كتاب تجديد التاريخ في تعليله وتدوينه (إعادة النظر في التاريخ) - تأليف عمر فروخ - أونلاين بصيغة إلكترونية ONLINE PDF
معلومات عن الكتاب :
إسم الكتاب : تجديد التاريخ في تعليله وتدوينه (إعادة النظر في التاريخ).
المؤلف : عمر فروخ.
الناشر : دار الباحث - بيروت.
الطبعة الأولى : 1401هـ - 1980م.
حجم الملف : 8.2 ميجا بايت.
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من الكتاب :
"العصور الحديثة :
تبدأ العصور الحديثة في التقسيم الغربي الأوروبي بالفتح العثماني للقسطنطينية، سَنَةَ ٨٥٧ للهجرة (١٤٥٣م) لأن فتح القسطنطينية (وهم يقولون : سُقوط القسطنطينية مَعْلَمُ فاصل في تاريخ النصرانية. إن سقوط رومية (٤٧٦م) في يَدِ القُوطِ البرابرة كان قد قضى على سُلْطَةِ رُومِيَةَ السياسية وأقام في أوروبةً وَحَداتٍ سياسيةً تُنازِعُها (وقد كان من أسباب الحروب الصليبية، في إبان العصور الوسطى، أن البابوية أرادت أن تَتَخَلَّص من الأمراء الذين كانوا ينازعونها السُلطان السياسي بأن تَقْذِفَ بهم إلى حَرْبٍ بَعيدين عن أوروبة).
ثم ها هم أولاء العُثمانيون يفتحون القسطنطينية ويَقْضُونَ على الدولة البيزنطية (الإمبراطورية الرومانية (الشرقية فتفقد الكنيسة المسيحية سلطتها السياسية العليا في شَرْق أوروبةً، كما كانت قد فَقَدَتْ سُلْطَتها السياسةَ العُليا في غربي أوروبةَ بِسُقوط رُومِيَةً.
إلا أن هذا الحَدَثَ التاريخي الذي اتخذه الأوروبيون مَعْلَماً مُؤسِفاً في تقسيم العصور يُمكنُ، إذا نحنُ نَظَرْنا إليه مِنَ الجانب الآخر، أن نتخِذَه أيضاً معلما في تقسيم العصور التاريخية عندنا. كان العَرَب يُريدون فتح القسطنطينية مُنْذُ أيام الخليفة الثاني في الإسلام، عُمر بن الخطاب ت ٢٣ هـ = (٦٤٤م). ولكن عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ لم يُوافق على المشروع الذي تقدم به والي الشام مُعاوِيَةُ بنُ أبي سُفيان. وفي أيام الخليفة الثالث عُثمان ابن عفان بدأ العرب فتوحهم في البحر.
ومُنْذُ أيام مُعاوِيَةَ بن أبي سفيان في الخلافة الأموية (٤٠ - ٦٠ للهجرة : ٦٦٠ - ٦٨٠م) أخَذَ العَرَبُ بحصار القُسطنطينية بغية فتحها فلَمْ يُوَفَّقوا ).
فلما اسْتَطَاعَ السُلطانُ العُثماني مُحَمَّدٌ الثاني (الفاتح) أن يدخُلَ القُسطنطينية ظافراً ثم استطاع الفتح العثماني للقسطنطينية أن يُبَدِّلَ حضارة شرقي أوروبةً ثمّ يُبَدِّل سياسة أوروبة كلها، أصبحَ فتح القسطنطينة معلماً بارزاً يجوز أن يكونَ حداً فاصلاً بين عصرين من عُصور التاريخ.
والعصور الحديثة، منذ فتح القسطنطينية إلى اليـوم (٨٥٧ - ١٤٠٠هـ)، مدة طويلة جداً لا لأنها تمتَدُّ خَمْسَمَائَةِ عام أو تزيدُ، فَإِنّ القرون الوسطى كانت أطول أمداً، ولا بالإضافة إلى العصور القديمة التي امتدت منذ فجر التاريخ ألوف الأعوام ومئات الوفها، بل بالإضافة إلى سُرعة تتابع الأحداث السياسية والعسكرية والثقافية.
هذه العصور الحديثةُ يَجب أن تُقسَم، بالإضافة إلى حياتنا، ثلاثة عُهود :
أ - العهد الحديث على الحَصْر، من فتح القسطنطينية إلى حملة بونابرتة على مصر وساحِل الشام (سَنَةَ ۱۲۱۳هـ = ۱۷۹۹م). ويُقارِبُ هذه السَنَةَ سُقوط الدولة المغوليّةُ المُسلمة في الهند (١٢٢١ هـ = ١٨٠٦ م) واحتلالُ فَرَنْسَةَ للجزائر ( ١٢٤٦ هـ = ۱۸۳۰م). ويمكن أن نصف هذه الفترة بأنها «أعْقابُ السُلطة الإسلامية في العالم. فإن الإنكليز قَضَوْا في الهند على دَوْلَةِ المُغُل (المُغول) المُسْلِمة ثم حكموا في الهند حُكْماً مسيحياً من وراء الهندوس المجوس، كما أن فرنسة حكمت الجزائر حُكماً مسيحياً تبشيرياً.
ب - العهد الاسْتِعماري، مِنْ حَملة بونابرتة إلى نهاية الحرب العالمية الثانية (١٣٦٤ هـ = (١٩٤٥م). في هذه الفترة كانت جميع البلاد الإسلامية، في آسية وإفريقية، تحت الاحتلال الأوروبي المباشر، فقد تقاسَمَتِ الحكم على البلادِ المُسلمة وعلى معظم البلاد غير المُسلمة) في تَيْنِكَ القارتين دُوَلُ أوروبة المسيحيّةُ (بريطانية وفرنسة وألمانية وإيطالية وإسبانية والبرتغال وبلجيكة والروسية ثم الاتحاد السوفياتي). وإذا كان بعض الناس لا يعد الاتحاد السوفياتي بلداً مسيحياً (لأن حكومته لا تدين بالنصرانية عِبادةً، فإنّ سياسة الاتحاد السوفياتي تجاه البلاد الإسلامية هي سياسة العِداء التي تَتَّسِمُ بها سياسة الولايات المتحدة وبريطانية والبرتغال وغيرها سواء بسواء.
ج - العهد المُعَاصِرَ، مُنْذُ نِهايةِ الحَرْب العالمية الثانية. وفيه مُحاولة البلاد التي كانت تحت الاستعمار الأوروبي في قارة آسِيَةً وقارة إفريقية للحصول على استقلالها ولِمُمارَسَةِ هذا الاستقلال على دَرَجاتٍ مختلفة من الاعتماد على الدُّوَلِ الأوروبيّة نفسها. في هذه البلاد البلاد الإسلامية العربية، وفيها البلاد الإسلامية غير العربية، وفيها البلاد غير الإسلامية. ولقد سَكَ عُلماء الاقتصاد الأوروبيون لهذه البلاد اسم الدول المُتَخَلِفَةِ»، ثمّ رَأَوْا - لاسباب نَفْسِية - أن يجعلوا الاسم الدُّوَلَ النامية. في هذه البلاد التي كانتْ مُستَعْمَرَاتٍ ثم أصبحَتْ دُولاً نامية عدد منها فضّل أن يبقى على صلة اقتصادية وثقافية وسياسية أيضاً بالدولة الكبرى التي كانت تَسْتَعْمِرُهُ فإنّ قديماً تعرفه خير من جديد تحاول معرفته، بينما فضّل عدد آخَرُ من الدول النامية أن يَتَبَدِّلَ بالمُسْتَعْمِرِ القديم مُعِيناً جديداً. وبما أنّ الاشتراكية» كانتْ زِياً شائعاً بعد الحرب العالمية الثانية، فإنّ عدداً من الدول النامية آثَرَ أَنْ يَنقُلَ مَكَانَ سُكناه من المُعسكر الغربي الرأسمالي إلى المعسكر الشرقي الشيوعي. وهكذا نَجِدُ أنّ البلاد التي كانتْ مُستعمراتٍ (أو بلاد انتداب أو مناطق حمايةً، وكل هذه بمعنى!) قد نالت استقلالاً حُقوقِياً نظرياً على دَرَجَاتٍ مُختلفةٍ
من المكانة الدولية بالاضافة إلى سَعَةِ أراضيها وَعَدَدِ سُكانها ثم بالنسبة إلى شِدّة مُقاوَمَتِها أو ضَعْفِ مقاومتها لنفوذ الدول الكبرى). ولكن هذه الدول الجديدة ظلتْ كُلُّها متخلّفةً (وهذه هي الصِفَةُ التي أُطْلِقَتْ على هذه الدول أوّلاً في ميادين الاقتصادِ والثقافة والفن الصناعي «التكنولوجيا».
غير أنّ في هذا العهدِ شيئاً من التناقض البارز : ضياع فلسطين (بعَوامِل كثيرةٍ مَحَلِيَّةٍ ودولية) ثم استقلال الجزائر استقلالاً قام على جهودٍ صحيحة من «حرب للتحرير»، لا على رَغْبَةٍ من الدُّوَلِ الكُبرى في إنهاء استعمارها (حقيقةً أو مجازاً) كما حَدَثَ في فِلَسْطِينَ مَثَلاً. ويبدو أن استقلال الجزائر هو المَعْلَمُ الواضح الذي بَرَّرَ تَسْمِيةَ هذا العهد بعهد الاستقلال."
رابط تحميل الكتاب