لمحات من تاريخ المغرب لمحات من تاريخ المغرب

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

كتاب ثقافة أوروبا وهمجيتها PDF تأليف أدغار موران

 كتاب ثقافة أوروبا وهمجيتها للمؤلف إدغار موران - أونلاين بصيغة إلكترونية online pdf








معلومات عن الكتاب :


إسم الكتاب : ثقافة أوروبا وهمجيتها.


تأليف : أدغار موران. 


ترجمة : المنتصر الحملي.


عدد الصفحات : 73. 


حجم الملف : 1.16 ميجا بايت.


صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).





مقتطف من الكتاب :


"الهمجية الإنسانية والهمجية الأوروبية


أود أن أبدأ عملي هذا بوضع ملخّص لأنتروبولوجيا الهمجية الإنسانية. فطوال أعمالي، حاولت أن أبيّن أنّ الأفكار الرائجة المتعلقة بالإنسان العاقل Homo sapiens والإنسان الصانع Homo faber والإنسان الاقتصادي Homo economicus كانت غير كافية : فالإنسان العاقل، ذو الفكر العقلاني، يمكنه أن يكون في الوقت نفسه إنسانا معتوها Homo demens قادرا على الهذيان على الجنون والإنسان الصانع، الذي يعرف صناعة الأدوات واستعمالها، هو بدوره قادر، منذ بدايات الإنسانية، على إنتاج أساطير لا تحصى. أمّا الإنسان الاقتصادي، الذي يتحدّد وفقا لمصلحته الشخصيّة، فهو أيضا الإنسان اللاهي Homo ludens ، أي إنسان اللعب والإنفاق والتبذير.


لا بد من صهر هذه السمات المتناقضة وربطها ببعضها البعض. بطبيعة الحال، سنجد في جذور ما سنعتبره بمثابة الهمجية الإنسانية جانب «العته» ذاك، المنتج للهذيان للكراهية، للاحتقار، ولما كان يسميه اليونانيون بالإفراط lhybris.


 يمكننا الاعتقاد أن ترياق «العته» موجود في العقل، في sapiens»، غير أنّ المعقولية rationalité لا يمكن تحديدها بطريقة أحادية الدّلالة. فنحن نظنّ في كثير من الأحيان أنّنا في دائرة المعقولية في حين أننا في دائرة العقلنة rationalisation ، وهو نظام منطقي تماما ولكنّه يفتقر إلى الأساس الخُبَري الذي يثبت صحته. ونحن نعلم أنّ العقلنة يمكن أن تكون في خدمة الشهوة، بل وتؤدّي إلى الهذيان. فهناك إذن هذيان المعقولية المغلقة.

 ‏

يخلق الإنسان الصانع أيضا أساطير هذيانيّة. إذ هو يبعث الحياة في آلهة شرسة وغاشمة تأتي بأعمال همجيّة. وقد استعرت عن تيلار دي شاردان Teilhard de Chardin عبارة المحيط المعرفي noosphere التي تعني عندي عالم الأفكار والأرواح والآلهة التي أنتجها البشر في رحم ثقافتهم. ورغم أنّ الآلهة قد خلقها الفكر البشري، إلا أنها تكتسب حياة خاصة بها وتحوز على القدرة على السيطرة على العقول. وبهذا، أوجدت الهمجية الإنسانية آلهة غاشمة تقوم هي بدورها بتحريض البشر على الهمجية. إننا نشكل آلهة تُشكّلنا على أنّنا لا يمكننا أن نختزل هذا الارتهان للأفكار الدينية في الجانب الهمجي وحده. ذلك أنّ الآلهة التي تمتلك البشر تستطيع أن تستصدر منهم لا فقط الأعمال الأكثر فظاعة بل وأيضا الأعمال الأكثر روعة.


مثلها مثل الأفكار، ترتدّ التقنيات على الإنسان الذي يصنعها. فالأزمنة المعاصرة تعرض علينا تقنية منفلتة من عقالها بانفلاتها من الإنسانيّة التي أنتجتها. وها نحن نتصرف مثل السحرة المبتدئين. وعلاوة على ذلك، تأتي التقنية بنفسها بهمجيّتها الخاصة بها، همجية الحساب المحض، البارد، الجامد، المتجاهل للحقائق الوجدانية الإنسانية تماما.


أما ما يتعلق بالإنسان اللآهي، فيمكننا أن نلاحظ أن له ألعابا فظة مثل ألعاب السيرك أو مصارعة الثيران ولو أنّ العديد من الألعاب ليس لها طابع همجيّ. وأخيرا، فإنّ الإنسان الاقتصادي، الذي يضع المصلحة الاقتصادية فوق كل اعتبار، ينزع نحو تبنّي سلوكيات متمركزة حول الذات تتجاهل الآخر وتطوّر، من هنا بالذات همجيّتها الخاصة بها. وهكذا، نرى ممكنات الهمجية وافتراضياتها تظهر في جميع الأوجه المخصوصة بنوعنا البشري.


بيد أن افتراضيات الهمجيّة تلك ليست هي نفسها في المجتمعات الأولى وفي المجتمعات التاريخيّة. فالمجتمعات الأولى قد انتشرت في جميع المعمورة منذ عشرات آلاف السنين. وأنتجت تنوّعا كبيرا في اللغات والثقافات والموسيقات والطقوس والآلهة. وكان لها جميعا سمة مشتركة : هي أنّها مجتمعات صغيرة مكونة من بضع مئات من الأفراد المنقطعين للصيد وللقطاف. مجتمعات مكتفية بذاتها عمليّا، ليست بحاجة إلى غزو أراض مجتمعات أخرى. وهي قد عرفت بالتأكيد حروبا محليّة وربما أيضا عمليات قتل.


ليس لتلك المجتمعات أيّ قاسم مشترك مع المجتمعات التاريخية المنبثقة عن ذاك التحول العظيم الذي بدأ يحدث منذ ثمانية آلاف سنة ربما، في الشرق الأوسط وحوض الأنديس بالصّين، ثمّ في المكسيك في الأند. فذاك التحوّل أوجد الحضارات الكبرى للمجتمعات التي تعد بآلاف الأفراد بل وبالملايين الذين يمارسون الفلاحة ويبنون المدن وينشئون الدول والديانات الكبرى ويخترعون الجيوش ويطوّرون التقنيات بشكل كبير. وحتى لو وجدت في المجتمعات الأولى مظاهر للهمجيّة يمكن أن تميّزها، فالمجتمعات التاريخية هي التي نرى فيها بروزا لمعالم همجيّة مرتبطة بسلطة الدولة وبالإفراط الجنوني. فكانت الغزوات في سبيل تأمين المواد الأوّليّة أو الاحتياطات الغذائية تحسبا لأوقات الجفاف أو لوابل المطر . بل إنّ ما حدث بصفة خاصة هو انطلاق غزوات تهدف إلى ما هو أبعد من مجرد الحاجة الحيوية تتجلى في المذابح والتحطيم النّسقي والنّهب والاغتصاب والاستعباد هناك إذن همجية تشكلت وانطلقت مع الحضارة.


 فضلا عن ذلك، تتميّز هذه المجتمعات الكبرى بتطوّر حضري غير مسبوق، فهي تشكّل مدنا كبابل يتجمع فيها سكان مختلفون، وطبقات شتّى قائمة على هيمنة الأسياد والاستعباد المعمم. وفي قاعها، ينمو الانحراف والإجرام. في المجتمعات الأولى، الصّيّقة ديمغرافيا، كان معظم الأفراد مندمجين في المجموعة، وكان على الهامشية أن تكون استثناء. كان يخيم عليها نوع من أنا أعلى المجموعة، خاصة أنّ تلك المجتمعات كانت تديرها أسطورة السلف المشترك التي تحصّ على الأخوة بين جميع أعضائها.


في الإمبراطوريات الكبرى، في المدن الدول، نمت بذور الانحراف والإجرام. ونرى فيها ظهورا لآلهة شرسة ومحاربة، آلهة تنادي باستئصال العدوّ . من جهة أخرى، إنّ همجيّة الحرب غير منفصلة عن الأزمنة التاريخية. فتاريخ المجتمعات الكبرى هو تاريخ الحروب المتواصلة، كما بين ذلك غاستون بوتول، مؤسس علم الحروب polémologie. ولكنّ هذه المجتمعات التي أنتجت الهمجيّة أنتجت في الوقت نفسه ازدهار الفنون والثقافة، وتطوّر المعرفة، وبروز نخبة مثقفة. فالهمجية إذن هي بمثابة مقوم من مقومات الحضارات الكبرى. ومثلما وضح ذلك والتر بنيامين، لا وجود لعلامة حضارة أو فعل حضارة لا يكون في الآن ذاته فعل همجية. وهنا، يفرض سؤال نفسه علينا : إذا كان يمكننا ويجب علينا مقاومة الهمجية بل ومحاولة قمعها أليست هي مقوّم من مقومات الحضارة لن نستطيع إلغاءه أبدا؟


ليست الهمجية عنصرا مرافقا للحضارة فحسب، بل هي جزء منها لا يتجزّاً. فالحضارة تنتج الهمجيّة، وخصوصا الغزو والهيمنة. الغزو الروماني مثلا، كان أكثر الغزوات همجيّة في التاريخ القديم: من نهب لكورنثية، وحصار لنومينس بأسبانيا، وتدمير لقرطاج، الخ. وذلك على الرّغم من أنّ الثّقافة اليونانية قد تسرّبت إلى داخل العالم الروماني الذي صار إمبراطورية. من هنا كانت المقولة الشهيرة للشاعر اليوناني: «غعلبت اليونان المغلوبة غالبها الشرس». وهكذا أنتجت الهمجية الحضارة.


لقد أفضى الغزو الروماني الهمجي إلى حضارة كبيرة. ففي 212 منح مرسوم كاراكلاً المواطنة الرومانية لجميع الرّعايا الخاضعين لهذه الإمبراطورية الفسيحة التي تشمل أفريقيا الشمالية وقسما كبيرا من أوروبا الغربية وأنجلترا."


رابط تحميل الكتاب


عن الكاتب

كاتب التاريخ المغربي

التعليقات


اتصل بنا

نحرص دائما على عدم انتهاك حقوق الملكية الفكرية، لذا يحق للمؤلفين ودور النشر المطالبة بحذف رابط تحميل لكتاب من الموقع. إذا وجدت كتاب ملك لك ولا توافق على نشر رابط تحميل الكتاب أو لديك اقتراح أو شكوى راسلنا من خلال صفحة اتصل بنا، أو عبر البريد الإلكتروني: lamahat.histoirmaroc@gmail.com

جميع حقوق الكتب والدراسات تابعة لمؤلفيها من حيث الطباعة والنشر والخصوصية

لمحات من تاريخ المغرب