عبد المومن هذا المشهد بأبيات مما جاء فيها:
أنس الشبل ابتهاجا بالأسد ورأى شبه أبيه فقصد
ودعا الطائر بالنصر لكم فقضى حقكم لما وفد
لا يختلف عبد المومن في هذا المستوى وهو الخليفة عن الأولياء الذين اشتهروا في تاريخ المغرب الوسيط، مثل أبي يعزى بترويضهم للأسود إن كل رمز يحمل دلالات معينة تتغذى من الثقافة السائدة، فالأسد يرمز إلى الملك، إذ هو ملك الغابة، وكيف لا يرنو إلى ملك الآخرين من تمكن من ملك الأسد ولا غرو أن كان، وما يزال الأسد يتخذ رمزا في مختلف الثقافات، بما فيها الثقافات التي لم يعش الأسد ببيئتها.
كما غدا الأسد عنصرا من عناصر الاحتفالية بالمغرب الوسيط، فقد تعود بعض حكامه على الحضور لملعب الأسد حيث كان يصارع الثور، وقد حضر ابن جزي هذه المصارعة على عهد أبي عنان الذي كان يشرف عليها من أحد أبراج القصر السلطاني بفاس، على "ما جرت به عادة الملوك.
ومما قاله في شعر بهذه المناسبة:
لاح الخليفة من برج العلا تمرا يشاهد الحرب بين الثور والأسد
كما حضر لسان الدين بن الخطيب مبارزة الأسد للثور على عهد السلطان نفسه الذي كان "مولعا بقتل الأسد"، ووصف مراحلها إلى أن يخور الأسد عن المبارزة"متخبطا في دمه"، وأنشد ابن الخطيب قصيدة في الموضوع، ومما جاء فيها:
كان الهزبر محاربا فجزيته بجزاء من في الأرض رام فسادا
ويبدو أن أهم شاعر أرخ لمبارزة الأسد للثور في عهد أبي عنان، كان هو أحمد المنان الأنصاري الخزرجي الذي نظم في الموضوع قصيدتين، ويبلغ عدد أبيات الأولى 87 بيتا، وعدد أبيات الثانية 93 بيتا، ومما جاء في الأولى:
ومصارع الآساد ليست هذه بمصارع الإدلاج والإسراء
لقد كان يجلس أبو عنان بمكان عال بقصره بفاس ويختبئ المحاربون للأسد بأكرة مستدارة من خشب، ويدخل كل رجل في كرة يحركها ويمشي بها ويهم الأسد بافتراس الرجل ويضرب الكرة بيده فلا يكسرها لشدتها. ويقدم الشاعر المنان وصفا عن شبكة صيد الأسد وانتصابها بالقصر، يصف كذلك الثور المعد لمصارعة الأسد، ومما جاء في قصيدته الثانية:
ذلت لبطشه الأسود وأنها لتذل لولا عز بطشته الطلا."
رابط التحميل