كتاب تطوان خلال القرن الثامن عشر - 1727 - 1822 - أونلاين بصيغة إلكترونية online pdf
معلومات عن الكتاب :
إسم الكتاب : تطوان خلال القرن الثامن عشر - 1727 - 1822.
الناشر : مجموعة البحث في التاريخ المغربي والأندلسي.
سنة النشر : 1994.
عدد الصفحات : 335.
حجم الملف : 6.64 ميجا بايت.
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من الكتاب :
"الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لتطوان
مما لا شك فيه أن النشاط الاقتصادي لمدينة تطوان قد تضرر من جراء الاضطرابات والحروب في بداية الأزمة، ومن الميادين الأولى التي مست التجارة بين تطوان وفاس، إذ مباشرة بعد اندلاع الأحداث وانتشار الإغارة على الطرقات توقفت القوافل الأسبوعية التي كانت تربط المدينتين.
لكن مع ذلك، ظلت تطوان تربط علاقات تجارية مع جبل طارق، التي استفادت من النزاعات والحروب الداخلية في المنطقة، وسيعترف بريتوايت بذلك بقوله « وفرت هذه الانقسامات الداخلية بين المغاربة امتيازات مهمة لحصننا بجبل طارق الذي كان حينئذ محاصرا . فقد كان الطرفان حريصين على كسب صداقتنا ... صحيح أننا وجدنا موارد كثيرة في تطوان.... أ لقد كنا نحصل منها على كل لوازمنا الضرورية، والتي لولاها لن نحصل عليها إلا من وهران في مملكة الجزائر أو البرتغال. وأترك تصور مدى الصعوبة والمصاريف بالنسبة للأمة لو اضطررنا إلى الحصول على هذه المؤن من تلك الأماكن البعيدة ».
غير أن أهمية كتاب بريتوايت لا تكمن ـ في نظرنا - في المعلومات التي أوردها عن العلاقات التجارية بين تطوان وجبل طارق، بل في بعض الشهادات والملاحظات التي لا نجد لها أثرا في الكتابات المحلية، والتي تتعلق بجوانب تفسر إلى حد بعيد سيرورة تطور مجتمعنا وهياكله وخاصة الاقتصادية.
من ذلك مثلا أنه في معرض وصفه لوادي مرتين Merteen أو وادي بوسيكا Bousega ، يقول بأنه كانت توجد به بعض المراكب الكبيرة، وبتكاليف قليلة من السهل جعله صالحا للملاحة إلى حدود المدينة تطوان) أو أبعد من ذلك... ولكنني لاحظت أنه في كل بلاد المغرب لا يفكر أحد في جعل مثل هذه المنشآت مفيدة للعموم ».
هذه الملاحظة تكشف كما سبق عن غياب بنية تحتية تسهل المبادلات، وسيدون المؤلف ملاحظات مماثلة عن غياب طرق ممهدة بين المدن، إذ طوال رحلته من تطوان إلى مكناس، كان الركب يخترق التضاريس المتنوعة وما تشكله من صعوبات للتنقل، مما يفسر، في كثير من الجوانب بطء المبادلات وتعطل نمو وتطور قوى الإنتاج.
إلى جانب التجارة الخارجية، يقر بريتوايت بأن ازدهار تطوان الاقتصادي يعزى كذلك لغنى ظهيرها الفلاحي، إذ كانت حقول ضاحية المدينة تنتج أنواعا مختلفة من الفواكه وغيرها من المنتوجات، وخاصة البرتقال الذي اعتبره إنجليزي آخر أحلى أنواع البرتغال في العالم.
ويفسر هذا النشاط الاقتصادي لمدينة تطوان غنى وثراء فئات من سكانها في ذلك العهد، والتي يقول عنها القنصل الفرنسي شينيي، ويوافقه بريتوايت عن ذلك « إن Maures تطوان أكثر تحضرا ويسرا من نظرائهم في المدن الساحلية الأخرى»، وإن كان بريتوايت يضيف «بأن الاتجار مع الأمم الأوروبية كان سببا في تحضرهم تاركا خلفياته هنا تصدر أحكاما غير رصينة.
ومن مظاهر ثراء الفئات الغنية بتطوان القصور الفخمة التي . كان يقطنها أبناء هذه الفئات الاجتماعية، من تجار وأعيان وممثلي المخزن. ولعل النموذج الأمثل لهذه القصور هو قصر الباشا أحمد الذي أسهب بريتوايت في وصفه. كما تجلى ذلك الثراء في المآدب التي كانت تقام على شرف الضيوف الأجانب وقد اندهش بريتوايت ومرافقوه الإنجليز أمام كميات الطعام والشراب والأجـواق الموسيقية ولعب الخيل خلال مأدبة عشاء أقامها أمين الجمارك لوقش على شرف الوفد الإنجليزي.
إلى جانب الأثرياء المسلمين الذين استفادوا من تجارة تطوان الخارجية استقرت جالية يهودية قدرها بريتوايت بخمسة آلاف شخص بالمدينة، ويورد بأن يهود تطوان كانوا أكثر ثراء ويسرا من يهود المدن المغربية الأخرى لأن «كل التجارة هنا تمر عبر أيديهم، فهم وسطاء بين المغاربة والنصارى.
ومما يعكس أهمية التجارة الخارجية بالنسبة لليهود أنه كلما حدث أي خلاف بين المخزن وسلطات جبل طارق، يسارعون إلى تسويته دون تطور الأمور نحو القطيعة ومن ثم تضرر مصالحهم التجارية.
ومن الملاحظات الاجتماعية الطريفة والدالة التي أوردها بريتوايت عن أوضاع تطوان قوله: «عند رؤية عدد الكسالى الجالسين في الأزقة من الصباح إلى المساء، يصعب على الأجنبي أن يفهم كيف يستطيعون الحصول على ما يقتاتون به دون عمل وأنا شخصيا لم أستطع قط الكشف عن مواردهم.
وإذا كانت تطوان قد تأثرت كما رأينا من ظروف الأزمة فإنها ستشهد تطورا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وذلك خلال عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله (1757 - 1790)، حيث تشير المصادر الأجنبية التي اعتمدناها - خاصة مراسلات القنصل شينيي - إلى إرادة هذا السلطان في إحياء دار الصنعة (الترسانة) بتطوان، والتي ظلت خلال هذا العهد تنتج بعض المراكب، غير أن القنصل الفرنسي قلل من مدى فعالية وخطورة النشاط البحري لميناء مرتيل خاصة بعد سنة 1767، أي عقب توقيع معاهدات سلام وتجارة مع فرنسا وإسبانيا وغيرهما من القوى الأوربية البحرية فيما بعد.
ورغم اهتمام سيدي محمد بتطوان في بداية عهده، فإن ذلك الاهتمام سيتضاءل عندما تبلورت سياسته الانفتاحية حيث انتقل مركز الثقل الاقتصادي بالمغرب إلى مدينة الصويرة التي بناها السلطان وأولاها عناية خاصة، وجعلها الميناء التجاري الرئيسي، كما خسرت تطوان عاملا آخر من عوامل دورها، وذلك حين أمر سيدي محمد كل البعثات القنصلية المستقرة بها بالانتقال إلى طنجة.
ويتضح تأثر تطوان بهذه الظرفية الجديدة فيما أشار إليه الرحالة الإنجليزي جاكسون الذي زار المغرب في أواخر القرن 18 من أن عدد سكان تطوان بلغ ستة عشر ألف نسمة، بينما كان العدد حسب بريتوايت في سنة 1727 ثلاثين ألفا حسب
تقديره.
ولا عجب أن تعرف مدينة تطوان مثل هذه التقلبات في أحوالها تبعا للظرفية التاريخية، ووفق عوامل داخلية وخارجية تتحكم إلى حد بعيد في رسم المسار التاريخي للمجتمعات والأمم، فأحرى بالمدن والجهات داخل البلد الواحد."
رابط تحميل الكتاب