معلومات عن الكتاب :
إسم الكتاب : الكينونة والزمان.
تأليف : مارتن هيدغر.
ترجمة : د. فتحي المسكيني.
تاريخ النشر : 13/07/2012.
الناشر : دار الكتاب الجديد المتحدة.
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من الكتاب :
"في الأصل الوجوداني لفنّ التاريخ من جهة ما ينحدر من
تاريخانية الدارين
إن صناعة التاريخ، مثل كل علم هي من حيث هي نمط كينونة خاص بالدارين، تابعة بشكل واقعاني وفي كلّ مرّة إلى رؤية العالم الغالبة، ذلك ما لا يحتاج إلى بيان ما خلا هذا الأمر الواقع، ينبغي لذلك أن يتم السؤال عن الإمكان الأنطولوجي للأصل الذي تنحدرُ منه العلوم وذلك انطلاقاً من هيئة الكينونة التي للذازين. هذا الأصل لا يزال غير بين لنا إلا قليلاً. وفي السياق الحالي ليس مطلوباً من التحليل أن يجعل الأصل الوجوداني لصناعة التاريخ معلوماً لدينا في ملامحه الكبرى، إلا بقدر ما تبرز إلى النور تاريخانية الدارين ويظهر تجذرها في الزمانية، على نحو أكثر وضوحاً.
وإذا كانت كينونة الدازين تاريخانية في أساسها فإنّ كلّ علم واقعاني من شأنه أن يبقى كما هو بين ملتصقاً بهذا النحو من الحدثان لكن صناعة التاريخ إنما تفترض سلفاً تاريخانية الدازين بطريقة خاصة ومفضّلة.
قد يمكن للمرء أوّل الأمر أن يوضح ذلك بالإشارة إلى أن صناعة التاريخ، من حيث هي علم عن تاريخ الدازين، قد ينبغي أن «تفترض سلفاً» الكائن الذي هو تاريخاني أصلاً، باعتباره الموضوع الممكن الذي من شأنها. بيد أن التاريخ لا ينبغي أن يكون فقط، من أجل أن يصبح موضوع تاريخي ما قريب المنال، وليست المعرفة التاريخية تاريخانية من حيث هي سلوك متعلق بحدثان الذازين، بل إن الكشف التاريخي عن التاريخ، سواء أتم إنجازه في الواقع أم لا، هو في ذات نفسه متجذر طبقاً لماهيته الأنطولوجية في تاريخانية الدارين. هذا الترابط هو ما يقصده الكلام عن الأصل الوجوداني لصناعة التاريخ من جهة ما ينحدر من تاريخانية الدّازين أن نرفع النقاب عنه إنما يعني من حيث المنهج : أن نستشرف فكرة التأريخ، استشرافاً أنطولوجياً، انطلاقاً من تاريخانية الدازين. وفي المقابل فإنّ الأمر لا يتعلّق بنحو من الاستخلاص» لمفهوم التأريخ انطلاقاً. من النشاط العلمي الواقعاني اليوم، أو المطابقة بينه وبين هذا النشاط. إذ ما الذي يضمن لنا، متى تُؤمل الأمر من حيث الأساس، أنّ هذه الطريقة الواقعانية تمثل بالفعل صناعة التأريخ طبقاً لإمكاناتها الأصيلة والأصلية ؟ وحتى لو كان ذلك كذلك، وهو أمر نمسك عن إصدار أي قرار في شأنه، فإنّ المفهوم لن يمكن «كشف الغطاء» عنه على مستوى الواقعة) إلا متى اتخذنا فكرة التأريخ التي فهمناها بعد خيطاً هادياً. وبالعكس فإنّ الفكرة الوجودانية عن التأريخ لن توضع موضع السند الشرعي الذي لا يُعلى عليه لمجرد أن المؤرّخ قد أكد لنا تطابق طريقته الواقعانية معها. كذلك هي لن تصبح «خاطئة» لمجرد كونه يعارض فكرة كهذه.
تقتضي فكرة التأريخ بما هو علم أنه قد اضطلع بانفتاح الكائن التاريخاني كمهمة تخصه. وإنّ كلّ علم يتقوّم بدءًا بتحديد الموضوع المدروس. وما هو معلوم في الذازين، من حيث هو كينونة منفتحة في العالم، بشكل سابق على العلم، هو مستشرَفٌ على واجهة كينونته المخصوصة. وإنما بهذا النحو من الاستشراف تتحدّد منطقة الكائن. وتتلقى المداخل إليه الوجهة» المنهجية التي من شأنها، وتكتسب بنيةُ جهاز التصوّر الذي به التفسير ملامحها الأولى. وإذا نحن، وقد أرجأنا السؤال عن إمكانية تاريخ للحاضر»، عزونا الكشف عن «الماضي» إلى صناعة التأريخ بوصفه مهمة لها، فإنّ تحويل التاريخ إلى موضوع للتأريخ ليس ممكناً إلا متى كان «الماضي»، على العموم مفتوحاً بعد في كل مرة. وحتى بقطع النظر عما إذا كانت تتوفّر لدينا مصادر كافية من أجل استحضار تأريخي للماضي، فإنّ الطريق نحوها ينبغي لذلك أن يكون مفتوحاً حتى يتسنى الرجوع التأريخي إليها. أن شيئاً كهذا مبرر وكيف يصبح ممكناً، هو أمر ليس جليا أبداً.
ولكن من جهة أن كينونة الدازين هي أمر تاريخاني، نعني أنها مفتوحة في كانيتها على أساس الزمانية الأفقية - الوجدية، فإنّ السبيل إلى تحويل الماضي إلى موضوع للدراسة على النحو الذي يمكن القيام به في دائرة الوجود، قد صارت سالكة. ومن أجل أنّ الدّازين وهو وحده تاريخاني في أصله، فإنّ ما ستقدمه الدراسة التاريخية كموضوع ممكن للبحث ينبغي أن يكون له نمط كينونة الدارين الذي كان - هناك. فإنّ مع الدّازين الواقعاني بما هو كينونة - في - العالم ـ. إنما يكون أيضاً وفي كلّ مرّة تاريخ - العالم. فإذا هو لم يعد دازين، فإن العالم أيضا سيصبح شيئاً كان - هناك. وذلك لا يناقضه أنّ الكائن تحت ـ اليد الذي كان قبل داخل العالم، هو لم يمض رغم ذلك بعد و، من حيث هو شيء ـ لم - يمض من عالم كان - هناك صار يمكن العثور عليه بواسطة «التأريخ» بالنسبة إلى حاضر ما.
إن البقايا التي لا تزال قائمة والمعالم والأخبار، هي مادة ممكنة للكشف العيني عن الدّازين الذي كان - هناك. وشيء كهذا لا يمكن أن يصبح مادة تأريخية إلا من أجل أنّ له بمقتضى نمط،کینونته طابعاً تاريخانياً - بعالمه وهو لا يصبح مادة إلا من جهة أنّه مفهوم ( رأساً بالنظر إلى عالميته الداخلية. إنّ العالم الذي هو بعد مستشرَفٌ إنّما يتعيّنُ عن طريق تأويل المادة التاريخانية - بعالمها التي تم «حفظها». ليس تجميع المادة وفرزها والتأكد منها هو ما يضعنا على طريق الرجوع إلى «الماضي»، بل ذلك يفترض بعد الكينونة التاريخانية إزاء الدارين الذي كان - هناك، وذلك يعني تاريخانية وجود المؤرّخ. فهذه الأخيرة هي التي توفّر الأساس الوجوداني لصناعة التأريخ بما هي علم، وهي تبلغ في ذلك حداً يطال الترتيبات الحِرَفيّة» الأكثر خفاء."
رابط تحميل الكتاب