كتاب في النهضة والتراكم: دراسات في تاريخ المغرب والنهضة العربية مهداة للأستاذ محمد المنوني - أونلاين بصيغة إلكترونية ONLINE PDF
معلومات عن الكتاب :
إسم الكتاب : في النهضة والتراكم: دراسات في تاريخ المغرب والنهضة العربية مهداة للأستاذ محمد المنوني.
تقديم : السعيد بنسعيد.
الناشر : دار توبقال، 1986.
عدد الصفحات : 378.
السلسلة : المعرفة التاريخية.
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من الكتاب :
"مصادر التاريخ الاجتماعي
تساؤلات حول مستويات النص التاريخي التقليدي
لاشك أن عنوان العرض يوحي بالمجازفة، فهو يقدم . مساهمة محدودة في مجال واسع وشائك. قبل أن نطرح تساؤلاتنا، لابد من توضيح إطار هذه التساؤلات. نريد أن نطرح مسألة مستويات النص التقليدي على ضوء مسألة مصادر التاريخ الاجتماعي، فما هو الاتجاه السائد في تناول العلاقة بين الحقلين ؟
لا يزال الاهتمام بالاستوغرافيا التقليدية منحصرا داخل الإطار الذي حدده ليفي بروقتصال في كتابه «مؤرخو الشرفاء». منذ صدور هذا الكتاب، اتخذ البحث نوعا من المسافة النقدية إزاء الرصيد التاريخي التقليدي، وذلك من حيث تحديد الأجناس وتصنيف المؤرخين وتقييم أعمالهم. ويتم التقييم بطريقة تعتمد على عنصر المصداقية في توفير الخبر الأقرب إلى الصحة. فالمؤرخ توصل إلى الخبر بشكل مباشر أو غير مباشر، كما أنه التزم الحياد، أو اتخذ موقفاً صريحاً أو ضمنياً إزاء أطراف متصارعة.
سوف يتخذ مؤرخ المجتمع مسافة مضاعفة : فالكتب الإخبارية تقتصر على ما يجري في دائرة الحكام، والتراجم تؤرخ لمشاهير الرجال. وإذا كانت كتب المناقب أقرب إلى قاعدة المجتمع، فإن أسلوبها يضع القارئ في مناخ الكرامات والخوارق. وفي نفس السياق يعتبر ليفي برُوقَنصَالُ أن مؤلفات الأنساب هي مجرد لوائح مُملّة من الأسماء، وُضعت لمجاملة بعض البيوتات وبقصد تخليد ذكرها.
يتقدم التاريخ الاجتماعي بقدر تجاوزه لهذا الإنتاج، وبقدر اعتماده على المصادر غير الإرادية، أي ما لم يوضع بغرض التأريخ لنأخذ مثلاً مجتمع المدينة : يطل المؤرخ على هذا العالم من خلال حوالات الأحباس وسجلات المستفادات ومختلف المستندات العائلية هكذا يستطيع البحث أن يتجاوز مستوى الانطباعات، وتصبح مختلف الظواهر قابلة للقياس والإحصاء.
لا أحد ينكر أهمية هذا الأفق، ولا أحد يجادل في هذا الطموح بغاية الوصول إلى وثائق تساعد على وصف البنية الاجتماعية. حيث ترسم مواقع المجموعات في علاقاتها مع الإنتاج والسلطة، لكن هل يجوز اعتبار الاستوغرافيا التقليدية مجرد محطة وثائقية ؟ هل تحل مسألة الاستوغرافيا التقليدية بمجرد «الاستغناء عنها عندما تتوفر المصادر الأخرى ؟ إذا حسمنا هذا الإشكال بالإيجاب
ربما نقع في غفلة عن بعض المشاكل المنهجية التي تتصل باستغلال كتب الأخبار والتراجم والمناقب والأنساب. وقد تكون تلك المشاكل أكثر حدة في غياب أو في انتظار المصادر غير الإرادية.
إن القراءة السائدة للإنتاج التقليدي تفترض شفافية النص، ولذا تعتبره بمثابة الوسيلة البريئة التي تسمح بالوصول إلى معطيات معينة. يقترن هذا التصور بالقراءة الاجتزائية، فتضيع بعض المعطيات باسم المعرفة الوضعية وتقبل معطيات أخرى بسهولة، رغم تشبث الباحث بقواعد نقد النصوص.
علينا إذن أن نحدد دائرة المناقشة. سوف نقتصر على نقطة واحدة، وهي أن النص التقليدي، يضع القارئ أمام تداخل الواقعة والرمز. فبإمكاننا أن ننتبه إلى ما هو رمزي من خلال ما هو ،اجتماعي وبإمكاننا أن ننتبه إلى ما هو اجتماعي من خلال ما هو رمزي. سوف نعتمد في تحليلنا على نموذج أدب الأنساب، وبالأخص على الإنتاج النسبي الفاسي الذي يمتد فيما بين القرن الخامس عشر وأوائل فترة الحماية. فيلزمنا أن نبدأ برسم بعض الملامح العامة لهذا النوع من المصادر التاريخية.
تقترن ظروف تأليف الأنساب بالوظائف التي يقوم بها هذا الإنتاج. وإذا بسطنا المسألة وجدنا أن كتاب الأنساب هو امتداد للوثيقة القانونية، أي امتداد للرسم العدلي. يتحدث محمد المسناوي عن الظرف الذي دفعه إلى كتابة «نتيجة التحقيق في بعض أهل الشرف الوثيق»، فيخبرنا أن أحد الشرفاء القادريين بفاس (وهو ابن النسابة عبد السلام القادري وعمّ مؤلف «نشر المثاني طلب منه أن يضع تاريخاً للأسرة القادرية، وذلك لأنه كان يستعد للذهاب إلى الحج، وقد يحتاج هناك إلى إثبات نسبه. فالكراسة أضمن وأسلم من الرسوم العدلية المتفرقة، لأن هذه الوثائق يمكن أن تتعرض للضياع خلال السفر.
ننتقل الآن من هذه الحالة الدالة إلى الحركة العامة لتأليف الأنساب. يبدو أن هذا الإنتاج يعكس رغبتين متقاطعتين : رغبة السلطة المخزنية في إحصاء الشرفاء نظراً لما يترتب عن ظاهرة الشرف من إعفاءات وامتيازات، ورغبة الشرفاء في تأكيد الأصول والاحتماء من الدخلاء إن التقاطع الموجود بين المراقبة المخزنية والدفاع العائلي هو نفس التقاطع الذي تشخصه مؤسسة نقابة الأشراف.
إن التأمل في مثال مدينة فاس، يوحي بأن اللحظات الأساسية في الخطاب النسبي، توافق مظاهر التأزم في العلاقات بين السلطة المخزنية والأشراف. ونكتفي بذكر حالتين الأولى تتعلق بنصح ملوك الإسلام» لابن السكاك لقد جاء هذا التأليف كرد فعل ضد تراجع المرينيين عن خطة التقارب مع الأشراف عند نهاية القرن الرابع عشر والحالة الثانية تتعلق بالفترة الإسماعيلية، حيث انتعش تأليف الأنساب على يد محمد المسناوي وعبد السلام القادري.
فما هو مضمون النص النسبي ؟ إننا في الواقع أمام نسيج من المضامين، فالنشابة يتبرك بذكر السلالة النبوية، وهو يرتب الشجرة»، ويحصي الفروع والأشخاص، وفي آن واحد يوثق النسب بواسطة مختلف الوسائل المتداولة. كما أن النسابة يترجم لعدد من رجال البيوتات المذكورة، إذ أن الحسب يرافق النسب. كل هذه العناصر لا تتوفر بالضرورة في كافة النصوص، وإذا توفرت، فهي حاضرة بشكل يتفاوت بين هذا النص أو ذاك. إلا أن تمثل مختلف هذه العناصر يساعدنا على الاقتراب من منطق أدب الأنساب."
رابط تحميل الكتاب