كتاب الجغرافية التاريخية: دراسة اصولية تطبيقية للأستاذ محمد الفتحي بكير محمد - أونلاين بصيغة إلكترونية ONLINE PDF
معلومات عن الكتاب :
العنوان : الجغرافية التاريخية : دراسة أصولية تطبيقية.
المؤلف : د. محمد الفتحي بكير محمد.
الناشر : دار المعرفة الجامعية.
سنة النشر : 1999.
عدد الصفحات : 616 ص.
حجم الكتاب : 13.2 ميجا بايت.
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من الكتاب :
"العصر الحجرى الحديث
بعد أن انتهى عصر البليستوسين ساد الجفاف نطاق العروض الوسطى والدفء نطاق العروض العليا، واستمرت هذه الحالة سائدة لفترة مع حدوث ذبذبات مناخية إلى أن تحسنت الأحوال المناخية وساد شمال أفريقيا وإقليم جنوب غربي آسيا فترة مطر ثانوية في العصر الحجرى الحديث سيشار إليها في موضع آخر عند دراسة مصر وشبه الجزيرة العربية.
- ويعد العصر الحجرى الحديث هو الثورة الإنتاجية الأولى في تاريخ البشرية ويعبر عنه البعض أحيانات بالثورة الصناعية الأولى، وتأتي أهمية هذا العصر في أنه يمثل مرحلة اقتصادية قائمة بذاتها، إذ انتقل فيها الإنسان من حياة الترحال وراء فريسة يقتنصها أو بحثاً عن ثمار يلتقطها إلى حياة الاستقرار فى قرى صغيرة شيدت بجوار قطعة أرض اختار لها نباتاً معنياً يضع فيها بذوره بنفسه ويظل يرعاها حتى تثمر وتؤتي أكلها، فضلاً. عن ذلك يمكن أن نميز فى هذه المرحلة حياة بدوية منظمة قام فيها الإنسان برعي حيوانات معنية اختارها من المملكة الحيوانية وروضها واستئنثها..
ويختلف العصر الحديث عن العصور الحجرية التي سبقته، فهو عصر حضاري أكثر من تاريخي، وبالتالى لم يبدأ فى العالم كله فى وقت واحد، ففكرة بدر الحب ورعي الحيوان كان من السهل انتشارها لأن تقبلها كان أسرع من تقبل التغيرات الطارئة في صناعة الآلات،مثلا، فتربة الأرض والمناخ المناسب دفعت الشعوب المختلفة إلى تقبل ثورة إنتاج الطعام وبالتالي لاءمت بالتدرج حضارتها لهذه الثورة.
وتميز العصر الحجرى الحديث بملامح خاصة يمكن أن نوجزها في عدد من النقاط أهمها :
١ - تعد منطقة الشرق الأوسط وخاصة مصر والعراق وإيران وسوريا وفلسطين وآسيا الصغرى هى المناطق الأولى التى شهدت البدايات الأولى للعصر الحجري الحديث في حوالي الألف السادس قبل الميلاد وفى بعض المواقع إلى تاريخ سابق. ومن هذه المناطق انتشرت حضارات هذا العصر إلى مناطق العالم المختلفة خاصة نحو الغرب إلى شمال غرب أفريقيا وأوروبا أو نحو الشرق حتى شبه القارة الهندية وبحو الجوب إلى وسط وجنوب أفريقيا.
٢ - تنوع الأدوات التي صنعها الإنسان في العصر الحجري الحديث كضرورة اقتصتها حياة الاستقرار والنظام الاقتصادي الجديد، وكانت الأدوات الزراعية سمة عامة في معظم حضارات هذا العصر التي ضمت المحراث والمنجل المستقيم والفأس ذات السيد الخشبية وأدوات فصل الحب عن القش خاصة النورج والمذراة، كما ضمت الرحى الحجرية التي وجدت فى بعض الحضارات خاصة في مصر. ولما كان إنتاج الطعام يتم في مواسم الحصد وجمع المحصول، فقد استلزم هذا الأمر تخزين الطعام أو بالأحرى تخزين الحبوب فى مخازن وجدت أحيانا بالقرب من المساكن كما في حضارة مرمدة بنى سلامة في مصر أو بعيداً عن القرى كما في حضارة الفيوم، وارتبط بتخزين الطعام أيضا معرفة الفخار الذى يعبر عن استخدام مادة خام جديدة في صنع أدوات الإنسان والتي تتمثل فى الطين، وللفخار أهميته الأخرى فهو لوحة أثرية يعبر عن المستوى الحضارى الذى عاشته مجتمعات هذا العصر ولنا وقفة مع الفخار بعد قليل.
٣ - شهد العصر الحجري الحديث قيام عدد من الصناعات، بالاضافة إلى الفخار عرف الإنسان صناعة الخشب ونسج الصوف والكتان والقطن، وصناعة السلال والحصر، وكان الكتان هو أكثر المواد الخام المستخدمة في النسيج في بداية العصر الحجري الحديث رغم أن إعداده يتطلب مهارة وتمرين على عكس نسج القطن والصوف، ومع ذلك لا توجد بقايا صناعة صوفية في المراحل الأولى لهذا العصر بسبب عيوب الصوف أو نظرة بعض المجتمعات إليه كمادة غير نظيفة لصناعة الملابس كما في مصر، ومع ذلك لا يمكن أن بنصور أن رعاة الأغنام في المناطق الباردة قد فشلوا في صناعته. أما عن القطن فقد استخدم في الصناعات الهدية مند الأيام لقيام حضارة موها يجودارو، كما كان معروفاً لدى زراع بيرو (يسرى الجوهرى و باریمان درویش، ١٩٨٥ : ٣٥٨).
٤ - عاش إنسان العصر الحجرى الحديث في قرى صغيرة اختار مواضعها في أماكن بعيدة عن مستوى فيضانات الأنهار أو فوق سطح الهضاب، وقد اختلفت قرى هذا العصر من منطقة إلى أخرى أو من حضارة إلى أخرى سواء في مواد البناء التي شيدت منها أو في مستوى التنظيم، فقرى العراق مثلاً كانت أكثر تنظيماً من قرى مصر مع وجود بعض الاستثناءات قرية مرمدة بنى سلامة)، وحبت يتوافر الطين شيدت منازل القرى من الطين أولاً ثم من الطوب اللبن في مرحلة تالية. وفي المناطق التي كانت تكثر فيها المياه شيدت من البوص أو فروع الأشجار (الفيوم في مصر، تل العبيد في العراق، قرى البحيرات السويسرية ).
٥ - تميزت حياة العصر الحجرى الحديث بالاكتفاء الذاتي، فكل مجموعة سكانية في كل قرية كانت تشكل وحدة اجتماعية يتعاون جميع أفرادها في العمل الزراعي خاصة بناء الجسور وحفر قنوات الرى وكانت كل أسرة وحدة اقتصادية تكفى نفسها، كما كانت كل قرية كذلك ولكن على نطاق أوسع. فكل فرية كانت تزرع محاصيلها الغدائية وتصنع جميع. الأسلحة والأدوات والحاجات الأخرى اللازمة لسد مطالب الحياة اليومية ( عبد الفتاح وهيبة، ۱۹۷۲ : ۱۲۲).
٦ - كان لسكان العصر الحجرى الحديث صلات تجارية تمت بين موقع حضارى وآخر أو حتى بين مناطق أخرى لم تتوافر لها مواقع حضارية في هذا العصر، وتطالعنا الأدلة الأركيولوجية عن صلات تجارية تمت بين حضارات مصر ومناطق النوبة والبحر الأحمر وجرر البحر المتوسط وشبه جزيرة سيناء، إذ جلب سكان هذه الحضارات من هذه المناطق مواد الترف والكماليات أو الأحجار التي استخدمت في صنع الأدوات، وبلاشك فأن مواد الزينة التي احتفظ بهما أصحاب حضارات العصر كان لها دور هام فى الصلات التجارية، تلك المواد التي صنعت من الذهب والنحاس والعاج والعقيق فى نهاية العصر الحجري الحديث، ومن الأصداف في أوائل هذا العصر.
٧ - كان المجتمعات العصر الحجرى الحديث حياتهم الروحية الخاصة، تلك الحياة استمدها سكان هذا العصر من حياتهم الاقتصادية، فقد اقتضى تأمين هذه الحياة تطلع الإنسان إلى القوى الطبيعية التي تتحكم فى إنتاج المحاصيل الزراعية فاتجه إلى تجسيد هذه القوى في شكل عدد من الآلهة كالهة الأمومة التي كانت رمزاً للخصوبة، وعند دراسة حضارات هذا العصر في العراق أو ايران سيجد القارىء عدداً من الحضارات التي اجتمعت فيها هذه الصفة، فضلاً عن ذلك فقد استمد إنسان هذه العصر من دورة المحاصيل الزراعية فكرة البعث والخلود، تلك الفكرة التي تأصلت عند المصريين القدماء.
يتضح مما سبق أن العصر الحجرى الحديث كان أهم الفترات الحضارية التي مرت بتاريخ البشرية، وتدور محاور دراسة الفصل حول تفسير العبارة «العصر الحجرى الحديث ثورة اقتصادية وحضارية واجتماعية فلنترك الجانب الاجتماعي ونتابع الثورة الاقتصادية والحضارية."
رابط تحميل الكتاب
