كتاب جمهورية أفلاطون - تأليف د. فؤاد زكريا - أونلاين بصيغة إلكترونية online pdf
معلومات عن الكتاب :
إسم الكتاب : جمهورية أفلاطون.
دراسة وتحقيق : د. فؤاد زكريا.
الناشر : دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر.
عدد الصفحات : 534.
حجم الملف : 10.33 ميجا بايت.
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من الكتاب :
"الرأي السائد عن منهج أفلاطون:
من المسلم به بین دارسى أفلاطون أن هناك علاقة وثيقة بين طريقة الحوار، من حيث هي أسلوب لعرض الأفكار الفلسفية، وبين المنهج الديالكتيكي، الذي كان هو المنهج المفضل لديه. ولست أود في هذا الفصل الخاص بالمنهج أن أنكر هذا الرأى الشائع، ولكنى أعتقد أننا لا نستطيع أن نقبله إلا بتحفظات هامة، وفي حدود معينة ينبغي أن نتبينها بوضوح. وسأبدأ أولاً بعرض مفصل لوجهة النظر الشائعة، حتى يتسنى لنا بعد ذلك اختبارها من أجل تحديد مدى صحتها.
يشير الباحث الأفلاطوني نتلشب Nettleship" في كتابه "محاضرات في جمهورية أفلاطون" إلى عبارة وردت في كتاب Memorabilia قال فيها مؤلفه "زينوفان" إن كلمة Dalegestha وهي الفعل الذي اشتق منه لفظ الديالكتيك)، تعنى تقابل الناس سويًا من أجل المناقشة، بحيث يفصلون الأشياء التي يناقشونها تبعا لنوعها". ويرى "نتلشب" أن هذا هو أصل الديالكتيك الأفلاطوني. فمن الواجب أن نتذكر فيما يتعلق بالمنطق اليوناني وطريقة الاستدلال اليونانية، أن الفلسفة في اليونان كانت تدين بوجودها، إلى حد بعيد، للمناقشة الشفوية. فقد كان اليونانيون أمة متكلمة بقدر غير عادي ومن هنا ازدهرت بينهم فنون البلاغة والخطابة والشعر، وغيرها من فنون الكلمة، والمنطق بمعناه الأصلى وبمعنى المجادلة الصرف. وقد قضى سقراط ذاته حياته متكلما وظل لهذه الحقيقة تأثيرها الدائم في الفلسفة اليونانية. وعند أفلاطون نجد تلك العادة التي تحكمت في حياة سقراط، وقد صيغت في منهج للبحث. فقد أخذ أفلاطون كلمة "الديالكتيك".. وأضفى عليها معنى لم ينفصل عنها تماما منذ ذلك الحين فأصبحت تعنى فى نظره قبل كل شيء، المنيج المنطقى الصحيح في مقابل المناهج الزائفة أو غير البقينية، وأصبحت تعنى بعد ذلك، المعرفة المكتملة، لا منهج المعرفة، أو ما نتوقع أن ينتج لو سرنا بالمنهج الصحيح إلى النهاية في كل فروع المعرفة.
ففى المعنى الأول من هذين تحولت الكلمة من معنى الحديث البحث إلى معنى الحديث الذى يهدف إلى بلوغ الحقيقة وهذا الحديث قد يتم بالكلام بين شخصين، أو يكون حوار" يتم في صمت بين الروح وذاتها" (محاورة السفسطائى ٢٦٣هـ). فإذا تساءلنا عن السبب الذي أدى إلى استخدام كلمة تدل على المحادثة بحيث تعنى المنهج الصحيح لاكتساب المعرفة، وجدنا أن هذه الحقيقة تشير إلى اقتناع أفلاطون بأن السبيل الوحيد إلى بلوغ الحقيقة هو السر خطوة خطوة، بحيث نستوعب كل خطوة قبل الانتقال إلى التالية وكذلك اقتناعه بأن منهج السؤال والجواب هو المنهج الطبيعي لتحقيق هذا الغرض. وفضلاً عن ذلك فإن تصوره للتساؤل والإجابة على أنه الوسيلة الطبيعية لاستخلاص الحقيقة من الذهن ووضعها فيه، يرتبط ارتباطا وثيقا بفكرته القائلة أن التعليم لا يعنى الاقتصار على وضع شيء في الذهن وكأنه في صندوق، وإنما هو تحول لعينى النفس إلى النور، أو عملية نستخلص فيها من النفس ما هو موجود فيها من قبل بمعنى ما - أعنى عملية ينبغى أن تكون فيها النفس التي تتعلم إيجابية .. فلدى أفلاطون شعور قوى بأن الوسيلة الوحيدة الصحيحة لتوصيل المعرفة هى وضع ذهنين في اتصال أحدهما بالآخر . ومن هنا تحدث في " فيدرس" عن مدى تضاؤل قيمة الحقيقة المكتوبة بالنسبة إلى قيمة الحقيقة المنطوقة، لأن الكتاب لا يمكن أن يجيب عن الأسئلة التي تنشأ في ذهن القارئ. وهذا المبدأ ذاته ينطبق على تفكير الذهن الفردى. فإذا شئنا أن نتعلم فعلينا ألا نقتصر على وضع الحقائق الواردة فى كتاب في أذهاننا، وإنما يجب أن نسأل أنفسنا ونجيبها ".
ولنستمع إلى رأى باحث أفلاطونى آخر هو تيلور"، الذي يتحدث في هذا الموضوع ذاته فيقول أن اتباع أسلوب الحوار" كان هو الطريقة الطبيعية للتعبير عن حركة فلسفية يرجع أصلها إلى المحادثات السقراطية الباحثة عن المعرفة .. وفضلاً على ذلك فإن أفلاطون، كما أنبأنا هو ذاته، لم يكن يحمل تقديرًا كبيرًا للكتب المؤلفة من حيث هي وسيلة لإثارة الأفكار، بالقياس إلى المناقشة الفعلية المباشرة للمشكلات واختبار الصعوبات بين باحثين مستقلين عن الحقيقة. فصورة المحاورة قد زكت نفسها له بوصفها أقرب تعبير أدبى عن الاتصال الفعلى بين ذهن وذهن، وهى قد أتاحت له أن يدرس الفكرة الواحدة من وجهتى نظر أنصارها وخصومها على التوالى، وأن يضمن بذلك الدقة في بحثه عن الحقيقة. وأخيرًا، فإن المحاورة، أكثر من أى شكل آخر من أشكال التأليف، تترك المجال كاملاً للمواهب الدرامية في تصوير الشخصيات، والتهكم اللاذع الذى يقف فيه أفلاطون فى مصاف كبار الأدباء الكوميديين والتراجيديين".
والرأي الأخير الذي سنستشهد به في هذا الموضوع ذاته هو رأى "بارکر Barker" الذي يقول: "كان الغرض الذى أدى بأفلاطون إلى إيثار هذه الصورة أى الحوار هو نفس الغرض الذى أدى بسقراط إلى استخدامها. فسقراط لم يحاول أبدًا أن يلقن ،معرفة، وإنما كان على العكس من ذلك يتكر دائما امتلاكها. وكانت رغبته تتجه إلى إيقاظ الفكر .. وكان ينادي ما يوجد في عقل الإنسان، ويثق فى أن هذا العقل سيلبي النداء .. وكذلك الحال مع أفلاطون : فقد أراد أن يقدم إلينا الفكر وهو يعمل، ويتجنب السرد المحض لنتاجه النهائي. ولقد كان أفلاطون محاضرًا ومعلمًا مثلما كان كاتبا، وعندما كان يسطر بقلمه على الورق، كان من الطبيعى أن يسير فى كتابته بنفس الطريقة التي توحی بها مناقشاته مع تلاميذه في الأكاديمية. ولقد أراد ككل معلم أصيل، أن يجعل الناس يفكرون بفضل تعليمه، ورأى بوصفه كاتبا أن أفضل طريقة لإيقاظ الفكر فى أذهان قرائه هي أن يجعلهم يتابعون سير ذهن المؤلف. فالموضوع يناقش في الذهن الفردى بطريقة مشابهة إلى حد بعيد للطريقة التي يناقش بها بين حلقة من المتحدثين: إذ يعرض أحد الآراء، لكى يبهدمه رأي آخر، حتى يتم بلوغ حقيقة تظل صامدة إلى النهاية .. فالمحاورة هي هذه العملية التي تدور في الذهن الفردى وقد اكتسبت صورة عينية. وهى تعبر عن مراحل هذه العملية في صورة أشخاص."
رابط تحميل الكتاب