كتاب فلسفة التأويل .. الأصول، المبادئ، الأهداف - تأليف غادامير - أونلاين بصيغة إلكترونية ONLINE PDF
معلومات عن الكتاب :
عنوان الكتاب : فلسفة التأويل الأصول، المبادئ، الأهداف.
مؤلف الكتاب : هانس غيورغ غادامير.
مترجم الكتاب: محمد شوقي الزين.
ناشر الكتاب : الدار العربية للعلوم – المركز الثقافي العربي - منشورات الإختلاف.
طبعة الكتاب : الطبعة الثانية 2006.
الحجم : 3.82 Mo.
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من الكتاب :
"الحقيقة في العلوم الإنسانية
يصعب على الوظيفة النقدية التي أنجزتها العلوم الإنسانية أن تجد اعترافا لائقا بها من قبل الجمهور العريض. وعليه، فمن الصعب إدراك ماهية الحقيقة في هذه العلوم وإدراك نتائجها الملموسة. قد يكون هذا الأمر سهلا على ميادين العلوم الإنسانية والتي تتخذ مواضيعها صورة بديهية. إذا كان بإمكان عالم الاقتصاد أن يتحدث عن إسهام عمله في سبيل الرفاهية العمومية، فمن المؤكد أننا نستند إلى فهم عام. الأمر نفسه يتعلق بمؤرخ الفن عندما يضعنا أمام مشهد جميل حتى وإن تعلق الأمر بالنسبة إليه - بإخراج شيء قديم من طي النسيان. هو أن الأشياء القديمة تثير بصورة ملفتة للانتباه مصلحة عامة. أما الفيلسوف، فإن لم يكن بوسعه عرض نتائج ملموسة أو لم يكن موضوع قبول وموافقة عامة، فإليه تعود مسؤولية منح اللغة ما تقوم به الوظيفة النقدية للعلوم الإنسانية عندما تدعو الفكر إلى التأمل والتفكير في قضاياه.
المفهوم الحديث للعلم هو نتاج تطور علوم الطبيعة في القرن السابع عشر. ندين لهاته العلوم هيمنة دائمة التطور والتقدم للطبيعة. إننا ننتظر من علوم الإنسان والمجتمع السيادة نفسها التي يتمتع بها العالم الإنساني والاجتماعي. إننا ننتظر من العلوم الإنسانية أكثر من ذلك خصوصا إذا علمنا أن الهيمنة المتواصلة للطبيعة لها دور كبير في تنمية الململة والضيق اللذين نعيشهما اليوم أكثر من التقليل من حدتهما لا يمكن لمناهج علوم الطبيعة أن تدرك ما هو جدير بالمعرفة ولا حتى ما هو ثمين، بمعنى الغايات القصوى التي ينبغي لكل هيمنة على آليات الطبيعة أو الإنسان تأديتها. إننا ننتظر من العلوم الإنسانية أن تمنحنا نمطا ومستوى آخر من المعارف وهذا ينطبق أيضا على الفلسفة التي تتضمنها هذه العلوم وعليه عوض استحضار ما هو عام وشامل أي استعمال المناهج العلمية لكل علم على حدة، فمن اللائق إذن الحديث عن خصوصية العلوم الإنسانية والدلالة التي يمكن أن تتخذها وكذا الأمر المتضمن في هذه العلوم الذي يدعو إلى التفكير.
1- ما هو البعد العلمي الذي تتمتع به العلوم الإنسانية؟ هل بإمكاننا تطبيق مفهوم البحث على هذه العلوم وكأن أمرا لم يحصل؟ لأن كل ما نفهمه من هذه المعطيات : اكتشاف ما هو جديد (الأمر الذي لم يكن معلوما أبدا، فتح طريق يقيني يقود إلى هذه الحقائق الجديدة وبإمكانه أي الطريق) أن يكون مراقبا من طرف الجميع. كل هذا لا يمكنه أن يحصل إلا من بعد. خصوبة المعرفة في العلوم الإنسانية تمت بصلة أكثر إلى حدسية الفنان منه إلى الروح المنهجية للبحث. يمكننا بكل تأكيد أن نقول الشيء نفسه لكل إنجاز عبقري وفي كل ميادين البحث. لكننا نصل في العمل المنهجي لعلوم الطبيعة إلى معارف حديثة بحيث يحرص العلم هنا على استعمال المناهج.
استعمال المناهج هو بلا شك في عداد نشاط العلوم الإنسانية. فهذا النشاط يتميز أيضا عن أدب التعبيرات العامية غير الفصيحة بنوع من التحقيق العلمي. لكن، يخص هذا الأمر أدوات هذا النشاط أكثر من النتائج المستخلصة. فليس المنهج هنا هو الذي يمكن العلم من التأكد من يقينية الحقيقة قد نحصل أحيانا على الحقيقة أكثر في الآثار غير العلمية لهاوي الفن منه في التجريد الأكثر منهجية للمعطيات العلمية. حيث وإن كان تطور العلوم الإنسانية في المائة سنة الماضية قد اتخذ دوما نموذج علوم الطبيعة، فإن دوافعها الجوهرية والضرورية لم تأتها من التفخيم المهيب لعلوم التجربة وإنما من الروح الرومانسية والمثالية الألمانية. فقد احتفظ هذان العاملان بالوعي الحي تجاه حدود عصر الأنوار وحدود المنهج في العلم التجريبي.
2 - لكن هل بإمكان العلوم الإنسانية – الأمر الذي يجعلها ذات مغزى ودلالة بالنسبة إلينا أن تشبع رغبة وحاجة قلب الإنسان إلى الحقيقة؟ بنفوذها في الفضاءات الواسعة للتاريخ عبر البحث العلمي والفهم النظري، فبإمكان العلوم الإنسانية أن تشوسع الأفق الروحي للبشرية مقارنة مع ماضي هذه البشرية. لكن في هذه الحالة لا تقوم سوى بأشكلة الحاضر إذا صح القول- عوض أن تلبي رغبة التماس حقيقة هذا الحاضر. إن الحس التاريخي الذي تنميه العلوم الإنسانية إنما جاء ليعودنا على الكثرة المتنوعة لمعايير القياس التي تقود إلى لا يقينية استعمال معاييرنا ومقاييسنا الخاصة استطاع نيتشه في كتابه المسمى "باعث غير راهني استطاع نيتشه أن يعالج ليس فقط فائدة التاريخ وإنما أيضا عائق التاريخ وضرره على الحياة.
فالتاريخانية التي لا تجد حيثما كانت سوى التحديدات التاريخية فإنها تنتهي بهدم المعنى البراغماتي للدراسات التاريخية. فن الفهم الذي تمتلكه يضعف قدرة التقييم بصورة غير مشروطة والتي تؤسس الحقيقة الإيتيكية (الأخلاقية) للحياة. تتواجد حدتها الابستمولوجية في النسبوية ونتائجها في العدمية.
الوعي بمشروطية كل معرفة - هذا الوعي الذي تأخذ بزمامه فقط القوى التاريخية والاجتماعية المؤثرة في الحاضر - لا يعني إضعاف نظري لاعتقادنا في المعرفة وإنما يشك (هذا الوعي) في معارفنا وكذا قدرتها على مواجهة إرادات القوة في زماننا اليوم. تجد العلوم الإنسانية نفسها في خدمة هذه الاتجاهات عندما تقيم تبعا لقيمة القوة التي تمثلها معارفها من وجهة نظر اجتماعية، سياسية دينية أو أخرى فهذه الاتجاهات تأتي لزيادة الضغط الذي تمارسه السلطة على الفكر خلافا لعلوم الطبيعة بإمكان العلوم الإنسانية أن تستلم لكل أشكال الذعر نظرا لأنها لا تحتوي على نماذج أو معايير قياسية تمتلك صلابة يحسد عليها كالتي تتصرف بها علوم الطبيعة والتي بإمكانها أن تميز بين ما هو أصيل وصحيح وبين الذي يتظاهر بالوثوقية والصحة أو تأدية غايات سرية. وعليه فإن المجتمع الإتيكي الذي يقتسمه مع أخلاقية ethos كل بحث يجد نفسه في خطر."
رابط تحميل الكتاب