كتاب الدين والمجتمع دراسة سوسيولوجية للتدين بالمغرب - تأليف د. عبد الغني منديب - أونلاين بصيغة إلكترونية ONLINE PDF
معلومات عن الكتاب :
إسم الكتاب : الدين والمجتمع دراسة سوسيولوجية للتدين بالمغرب.
اسم المؤلف : د. عبد الغني منديب.
الناشر : أفريقيا الشرق.
حجم الملف : 4.57 ميجا بايت..
عدد الصفحات : 240.
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من الكتاب :
"إدمون دوتي ونسق أسلمة المعتقدات القديمة
يعتبر إدمون دوتي من أوائل الباحثين الكولونياليين الذين اهتموا بدراسة المجتمع المغربي، وقد ركز هذا الباحث - الذي كان يسعى جاهدا لأن يكون أكبر متخصص في الشؤون المغربية - على دراسة المعتقدات والممارسات الدينية. ويعتبر كتابه «السحر والدين بإفريقيا الشمالية أحد أكبر المؤلفات التي وضعت حول المعتقدات الدينية بالمجتمع المغربي خلال الفترة الكولونيالية.
وتتكون أطروحة دوتي حول المعتقدات الدينية بالمغرب من فكرتين أساسيتين اثنتين، تتعلق الأولى بعملية «أسلمة المعتقدات الوثنية القديمة، وترتبط الثانية بالتوحيد المفرظ للإسلام وضرورة ظهور الوسطاء.
أ - المعتقدات تتغير والطقوس تستمر
يرى دوتي أن سكان الشمال الإفريقي اضطروا مع مجيء الإسلام إلى التحايل من أجل المحافظة على معتقداتهم الأصلية، وذلك بتكييف هذه المعتقدات الوثنية مع مقتضيات الدين الجديد عن طريق مزجها بطقوس وممارسات دينية إسلامية. ذلك أن الإسلام وبالرغم من قدرته الكبيرة على التأثير والتسوية Nivellement لم يكن بوسعه القضاء كليا على جميع الطقوس الوثنية القديمة، وبالتالي فقد تمت أسلمتها.
ويقول دوتي بهذا الصدد : «فإذا ما بحثنا على سبيل المثال عن الكيفية التي استقر بها طقس رمي الأحجار البدائي، الذي نشأت عنه الكراكير المقدسة، داخل الديانة الإسلامية فإننا سنجد أنفسنا أمام النسق العام لأسلمة المعتقدات والممارسات الوثنية بالمغرب».
فالكراكير المقدسة التي تكونت بفعل طقس رمي الأحجار للتعوذ من أخطار الطريق اتخذت مع مرور الوقت وبالتدريج شكلا إسلاميا، لتغدو في نهاية المطاف أضرحة تحمل أسماء أولياء حقيقيين أو وهميين. وقد امتدت عملية الأسلمة هذه لتشمل باقي الطقوس الطبيعية الأخرى، فهذا المنبع المائي المقدس الذي يوجد بمنطقة جنوب مراكش يقدم لنا نموذجا واضحا لعملية أسلمة عبادة بربرية [...] لأن للاتاكركوزت» تمثل ببساطة القوة المقدسة للمنبع [...] وهي عبادة وثنية قديمة أبقت عليها الديانة اليهودية حينما كانت سائدة ومزدهرة بالمغرب، وتمت أسلمتها مع مجيء الإسلام تحت اسم «للاتكر كوزت» فأصبحت بذلك مزارا لليهود والمسلمين على حد سواء.
وإذا كانت هذه الطقوس الطبيعية والزراعية قد فقدت الشيء الكثير من أشكالها الأصلية بفعل عملية الأسلمة ، فإنها لم تنقرض وحافظت على استمرارها في الوجود. بيد أنه لم يكن من المتيسر رصدها والكشف عنها دون خبرة وحنكة الإثنوغرافيين والسوسيولوجيين.
ويرجع دوتي وجود هذه البقايا الوثنية إلى قدرة الطقوس بشكل عام على الاستمرارية، فمعظم هذه الطقوس كانت في الأصل ذات مغزى ديني ثم تحولت إلى مجرد طقوس سحرية ، فعندما يتغير المعتقد يستمر الطقس في الوجود ويبقى كما تبقى تلك الصدفات الأحفورية للرخويات الغابرة التي تساعدنا على تحديد الفترات الجيولوجية. فاستمرارية الطقس إذن هي سبب وجود هذه البقايا المثناترة هنا وهناك».
ب - عبادة الأولياء هي عبادة للإنسان
بلغت عبادة الأولياء في المغرب درجة كبيرة من الترسخ والانتشار اعتبر معها بعض الباحثين غير المتخصصين أنها الشكل الوحيد والأوحد للدين عند المغاربة. في حين شكلت عند الباحثين المتخصصين مفارقة ولغزا محيرا، باعتبار أن الإسلام يعد أكثر الأديان السماوية توحيدا وأقلها تجسيدا، ومع ذلك فإن المجتمعات الإسلامية والمغاربية منها بالخصوص والمجتمع المغربي بشكل أخص، تعج بهذا العدد الهائل من الصلحاء والأولياء الأموات منهم والأحياء.
وقد أرجع دوتي سبب نشوء وانتشار هذه العبادة إلى التوحيد الإسلامي الحاد والمفرط، فالإسلام في نظر هذا الباحث غالى في التوحيد عندما باعد المسافة بين العابد و المعبود، حيث ألغى كل الروابط الملموسة التي تجمع بين الله والمؤمنين، مما دفع بالشعب إلى البحث عن وسائط أخفاها الفقهاء تحت رداء طلب الشفاعة، بينما هي في الواقع عبادة للإنسان (Anthropolatrie) . فالرسول نفسه لم يسلم من هذه العبادة على الرغم من تحريم الإسلام لها بشكل واضح وصريح، وهكذا يستخلص دوتي أن نشوء عبادة الأولياء في المغرب لا ترجع فقط إلى البقايا الوثنية القديمة، وإنما تعود أيضا إلى التوحيد المفرط للإسلام، فليس هناك دين يباعد بين الإنسان والله لأن ذلك يؤدي حتما إلى نتائج عكسية». ولتقييم الدراسات الأنثروبولوجية التي قام بها دوتي وعلى رأسها كتابه السابق الذكر «السحر والدين في إفريقيا الشمالية»، ينبغي وضعها داخل الإطار المعرفي للفترة التي أنجزت أثناءها، وهي الفترة التي كانت تهيمن فيها نظريات المدرسة السوسيولوجية الفرنسية والمدرسة التطورية البريطانية.
وقد حاول دوتي تطبيق هذه النظريات على مجتمعات الشمال الإفريقي التي اعتبرها مجتمعات بدائية لا تختلف معتقداتها وممارساتها الدينية عن مثيلاتها عند الشعوب البدائية الأخرى. وهو يقول بهذا الصدد: «إن البدائي يعتقد دائما أن ميولاته ورغباته هي قوى قادرة على التجسد، تكتسب في بعض الظروف الخاصة قدرة فعالة بشكل خارق ، إنها مانا المتوحشين والروح» و «النفس» عند المسلمين. ومعلوم أن مقولة الرواسب أو البقايا التي حاول دوتي تطبيقها على جميع المعتقدات والممارسات الدينية عند المغاربة كزيارة الأضرحة وعادات التضحية والاحتفالات بعاشوراء وبو الجلود وغيرها هي مقولة أنجلوساكسونية تطورية بالأساس.
ومعلوم أن الاتجاه التطوري لا يربط المعتقدات والممارسات الدينية بأسسها المادية والاجتماعية ولا بالوظائف التي تؤديها للمجموعة الحاملة لها. وعليه وإذا كانت دراسات دوتي ذات قيمة إثنوغرافية عالية بالنظر إلى حجم المعطيات التي جمعت وصنفت بها ، فإن الاستنتاجات والخلاصات التي خرجت بها لم تكن تعني سوى تطبيق دوتي لمجموعة من المقولات النظرية السائدة - التي اعتبرها بمثابة مسلمات لا تحتاج إلى برهنة أو تمحيص - على جميع الظواهر الدينية والاجتماعية التي صادفته دون إعطاء الأدلة على ذلك.
وهذا ما جعل مؤلفه السابق الذكر يعد بمثابة المحاولة العلمية الأولى من نوعها لفهم الظواهر الثقافية والدينية في بلدان المغرب العربي على ضوء النظريات العلمية السائدة في ذلك الوقت. والواقع أن دوتي نفسه وهو الجامعي والإثنوغرافي الواسع المعرفة لم يكن مرتاحا ارتياحا كاملا لإجرائية هذا التطبيق المتعسف ، ولم يكن مطمئنا للخلاصات التي توصلت إليها دراساته، إذ يقول بهذا الصدد: «ربما سينتقدنا القارئ لكوننا أدمجنا في بعض الأحيان بشكل مصطنع هذه الوقائع في إطار السوسيولوجيا المعاصرة، أو لأننا اقترحنا تفسيرا غير مقنع للظواهر المدروسة»."
رابط تحميل الكتاب