لمحات من تاريخ المغرب لمحات من تاريخ المغرب

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

كتاب أسس التفكير العلمي pdf تأليف د. زكي نجيب محمود




معلومات عن الكتاب :


إسم الكتاب : أسس التفكير العلمي.


تأليف : د. زكي نجيب محمود.


صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).






مقتطف من الكتاب :


"هذه صفحات أكتبها عن أسس التفكير العلمي موجهة إلى القارئ العام؛ وأول ما أريد لهذا القارئ العام أن يتبيَّنه في وضوح ناصع، لكي يتجنب كل لَبس بين المتشابهات؛ هو أن للإنسان مجالات مختلفة يتحرك فيها بنشاطه الذهني، فليس العلم أو التفكير بمنهج العلم هو مجاله الوحيد، بل إن له لميادين كثيرة أخرى، ولكل ميدان منها موازينه الخاصة؛ فإذا قلنا فيما يلي من الصفحات إن المنهج العلمي يقتضي كذا وكذا من الشروط وقواعد السير؛ فلسنا نعني إلا مجال العلم وما يدور مداره، وأما غير العلم من ميادين النشاط الإنساني فليس هو موضوعنا هنا. إن ما سوف نوجز القول فيه هنا لا ينطبق — مثلًا — على مجال الفن والأدب، ولا على حياة الإنسان الوجدانية بصفة عامة؛ وليس الأمر في حياة الإنسان الشاملة، هو أن نقول له: إما أن تكون ذا منهج علمي في تفكيرك وإما ألا تكون؛ كلا، بل شأن الإنسان في حياته هو أن يكون هذا وهذا وذاك وذلك في حياة واحدة؛ لكنه — مع ذلك — مطالب بأن يلتزم في كل ميدان منهاجه الملائم، على أن نتذكر هنا بأن الملاءمة في هذا الميدان أو ذاك — ليست فرضًا مصبوبًا على الإنسان من حيث لا يدري، فلا حيلة له إلا أن يصدع بما فُرض عليه، بل إنه لفرض وجب التزامه على ضوء خبرة الإنسانية عبر تاريخها الطويل؛ فإذا قيل لنا: إن منهاج العلم هو كذا وكيت؛ كان معنى ذلك أن خبرة الإنسان في محاولاته قد دلَّت على أن هذا المنهاج المعيَّن هو أفضل طريق للسير في مجال البحث العلمي، دون أن يمنع ذلك من أن يُدخل عليه من التعديلات ما يتبين أنه الأصلح.


إنه إذا قال شاعر كأبي العلاء: «ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد» فلا يجوز أن يتعرَّض له عالم الجيولوجيا قائلًا: لقد أخطأت، فسطح الأرض ليس مقتصرًا في عناصره على العناصر التي تتكون منها أجساد البشر، بل فيه ما ليس في هذه الأجساد من عناصر؛ لا، لا يجوز لعالم الجيولوجيا أن يعترض على الشاعر بمثل هذا؛ لأن للشاعر مقياسًا يُقاس به صوابه الشعري، غير المقياس الذي يُقاس به الصواب والخطأ في العلم؛ فعندما قال أبو العلاء إن أديم الأرض — في ظنه — ليس إلا من أجساد بشرية كانت كأجسادنا، لكن جاءها الموت فبليت وتحلَّلت وباتت ترابًا من هذا التراب الذي ندوس عليه بأقدامنا — فإنما أراد أن يحدَّ من غرور الإنسان بنفسه، وهو هدف لا يتَّصل من قريب ولا من بعيد بهدف عالم الجيولوجيا حين يُحلِّل تربة الأرض إلى عناصرها ليعلم ما مكوناتها؛ ولكل من الشعر والعلم ميزان خاص؛ أما ميزان الشعر الجيد فهو من شأن نقاد الأدب، وأما ميزان العلم الصحيح فهو في أيدي من ألموا بأصول المنهج العلمي.


ونحن إذا ما قصرنا أنفسنا هنا على مجال التفكير العلمي وحده، فسرعان ما يتبين لنا — بعد نظرة فاحصة — أن المجال يتفاوت محتواه تفاوتًا بعيدًا، فمن هذا المحتوى ما ليس ينطبق إلا على مجال ضيِّق في دنيا الأشياء، ومنه ما يتَّسع مدى تطبيقه حتى ليشمل كل شيء في الوجود؛ فقارِن — مثلًا — بين حقيقة تقال عن دودة القطن كيف تولد وتحيا وكيف تموت، أو حقيقة أخرى تُقال عن جبل المقطم وأنواع صخوره، أو عن السد العالي وطريقة بنائه والأهداف التي يحققها، قارن أمثال هذه الحقائق بحقيقة عن سرعة الضوء أو حقيقة عن تركيب الذرة وما فيها من كهارِب، أو عن الجاذبية وقانونها؛ فهذه كلها مقارنات تخرج منها بنتيجة، هي أن الحقائق العلمية ليست كلها من درجة واحدة، بل هي درجات تتصاعد من حيث التجريد والتعميم.


ولما كان لهاتين اللفظتين: «تجريد» و«تعميم» أهمية بالغة في تصورنا للأسس التي يُقام عليها التفكير العلمي، فلنقف عندهما قليلًا في هذا الموضع من سياق الحديث: أما التجريد فهو — كما هو ظاهر من المعنى المباشر لهذه الكلمة — خلع للصفات عن الأشياء التي تتَّصف بها، كما نخلع عن اللابس ثيابه التي تكسوه؛ فإذا كان هذا الذي بين يدي الآن قلمًا معينًا خاصًّا، ربما استطعت تمييزه من سائر الأقلام بعلامات فردية أعرفها فيه، فإنه إذن شيء بذاته، مُحدِّد معلوم، له فرديته وخصوصيته، ولا بدَّ أن يكون له في كل لحظة زمنية مكان معروف؛ لكن قلمي هذا ليس هو أول الأقلام ولا آخر الأقلام في هذه الدنيا التي تعجُّ بأشيائها، بل هنالك غيره أقلام كثيرة، كانت وكائنة وسوف تكون؛ وهي إن اختلفت في ألوانها وأحجامها وطرائق صنعها فبينها جانب تشترك فيه، وإلا فما يصح لنا أن نشركها جميعًا في اسم واحد يسميها، وهو الاسم «قلم»، فإذا ما بلغنا الدرجة التي نطلق عليها هذا الاسم الشامل برغم أوجه الاختلاف التي تميز بعضها، فلا بد أن نكون عندئذٍ قد اطَّرحنا بعقولنا عددًا كبيرًا من صفاتها الجزئية التي كانت تختلف فيها؛ لا بدَّ أن نكون قد أطرحنا صفات اللون والحجم وطريقة الصنع، لنُبقي على المهمة التي تؤديها، والتي هي موضع الاشتراك بينها، لكننا حين نخلع عن الأقلام المفردة صفاتها المميزة لها — على هذا النحو — فإنما نكون قد بعدنا عن الواقع الحسي كما يقع فعلًا وكما تدركه حواسنا فعلًا، إذ الواقع الحسي ليس فيه إلا أفراد ومفردات، وحواسنا من بصر وسمع ولمس وغير ذلك — ليس في وسعها إلا أن تتَّصل بتلك الأفراد أو المفردات؛ أما إذا خلعنا عن هذه الأشياء الجزئية الواقعية صفاتها التي تتعيَّن بها، أعني إذا نحن «جردناها» مما كانت تكتسي به من تلك الصفات، بحيث لا يبقى لنا منها إلا فكرة، أو مفهوم ذهني، ليس هو مما يدركه بصر ولا سمع، بل هو مما تتصوره الأذهان — فإن أداتنا عندئذٍ في عملية الإدراك تكون هي «العقل» لا الحواس، برغم أن هذا العقل لم يدرك ما أدركه إلا مستندًا إلى أقلام جزئية في عالم الواقع المحسوس."


رابط تحميل الكتاب


عن الكاتب

كاتب التاريخ المغربي

التعليقات


اتصل بنا

نحرص دائما على عدم انتهاك حقوق الملكية الفكرية، لذا يحق للمؤلفين ودور النشر المطالبة بحذف رابط تحميل لكتاب من الموقع. إذا وجدت كتاب ملك لك ولا توافق على نشر رابط تحميل الكتاب أو لديك اقتراح أو شكوى راسلنا من خلال صفحة اتصل بنا، أو عبر البريد الإلكتروني: lamahat.histoirmaroc@gmail.com

جميع حقوق الكتب والدراسات تابعة لمؤلفيها من حيث الطباعة والنشر والخصوصية

لمحات من تاريخ المغرب