مقال "جوانب من تاريخ الأوبئة بالمغرب في فترة الحماية" تأليف د. عبد الحميد حساين - أونلاين بصيغة إلكترونية ONLINE PDF
معلومات عن المقال :
العنوان : جوانب من تاريخ الأوبئة بالمغرب في فترة الحماية.
المؤلف : عبد الحميد حساين.
الناشر : مجلة كنانيش، منشورات كلية الآدب وجدة.
عدد الصفحات : 18 ص.
صيغة المقالة : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من المقالة :
"كانت سنة 1928 من السنوات السوداء في تاريخ "الحماية". فقد انتشر الوباء. وكان لذلك أثره السلبي على تطور الوضع السياسي والاقتصادي في فترة لم تسترح فيها السلطة الاستعمارية الفرنسية بعد من عناء المشاكل المرتبطة بحرب" الريف والتقارير الفرنسية نفسها، أكدت على صعوبة الظرف وخطورة الوباء في تلك السنة. ونقدم كمثال على ذلك تقريرا هيأته
مصالح المراقبة المدنية بوادي زم في مارس 1928. فالمعطيات تضمنها تبين وتوضح بشكل جلي:
.
1 - خطورة التيفوس الذي استفحل أمره وكثر ضحاياه، بتلك الناحية في شهر مارس من السنة المذكورة.
2 - نوعية الإجراءات الوقائية التي طبقتها السلطات الاستعمارية الجهوية والمحلية. فقد تم التأكيد على أهمية النظافة وضرورة اغتسال المسجونين والعمال وتتبع الحالات المرضية في القبائل، واستعمال وسائل التطهير من الجراثيم. وعملت هذه السلطات، في نفس الوقت على عزل المشكوك في إصابتهم بالمرض، وتنظيم وتقنين وسائل النقل بمقتضى قرار إداري. وقد منع "الأهليون" (المغاربة)، نتيجة ذلك، من مغادرة وادي زم في اتجاه الدار البيضاء أو "تادلا بدون رخصة طبية تسلمها المصالح المختصة بعد الكشف والاغتسال والتطهير عند الضرورة. وتقرر أيضا إقفال سوق الاثنين الذي كان الناس يؤمونه مرة في الأسبوع، وعزل المرضى وعائلاتهم وكل من شكت السلطة الاستعمارية في احتمال إصابتهم بالمرض، في دشرة" صغيرة وقديمة تبعد عن مركز وادي زم بحوالي كيلمتر.
3 - قلة الوسائل والإمكانيات البشرية التي رصدت لمعالجة المرضى ومحاربة الوباء. فالجهاز الصحي لم يكن مكونا إلا من طبيب واحد وعدد قليل من الممرضين والأعوان.
ورغم الوسائل المستعملة والجهود التي بذلتها السلطات الاستعمارية فإن الوباء لم يبق محصورا في مناطق محدودة أو مجالات دون أخرى. وفي فصل الصيف من تلك السنة أخذت حمى المستنقعات تنتشر بدورها. فبعد سنوات من الجفاف تساقطت أمطار غزيرة في تلك السنة، وكثرت المستنقعات و الكتل المائية الآسنة والمتعفنة. وظهر الناموس وانتشر بشكل سريع ومفاجئ. وساعد ذلك على انتشار الحمى وتدهور الوضع الصحي.
وشمل الوباء مناطق واسعة من البلاد المغربية وامتد امتدادا قل نظيـ والجرائد نفسها تحدثت عن خطورته و هول الكوارث الناجمة عنه وعن ارتفاع عدد الضحايا وتكاثرهم. واستنادا إلى ما ذكرته بعض الصحف، فقد اکتوی بناره، في المنطقة الخاضعة لفرنسا 50% من المغاربة و 30 % من الأوربيين على الأقل. وبلغ عدد الموتى ثلاثمائة ألف(300.000). أما اليد العاملة القابلة للاشتغال لدى الأوربيين فقد أصبح نصفها في حالة عجز عن العمل وغير قادر على بذل أي مجهود مثمر. وكانت الدار البيضاء أكثر المدن تضررا . فقد فقدت ، بناء على ما ورد في الجرائد، 50 % من عمالها المغاربة، ومصانعها أصبحت في حالة شلل وركود، وديناميتها الاقتصادية تقلصت بشكل ملحوظ.
وهذا كله يدل على أن الوضعية الصحية بالمغرب كانت جد خطيرة. وأن النتائج السياسية والاقتصادية التي ترتبت عنها كانت سيئة. فتضرر الاقتصاد تسبب في حدوث أزمة خطيرة، وفي إثارة موجة عارمة من القلق والاستياء وسط النخبة الاستعمارية التي أفزعتها سرعة انتشار الوباء وانتابها الخوف على مستقبل الشغل والإنتاج الاقتصادي بالمغرب. وفي هذا السياق، ذكرت جريدة le marocain ما يلي: "إننا نوجد بين تيفوس الضـ السنة الماضية، الذي لم تندثر كل خلاياه، وحمى نك dengue التي تهددنا، وحمى المستنقعات الفظيعة التي تركت وراءها في هذا الصيف، ساكنة ضعيفة وفاقدة لكل حيوية، وفي حالة ضعف المناعة مما يجعلها قابلة للتأثر السريع بالعدوى.
ولم تكتف هذه الجريدة بإبراز خطورة الوضع الصحي بالمغرب. فبعد تحليلها للوضعية العامة وتقديمها بعض المعطيات المتعلقة بالوباء حملت مسؤولية الانتشار الفظيع للوباء للسلطة الاستعمارية التي اتهمت بالتقصير والتهاون فالأجهزة الصحية ومصالح الوقاية، استنادا إلى ما ذهبت إليـه الجريدة، لم تتوقع الخطر ولم تهيئ نفسها لمواجهته وتقاعست بذلك، عن اتخاذ الاحتياطات اللازمة والإجراءات الضرورية في الوقت المناسب. وهذا الخطأ الفادح في نظرها دليل على أن المصالح العمومية سنة 1928، كانت توجد في حالة عجز وشلل تامين وهذا ما سمح لحمى المستنقعات بالانتشار وما أدى لارتفاع نسبة الوفيات.
وذهبت نفس الجريدة إلى أن المغرب عرف بعد ذهاب ليوطي، هيمنة وانتشار روح الكسل والخمول والبحث عن المصلحة الخاصة والربح الفردي ولو بالطرق غير المشروعة وتوضيحا لذلك أشارت إلى أن المصالح العمومية قررت تكثيف عمليات بيع وتوزيع الكينين la quinine وحرصت على زيادة حجم المخزون المدخر منها ، لكن الصحافة لاحظت باشمئزاز اختفاء هذا الدواء من السوق، بعد أن احتكرته بعض الأطراف لتبيعه بأثمان خيالية". ويبدو أن الإدارة لم تتدخل لوضع حل للمشكل. و"عوض فضح مثل هذه التصرفات القبيحة، تعمد كل المعنيين بالأمر إخفاء الأمر على الناس. ولاذ الجميع تقريبا بالصمت.
ولم تكتف هذه الجريدة بانتقاد المصالح المركزية، وخصوصا مصالح الوقاية بالرباط، بل انتقدت أيضا بلدية الدار البيضاء وممثلها، السيد رابو RABAUD. واتهمت هذا الأخير بالتهاون والإهمال وحملته مسؤولية الأضرار التي لحقت المدينة من جراء حمى المستنقعات وإهمال وتهاون البلدية."
رابط تحميل الكتاب