كتاب المدخل إلى الفلسفة - تأليف علي عبد المعطي محمد - أونلاين بصيغة إلكترونية online pdf
معلومات عن الكتاب :
إسم الكتاب : المدخل إلى الفلسفة.
المؤلف : علي عبد المعطي محمد.
الناشر : دار المعرفة الجامعية.
حجم الملف : 6.85 ميجا بايت
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من الكتاب :
"أوجه الاختلاف بين الفلسفة والعلم
يختلف العلم عن الفلسفة فيما يلى:
۱ - يستهدف العلم وصف الظواهر، ووصف كيف تحدث، أما الفلسفة فهي تستهدف تفسير الظواهر وبيان سبب وقوع الظواهر على نحو معين دون نحو آخر.. العلم يجيب عن كيف تحدث الظواهر، بينما تحاول الفلسفة ان تجيب عن لماذا تحدث الظواهر.. العلم وصفى والفلسفة تفسيرية.
٢ - يتمسك العلم بكل ما هو موضوعى، والموضوعية تنأى بالعالم عن ميوله وأهدافه وآرائه السابقة، وتبعد به عن رؤية الظواهر بمنظاره هو، وتجعله يتسامى عن أى منفعة خاصة يستهدف الوصول إليها نتيجة بحثه، وأن ينصت إلى نداء الموضوع وصوت الطبيعة لكي يستمع إلى حديثها دون أن يتدخل، أما الفلسفة فهى في صميمها مواقف ذاتية
وآراء شخصية تبعد بصاحبها عن أن يكون موضوعياً.
بيد أن الوصول إلى الموضوعية الكاملة في اطار العلم أو غيره بعيد المنال، ذلك أن الدراسات الحديثة قد بينت بكل وضوح أنك لا تستطيع الوصول إلى الموضوعية الكاملة فى أى تجربة أو ملاحظة عملية مهما احتطت لذلك مادام أن الإنسان عنصر من عناصر تلك التجربة أو الملاحظة؛ ففى تجربة حاسمة طلب من ثلاثة من الباحثين في علم الفلك أن يرصدوا الوقت الذي يمر به نجم معين أمامهم، ولكي تكون التجربة موضوعية اشترطت الاشتراطات التالية:
أ - أن يتم اختيار الباحثين من تخصص واحد، وأن يكونوا من فرقة دراسية واحدة وأن يكونوا حاصلين على تقدير واحد ودرجات موحدة في فرقتهم الدراسية.
ب - أن يتم إمدادهم بساعات ميقاتية من ماركة واحدة وأن يتم ضبط هذه الساعات على بعضها البعض قببيل التجربة.
جـ - أن يتم إمدادهم بعدسات عاكسة من ماركة واحدة، وأن يـتـم التأكد من سلامتها جميعاً قبيل التجربة.
والمطلوب من الباحثين الثلاثة أن يقوموا بتسجيل الوقت الذي يمر فيه نجم معين وذلك بأن ينظروا في العدسة العاكسة لكل منهم، وهذه العدسة موضوعة في آلة يمسك بواحدة منها كل منهم، وهي تعكس النجم أثناء مروره فوقها، وذلك بدلاً من الاعتماد على الرؤية التي قد تسبب تعباً في الرقبة يؤدى إلى عدم الدقة في تسجيل الميعاد . فإذا ما تم مرور النجم فوق عدسة كل منهم نظروا في الساعات الميقاتية وسجلوا الوقت الذي مر فيه النجم بالضبط.
لكن النتيجة جاءت مخيبة للآمال إذ اختلف الباحثون الثلاثة في تحديد الوقت الذي مر فيه النجم رغم كل الاشتراطات والتحوطات السابقة. وبعد بحث اتضح أن الباحثين الثلاثة يختلفون في كمية السيال العصبي لدى كل منهم، أو ما يسمى علمياً بزمن الرجع -Time of Reac tion فهذا استجابته أبطأ من ذاك وهذا متوسط الاستجابة وهكذا حينئذ بدر للبعض بادرة حاولوا بها حل هذا الأشكال وهو أن نترك الباحثين الثلاثة يسجلون زمن مرور نجم آخر كما يحلو لهم ونأخذ نتائجهم ونقوم بتعديلها وفق معرفتنا المسبقة بزمن رجعهم بمعنى أننا سوف نجعل نتيجة الباحث المتوسط كما هى ونضيف للباحث البطئ بعض الثواني التي سبق لنا أن حددناها في التجربة السابقة لكي يصل إلى نفس نتيجة الباحث المتوسط، وأن تقلل من الباحث المتسرع بعض الثواني التي سبق أن حددناها في التجربة السابقة حتى نصل إلى نفس نتيجة الرجل المتوسط. فإذا افترضنا أن فرق زمن الرجع للباحث البطئ كان ١٥ ثانية وأن فرق زمن الرجل للباحث السريع هو ١٠ ثوان ، فإن بإضافتنا ١٥ ثانية للباحث الأول وحذفنا ١٠ ثوان للباحث الثاني سوف يتيح لنا نتيجة واحدة. لكن حينما أعيدت التجربة وأضيفت وحذفت بعض الثواني المحددة سابقاً لم نصل إلى نتيجة واحدة، لماذا ؟ لأن الباحث البطئ زاد. فرق زمن الرجع لديه عن الباحث المتوسط بثلاثين ثانية بينما انخفض زمن الرجع لدى الباحث المتسرع إلي خمس ثوان فقط، وما كان هذا ليحدث لولا أن هذا الباحث أو ذاك إنسان أولاً وقبل كل شي يؤثر ويتأثر عاطفياً ووجدانياً وأنه تجمع من أحاسيس ومشاعر وقيم تجعل التحكم فيه صعب المنال. من ساعتها أدرك العلماء أنفسهم أن الوصول إلى الموضوعية الكاملة صعبة المنال طالما دخلها عنصر إنساني لا يمكن أن نتحكم فيه كما نتحكم في المادة الطبيعية الجامدة. واكتفوا بالقول إن على العلماء أن يصلوا إلى أعلى درجات الموضوعية وليس إلي الموضوعية المطلقة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن قولنا بأن الفلسفة ذاتية وتعبر عن آراء شخصية ليس عيباً في الفلسفة؛ فالفلسفة وقد ارتبطت بالحرية أوثق ارتباط، أتاحت لكل مفكر أن يتفلسف ويتخذ الرأي الذي يشاء بكل حريته، ولو كان الأمر غير ذلك أى لو كانت الفلسفة لا تعبر إلا عن رأى واحد يجمع عليه كافة فلاسفتها لأدى الأمر إلى موات وجمود رهيب.
- لا يتجاوز العلم حدود الواقع الإمبيريقي الذي يمكن أن يخضع لحواس العالم وآلاته. أما الفلسفة فهى تتجاوز تلك الحدود وتتسامى إلى ما فوقها.
والحق أن هناك علماء يبدأون من الواقع الإمبيريقي الذي يعتمد على الحواس وعلى الآلات المدعمة لها ، لكنهم يضيقون ذرعاً بهذا الواقع، ويحاولون تجاوزه والعلو عليه فيدخلون محراب فلسفة العلم بعد أن يضيق عليهم محراب العلم، ومن أمثلة هؤلاء هوايتهد الذي انتقل من محراب علم الرياضة إلى محراب الفلسفة، وأينشتين الذي انتقل من علم الطبيعة إلى فلسفة الطبيعة وغيرهم كثيرون، ومن أجل ذلك ميز جابرييل مارسل بين نوعين من التفكير: التفكير الأول الذى يتعلق بالعلم وبأي مسألة موضوعية تخضع للحواس، والتفكير الثاني الذي يرتبط بالفلسفة ويعلو على العلم ويتجاوز حدوده."
رابط تحميل الكتاب