كتاب العقل في التاريخ (محاضرات في فلسفة التاريخ) - تأليف هيجل - أونلاين بصيغة إلكترونية ONLINE PDF
معلومات عن الكتاب :
إسم الكتاب : العقل في التاريخ (محاضرات في فلسفة التاريخ).
المؤلف : هيجل.
ترجمة : د. إمام عبد الفتاح إمام.
الناشر : دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع.
حجم الملف : 7.74 ميجا بايت.
عدد الصفحات : 196 صفحة.
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من الكتاب :
"التاريخ الأصلي :
المقصود بالتاريخ الأصلي ذلك التاريخ الذي يكتبه المؤرخ وهو يعيش «أصل» الأحداث ومنبعها فهو ينقل ما يراه أمامه أو ما سمعه من الآخرين كما هو، وهو حين يقوم بنقل الأحداث فإنه يحملها إلى عالم التصور العقلي فتحوّل بذلك من إطارها الخاص إلى إطار داخلي هو تصور عقلي تماماً كما يستوحي الشاعر من الصور المادية التي ينفعل بها صوراً ذهنية.
ويمكن أن نوجز أهم خصائص هذا اللون من التاريخ على النحو التالي :
١ - المؤرخ يعيش الأحداث التي يرويها وبالتالي فإن روح العصر التي شكلت الأحداث هي نفسها التي شكلت المؤرخ.
٢ ـ تكون الفترة التي يكتبها المؤرخ عادة فترة قصيرة نسبياً.
٣ - المؤرخ يهتم برواية أشكال فردية من الأحداث والأشخاص وأمور غير ممحصة.
٤ - الهدف من روايته احداث نفس الوضوح الذي كان لها عنده بفضل ملاحظاته الشخصية أو الروايات الحية التي سمعها.
ويمكن أن نأخذ ما كتبه مؤرخنا الكبير عبد الرحمن الجبرتي مثلاً لهذا اللون من التاريخ فهو يكتب عن فترة قصيرة ويروي الأحداث التي عاشها أو التي سمع عنها في أواخر القرن الثاني عشر وأوائل الثالث عشر الهجري (الثامن عشر، والتاسع عشر الميلادي في كتابه عجائب الآثار في التراجم والأخبار - الذي يقول في مقدمته :
إني كنتُ سودت أوراقاً في حوادث آخر القرن الثاني عشر وما يليه، وأوائل الثالث عشر الذي نحن فيه .. جمعتُ فيها بعض الوقائع إجمالية. وأخرى محققة تفصيلية. وغالبها محن ،أدركناها وأمور شاهدناها. واستطردت في ضمن ذلك سوابق سمعتها، ومن أفواه الشيخة تلقيتها وبعض تراجم الأعيان المشهورين من العلماء والأمراء المعتبرين. وذكر لمع من أخبارهم وأحوالهم، وبعض تواريخ مواليدهم ووفياتهم. ويقول في موضع آخر أنه كان يدون الحوادث في طيارات»، ثم يعود إليها بالتفصيل والشرح والإضافة : فهو يسجل في مذكراته الحوادث اليومية، ثم يتوسع فيها. وقد سجل حوادث السنين الأولى رواية عن أبيه وعن شيوخه وأصدقائه الذين شهدوها، أو سمعوها، ورجع في ذلك إلى سجلات الدولة من دفاتر الكتبة وغيرها وذلك من أوائل القرن إلى سبعين سنة منه، ثم يقول: «إن ما بعد السبعين إلى التسعين أمور شاهدناها ثم نسيناها، وتذكرناها، ومنها إلى وقتنا أمور تعقلناها وقيدناها وسطرناها». وواضح أنه شاهد بنفسه، وسجل ما شاهد وإن كان أراد ما بعد التسعين لا السبعين. أما الطريقة التي اتبعها في تدوين الكتاب، فقد جعلته أشبه بجريدة يومية أو أسبوعية، تسجل الحوادث الواقعة بلا ترابط ولا توحيد أو تأليف فترى الرجل أو الحادثة تذكر في مواضع متفرقة متباعدة من الكتاب حسبما تجيء المناسبة. لكنه يقول في ذلك كله : «إني لم أخترع شيئاً من تلقاء نفسي والله المطلع على أمري وحدسي». و«لا أكتب حادثة حتى أتحقق صحتها بالتواتر والاشتهاره.
وهو يحاول أن ينقل للعصور القادمة صورة صادقة عما جرى في عهده، بحيث تبقى حية واضحة أمام تصور الأجيال في المستقبل فهو ـ مثلاً يصف كيف ضرب الفرنسيون القاهرة إبان ثورة القاهرة الأولى (عام ۱۷۹۸) فيقول: «.. وتعمدوا بالخصوص الجامع الأزهر وحرروا عليه المدافع والقنبر، وكذلك ما جاوره من أماكن المحاربين كسوق الغورية والفحامين فلما سقط عليهم ذلك ورأوه، ولم يكونوا في عمرهم عاينوه، نادوا يا سلام من هذه الآلام يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف وهربوا من كل سوق، ودخلوا في الشقوق. وتتابع الرمي من القلعة والكيان .. حتى تزعزعت الأركان وهدمت في مرورها حيطان الدور، وسقطت في بعض القصور ونزلت في البيوت والوكائل فأصمت الأذان بصوتها الهائل. فهنا يعطينا الجبرتي صورة حية ليوم مشهور في تاريخ مصر الحديثة هو يوم الأحد ٢١ أكتوبر سنة ۱۷۹۸ الذي وقعت فيه معركة كبرى بين الشعب الأعزل وقوات نابليون المسلحة تسليحاً جيداً لم يألفه المصريون من قبل، وهو يروي الأحداث التي وقعت بوصفه شاهد عيان رأى وسمع وانفعل بما جرى ثم نقله كما هو بقدر استطاعته لكي يحدث في الأجيال القادمة نفس الأثر الذي أحدثه في نفسه لحظة وقوعه، ولكي يثير عندها ما أثار لديه من مشاعر، وعواطف، وأحاسيس بحيث تتخيل هذه الأجيال نفسها وهي تحيا وسط هذه الأحداث : فالغرض من تأليفه لكتابه كما يقول الجبرتي نفسه الوقوف على الأحوال الماضية من حيث هي وكيف كانت . . . ولم أقصد بجمعه خدمة ذي جاه كبير، أو طاعة وزير أو أمير ...لكنه قصد كما سبق أن ذكرنا نقل صورة حية وواضحة للأجيال القادمة، وإن كان الجبرتي يقول مع ذلك إن رؤية الأحداث التي وقعت لحظة وقوعها والحياة في داخلها تكون أكثر ثراء من تمثلها في المستقبل، وهو لهذا يخشى الا تحدث الصورة التي ينقلها نفس الأثر الذي كان لديه، فيصف ليلة دخول الفرنسيين القاهرة وهزيمة المماليك بأنها: «كانت ليلة وصباحها في غاية الشناعة جرى فيها ما لم يتفق مثله في مصر، ولا سمعنا بما شابه بعضه في تواريخ المتقدمين فما راءٍ كمن سمع !...
وواضح ان روح العصر التي عاش فيها الجبرتي تلك التي شكلت الأحداث التي يرويها قد شكلت أيضاً مؤرخنا وهذا ظاهر بجلاء في طريقة تفكيره وفي ثقافته عموما ولغته وأسلوبه بصفة خاصة، حتى إننا كثيراً ما نراه يستخدم في رواياته للأحداث كلمات فرنسية كان يستخدمها نابليون وقواده حتى أنها كانت متداولة في ذلك الحين فهو يقول : ... إن المهدي، والصاوي، ما هم «بونو» أي ليسوا طيبين . . كما يستخدم الكثير من الألفاظ التركية والكلمات والتعبيرات المصرية الشعبية التي لا يزال كثير منها متداولاً إلى الآن فيقول: «إن النار «رعت ووجت»، وأن النيل «انهبط» يعني انخفض ماؤه، وأن سعر القمح شطح» أي ارتفع، وتحنجل في مشيه» و«قشلان بمعنى مفلس، و«كثر العياط»، وزاد تنطيطهم، و«النفخة بمعنى الغرور، وكل الوقايع زلابية»، و«قارب شيحة»، ونجده يذكر «الكبة وهو يريد الطاعون كما يستخدم كلمة «حرفوش»، وجمعها حرافيش وهي تعني أحد أبناء البلد، و«القنبر» بمعنى القنابل.. إلخ إلخ.
الجبرتي، إذن، مثل جيد لما يريد أن يقوله هيجل عن المؤرخ الأصلي، فهو يعيش مع «أصل الأحداث التي يرويها. و«المصنع الذي تصنع فيه الأحداث وتتشكل فيه عقلية المؤرخ واحد غير أن هيجل يثير اعتراضاً قد يرد على ذهن القارىء وهو هَبْ أن الجبرتي - مثلاً - ذكر خطباً على لسان الشيخ عبد الله الشرقاوي، أو غيره من كبار العلماء في ذلك الوقت لم يقلها الشرقاوي بالفعل، أفلا يكون المؤرخ الأصلي في هذه الحالة قد خرج عن روح العصر وأحداثه وتجاوز ذلك المصنع الذي تصنع فيه الأحداث والوقائع ..؟"
رابط تحميل الكتاب