مقالة "التأريخ بالمناقب أو الوعي بالذات" تأليف د. محمد فتحة - أونلاين بصيغة إلكترونية online pdf
معلومات عن المقالة :
العنوان : التأريخ بالمناقب أو الوعي بالذات.
المؤلف : د. محمد فتحة.
المصدر : مجلة كلية الآداب و العلوم الإنسانية.
العدد / المجلد : 2010، العدد 30.
الناشر : جامعة محمد الخامس أكدال كلية الآداب و العلوم الإنسانية.
تاريخ النشر : 2010-12-31.
صيغة المقالة : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من المقالة :
"يتفق أغلب الدارسين الذين اعتنوا بقضايا التصوف وبمؤلفاته على أن كتابي المستفاد للتميمي والتشوف للتادلي يعدان من أقدم ما وصلنا من مصنفات في هذا الباب في المغرب الأقصى. فلماذا تأخر تدوين أخبار الزهاد والصلحاء إلى مطلع القرن السابع الهجري بالرغم من أن الإشارة إلى سابق تأليف في الموضوع غير منعدمة ؟ وما هي الحاجة الجديدة التي اقتضت الكتابة عن رجالات التصوف؟ هل يتعلق الأمر بالاقتداء بتجارب مشرقية معروفة في هذا الصدد كما هو الأمر بالنسبة لأبي النعيم الأصفهاني صاحب كتاب حلية الأولياء والتأسيس بالتالي، لصنف من الكتابة معروف بالكاد؟ أم أن كثافة الظاهرة والإنشغال بالخلاص الذاتي وإقبال أعداد متزايدة من الناس على بعض من اشتهر من شيوخ الوقت من أجل التوبة وتطهير النفس من دنس الدنيا، كان من بين أسباب الاهتمام بأخبار القوم حفاظا عليها وصونا لممارسة دينية جديرة بأن يقتدى بها؟ أم أنه بالإضافة إلى هذا وذاك، فإن تطور هذه الممارسة أدى إلى بروز تنافر جلي بين أهل الباطن وأهل الظاهر وإلى تشوف الأجيال اللاحقة من المتصوفة إلى تدوين أخبار الشيوخ وتجاربهم وتمنيعها بالكرامة تأسيا مؤلفات خص بها العلماء وحدهم.
ومما لاشك فيه أن التحول من وسط تداولت أخباره شفهيا من قبل، إلى وسط مدون لها، يعد في الواقع ترجمة لرغبة في ترصيد تجارب روحانية وسلوكية وتربوية من شأنها الانتصار لمنهج لم تشبه بعد تلك الشوائب التي مست بعض مكونات الوسط الفقهي بعد تورطه إلى جانب الحكام في اختيارات مشبوهة.
تعبر هذه السيرورة في اعتقادنا عن تموقع بعد إهمال وتطلع لاحتلال موقع بين أهل الفضل بعد الصحابة والتابعين ومن تبعهم فلا حديث عن العلماء إلا بشرط الانقطاع للعبادة والطاعة). وعلى الرغم من أن كتاب المستفاد سابق بسنوات قليلة للتشوف، فإنه فيما يخص الإشكال الذي نعتني به في هذا البحث لا يقدم إجابات بنفس الوضوح الذي نقف عليه في الكتاب الثاني بسبب ما عرض له من بتر ، ونقصد من هذا الموقع المحوري لأبي حامد الغزالي وكتابه إحياء علوم الدين في ردات الفعل من قرار الإحراق، إذ لا شك أن التصفية الرمزية للاتجاه الغزالي ومنع تداول كتبه يعتبر محطة مفصلية في التاريخ الفكري والسياسي للمغرب كان لها أثر كبير بالنظر إلى مسألتين اثنتين، أولاهما انخراط محمد بن تومرت في المنحى الغزالي لتقويض دولة المرابطين وثانيهما ميلاد تيار اتخذ من مناصرة الإحياء وسيلة مقاومة النظام سياسي تورط في اختيارات غير مشروعة ووسط فقهي مساند له ومحسوب عليه.
وبالرغم مما يحوم من التباس حول لقاء المهدي بن تومرت بالغزالي وما حصل من إثارة في المصادر الموحدية لإحراق كتاب الإحياء ودعاء الغزالي بزوال دولة المرابطين وتأهيل ابن تومرت للأمر، فإن قرار الإحراق اتخذ بعد ذلك في الغالب أواخر سنة 507هـ أو بداية 508هـ ؛ بما يعنيه ذلك من رغبة في الإفادة من هذا المناخ الديني داخل الأوساط الموحدية والذي انخرط فيه ابن تومرت بعد رجوعه من المشرق فكرا وعملا، إذ اشتهر بالزهد والورع والتقشف ومصاحبة أهل الصلاح واتخاذ الرباط رابطة الغار ورابطة والسري كما عمل على تغيير المناكر وكانت له مجاهداته ورياضاته وكراماته (...) الخ. وسواء توفق ابن تومرت في استدراج جموع الزهاد إلى ما كان يرومه أم لا، فإن علاقة الدولة بهذا الوسط، وكما في تجارب أخرى، سرعان ما تأثرت بالكيفية التي حكم بها الموحدون البلاد والتي تميزت بالتحكم واحتجان الأموال والممتلكات والتضييق على مشايخ هذا العصر، وبمعنى آخر، فإن الأسباب الموضوعية لتكاثر أنصار النزعة الإحيائية خلال حكم المرابطين لم ترتفع، بل لربما شهدت تحولا نوعيا إذ ظهر في هذا العصر الموحدي كبار مشايخ التصوف المغربي ومستند من أتى بعدهم كأبي شعيب السارية (ت561) وأبي يعزى يلنور (ت572) وأبي الحسن علي بن حرزهم (ت 559) وأبي مدين(ت594) وغيرهم.
التأريخ للتصوف أمر في غاية الصعوبة، وأصعب منه محاولة رصد محطاته الكبرى، وإذا كنا نركز على ما يتصل بإحراق كتاب الإحياء، فلأنه يمثل أحد نتوءات المشهد الصوفي له ما قبله وله ما بعده. ولعل إحدى أهم الملاحظات في هذا الصدد أن أخبار الزهاد والمتصوفة تبدو شديدة الصلة بأخبار الدول بحيث يبدو بوضوح أن أحدهما تأثر بالآخر ولهذا لا نعجب إذا ما وجدنا مثلا أن محرر مادة التصوف في معلمة المغرب قد أرجع بداياته إلى القرن الخامس الهجري. ومعلوم أن بعض تجارب الزهد والتقوى كانت معروفة من قبل وفي أماكن مختلفة من البلاد وأن مجموعة من الربط اشتهرت ما بين القرن الثالث والقرن الخامس الهجريين في شمال المغرب وجنوبه ومن بينها رباطات شالة وأصيلا وتشومس وسيدي وجاج وماسة وأكوز وشاكر وتيط نفطر وإمي من عمدا عند هسكورة). لكن أهم ما ميز تجارب الصلاح المذكورة أنها ساهمت في نشر المعرفة بالدين وجهاد الفرق المنحرفة أو المخالفة للسنة، إلى أن وحد المرابطون المحال والممارسة الدينية في إطار المذهب المالكي. وانطلاقا من هذا التاريخ صار للصلاح أدوار أخرى، لم ينقطع معها تقويم السلوك والاهتمام بالتربية والتكوين، وقد تجلت في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتصدي لبعض الممارسات التي جعلت الفقه وسيلة لكسب الدنيا وتزكية التجاوزات، وهي من الأسباب الكامنة وراء ارتياب الدولة ومن يدور في فلكها، في نوايا هؤلاء المنكرين والشروع في مواجهة رموزهم سواء تعلق الأمر بأشخاص أو بمرجعيات.
للفرقاء الثلاثة علاقة متفاوتة بالأثر المكتوب، فالمصادر التاريخية المرابطية قليلة جدا وأهمها يعد في حكم الضائع و الفقهاء حفظت سيرهم في كتب التراجم ولم يثبت أن المتصوفة خلقوا أثرا في تراجم شيوخهم اللهم ما كان من تدريس بعض المؤلفات المشرقية في التصوف ومن بينها رعاية المحاسبي وقوت القلوب لأبي طالب المكي والرسالة القشيرية في علم التصوف وكتاب الإحياء للغزالي. ومعلوم أن هذا الأخير قد استنسخ بكثرة في المغرب والأندلس وكان موضوعا للدراسة والاختصار على يد عدد من الشيوخ كأبي الفضل بن النحوي وأبي محمد بن حرزهم وابن الرمامة وعمور البطاط وأبي مدين وباستثناء ذلك فقد تداولت أخبارهم شفهيا إلى غاية مطلع القرن السادس الهجري، ليتم التركيز أكثر على تجارب الشيوخ وأتباعهم فيما يشبه التراجم، لكنها تراجم بلون خاص، ركزت على جانب السلوك والإقلال والزهد في متاع الدنيا والورع الشديد والبركة وقوة الكرامة والمكاشفة ببواطن الأمور والدعاء المستجاب دونما إغفال لتفقه الكثيرين في أمور الدين والحرص على تقدير من يقتدى به من حملة العلم."
رابط التحميل