كتاب "الحركات التبشيرية في المغرب الأقصى في النصف الثاني من القرن التاسع عشر" للمؤلف بلقاسم الحناشي - أونلاين بصيغة إلكترونية online pdf
معلومات عن الكتاب :
العنوان : الحركات التبشيرية في المغرب الأقصى في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
المؤلف : د. بلقاسم الحناشي.
تقديم : الأستاذ الدكتور عبد الجليل التميمي.
الناشر : مركز الدراسات والبحوث العثمانية والموريسكية والتوثيق والمعلومات.
عدد الصفحات : 207 ص.
حجم الكتاب : 6.94 ميجا بايت.
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من الكتاب :
"المظاهر الأولى للتبشير
يصعب التدليل عقليا على أسباب تفضيل دين سماوي على آخر إذا لم يراجع الانسان المعاني المتكاملة كإيحاء ينيره البعد المكتوب في صيغة صوره. وأقصد بالبعد المكتوب قدرة الرسل والأنبياء الذين جعلوا البشر يرون في الشيء عمقه. فرسالات الأنبياء كلها فضائل. وإن اختلف معتنقوها. بيد أن المسلم - بحكم العقيدة - يؤمن بجميع الأديان السماوية ولا يستبعد منها إلا «ما لحقته الشوائب والخرافات». وعندئذ يفترض التوفيق والتمييز بين الأصول الصحيحة وما يجوز رفضه وما لا يجوز. والمفاضلة بين عقيدة وأخرى لا بد أن تخضع للعقل. وإذا اتسعت ديانة لقبول المذاهب الفكرية والاجتماعية فهي تقيم قواعد الإصلاح الاجتماعي.
والمسيحية لم تكن تشريعية ولا سياسية اجتماعية بحكم نشأتها في بيئة المدنية الرومانية ذات الشرائع والقوانين. وفي الإسلام تتلاءم المصلحة الاجتماعية والمصلحة كما يوجبها الدين. فعقيدة المسلم تفرض كفالة العاجزين والضعاف والمحرومين وحق الفرد رهين مصلحة الجماعة يفسر كيف أن الأقليات المسيحية في البلدان الإسلامية، كانت ـ في العصر الوسيط ـ تتمتع بحماية الدولة الإسلامية وبحرية ممارسة طقوسها الدينية، وتخضع لمبادىء الشريعة الإسلامية وبذلك كانت العلاقات تتسم بروح التسامح، ولم تتغير طبيعة هذه العلاقات إلا بالعداوة المسيحية لما شنّت أروبا حملاتها الصليبية ضد المسلمين (1096 - 1270) ومع ذلك طوى المسلمون صفحة الماضي وسمحوا للأقليات المسيحية من جديد بممارسة التجارة وأداء الطقوس الدينية. ولكن الكنيسة، بدأت سياسة ديبلوماسية لمحو الماضي،
وأرسلت بعثاتها الدينية لتمارس نشاطها بين أفراد الجاليات المسيحية المقيمة في المدن الإسلامية. ذلك أن أروبا المسيحية تأكدت من انهيار الدولة العثمانية، حيث الركود الاقتصادي وتعفن نظام الحكم وأزمة خانقة وعجز أمام التوسع الاستعماري الأروبي وأصبح بذلك للتبشير حق التوسع كحق الاستعمار. وغيرت الكنيسة أساليب سياستها التبشيرية في القرن التاسع عشر، إذ أصبحت لا تدعو مباشرة الى اعتناق المسيحية بل ركزت جهودها على الأعمال الخيرية من إنشاء المستشفيات ومآوي لليتامى ووضع شعار الطب في خدمة التبشير، وإنشاء المدارس، وفي ذلك تدعيم ثقافة المستعمر. وفي المغرب الأقصى أثير تاریخ الأقليات المسيحية والعودة إلى القرن الثالث عشر، لإعطاء رسالة التبشير أسساً تاريخية. فحينما وجه مولاي الحسن الأول (1873 1894 م) بعثات من الطلبة لأروبا، وبدأ اللقاء بين ثقافتي الشرق والغرب ولأول مرة في تاريخ المغرب الأقصى، تأكد لمفكري المسيحية أنه لا يمكن طبع ثقافة هؤلاء بطابع النفور من عقيدتهم، وجعلهم نواة للتبعية الثقافية والتمدنية، ولما عادوا إليهم نظرة ريب وبدأ الأمر لا يتعلق بصراع عقائدي بل هو صراع ايديولوجي. وما العقيدة إلا جملة مبادىء يؤمن بها الإنسان عن اقتناع عقلي وعاطفي. بينما الايديولوجية هي إيمان شخصي أو جماعي لثبوت علل عقلية وبراهين عملية. فالعقيدة ثابتة ويقينية لا تضر بمصلحة الإنسان وهي تعايشه وتتفاعل معه وتحافظ على جوهرها أما الإيديولوجية هي تعقيدات ظرفية والعقيدة إذا فرضت تتحول الى إيديولوجية. واجتهدت الديانات بتفاوت لتعكس سائر المجتمعات ولم يتم لها ذلك ربّما - لعجز رجال الدين والفلاسفة عن تكييفها بشكل يتلاءم مع الأصول والتطوّر فقد استنفذ المسيحيون وسائلهم - في أروبا ذاتها - لكبح تيارات الحاد وخابوا، فالتجأوا الى التغطية الاستعمارية، ونشطت الارساليات لمساعدة الاستعمار وتحولت الذهنيات واختل التوازن.
وصورة الكهنوني ـ في المسيحية «ليست دائما هي الصورة الحقيقية التي يكون عليها في سلوكه الشخصي لأن الكاهن يطمح في أن يصبح «الدين أداة تسلط وحكم وإخضاع» لمساعدة الأروبيين على فتح الأسواق والاتجار فيها أي «فتح المراكز التي تمهد للاستعمار ». وبذلك يتكامل التبشير مع الاستعمار.
اتضحت أساليب لتبشير في المغرب الأقصى مع شارل دو فوكو (Charles de Foucauld) (1858 – 1916 م) الذي كان يسجل الأخبار والمعلومات لتبليغها إلى رجال الاستعلامات الاستعمارية. واهتم بالمغرب اهتماما كبيرا لبحث الوسائل التي تسهل التغلغل الاستعماري فقد تنكر هذا المبشر في لباس يهودي. ذلك أن المغاربة اعتادوا رؤية اليهود يوميا، ولأنهم يعاملونهم كمغاربة معاملة شرعية لائقة بوضعهم. وكان دوفوكو يخفي تحت ستارته آلات لمعرفة الطريق وللملاحظة والتقويم (بوصلة)، ساعة، بارومتر جيب، دفتر تسجيل وبداخله لفة فيلم. وقدّم دوفوكو هويته بألوان مختلفة، فهو من مواليد بيت المقدس وهو من موسكو وهو من الجزائر - تبعا للظروف - وفي أغلب الحالات يتقمّص صفة اليهودي المتسول (l'ermite) ليبحث عن وضع اليهود. وساعده في كل تنقلاته الربي مردوخ الذي عمل كحاجب لدوفوكو يمنع كل من يريد الوصول إليه أثناء عمله، كما ساعده بعض شيوخ الطرق لجهالتهم وطمعهم. وأطلق دوفوكو على نفسه اسما مستعارا (الربي يوسف).
حاول دوفوكو وهو في بني عباس (الجزائر) ان ينصر الكبار ففشل وحاول استيعاب الصغار لتنشئتهم على المسيحية فخاب أيضا. ولمّا طال انتظاره لاحتلال فرنسا للمغرب اتجه صوب الطوارق واستقر في الهقار بتما نراست على بعد 700 كم من «عين صالح» أين قتل. واعتبر بعض مؤرخي الغرب لشمال افريقيا «أن دوفوكو نموذج للتبشير لا في المغرب الأقصى فقط بل في كل شمال افريقيا». لأنه وإن بدأ بالريادة، اقتنع بأن تنصير المسلمين هو الوسيلة الوحيدة لتكتسح فرنسا هؤلاء السكان ويدوم بقاؤها. فكتب بتاريخ جويلية 1916 ما ترجمته : « أعتقد أنه إذا لم يتم تنصير السكان المسلمين في شمال افريقيا، ستقوم حركة وطنة على غرار ما حدث بتركيا».
وستكون نخبة من المثقفين بالمدن الكبرى متأثرة بالفكر الفرنسي ولا يكون لها إحساس الفرنسيين ولا طيبتهم، وأن هذه النخبة تتاح لها الفرصة للاحتفاظ بمظاهر الإسلام مهما تلاشت معانيه، لتؤثر على السكان، بينما سيبقى الشعب من البدو الرحل جاهلا وعديم الصلة بنا متمسكا بإسلامه، حاقدا على الفرنسيين، محتقرا لهم بدافع الوازع الديني وبأشياخهم، وهكذا) (تكون معاملة الفرنسيين من رجال السلطة، ومعمرين وتجار ممن لا يلمس فيهم دافعا على محبتنا ولهذا فإن الروح الوطنية ستشبّ في نفس النخبة المثقفة التي عندما تتاح لها الفرصة بسبب صعوبات داخلية أو خارجية تحدث لفرنسا) فإنها ستخرج بالإسلام لتحريض الشعب الجاهل على الثورة وتحاول خلق امبراطورية افريقية مستقلة إسلامية.
إن ثلاثين مليونا من البشر يسكنون في مستعمراتنا بشمال غرب افريقيا بما فيها الجزائر والمغرب وتونس وافريقيا الغربية، وإن هذه العدد سيتضاعف بعد خمسين سنة وتصبح هذه البلدان غنيّة مزدهرة وقد تعوّد سكانها على استعمال أسلحتنا وتكونت منهم نخبة بمدارسنا، وإننا إذا لم نجعل منهم رعايا فرنسيين فإنهم سيطردوننا، وأن الوسيلة الوحيدة ليصبحوا فرنسيين هي أن يصيروا نصارى».
هذ وبداية من الوثيقة يمكن استخراج العناصر التي تدور في أذهان المبشرين لتحقيق أمنهم واستقرارهم بتحقيق الاحتلال التنصيري. وفي ذلك أسلوب تأكيد الاستعمار وتصور التنصير على أنه القوّة التي لا يمكن التصدّي لها لما لديها من الإمكانات الاستخبارية الهائلة، بحيث تتمكن من رصد تحركات الزعماء والقادة علاوة على الفئة «المثقفة». والاستنتاج الثاني، هو تذرع واستغاثة لحماية ودعم التبشير بشمال افريقيا وغربيّها، وهذه الظاهرة تبدو كأنها غير قابلة للحياة بدون استعمار. والحقيقة أنه باستعراض أسس تكوين المبشرين، يظل العامل الاقتصادي في الدرجة الثانية، ذلك أنه يعتمد على المساعدات والهبات والى غير ذلك..."
رابط تحميل الكتاب