معلومات عن الكتاب :
اسم الكتاب : مملكة غرناطة فى عهد بن زيرى البربر.
تأليف : د. مريم قاسم طويل.
الناشر : دار الكتب العلمية للنشر والتوزيع.
حجم الملف : 13.89 ميجا بايت.
عدد الصفحات : 388.
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من الكتاب :
"طبقات مجتمع غرناطة :
كان مجتمع غرناطة يعاني من تناقض رهيب؛ فالثروة فيه لم تكن تُوَزّع توزيعا عادلاً، مما أتاح وجود ثلاث طبقات؛ طبقة أرستقراطية تعيش حياة ترف ونعيم، وأخرى فقيرة تعيش في بؤس دائم، وثالثة تعيش وسطاً بين الاثنتين.
وقبل الشروع في الحديث عن هذه الطبقات الثلاث يستحسن بنا أن نستأنس بالتقسيم الاجتماعي الذي يقدّمه لنا ابن الخطيب وزير غرناطة وشاعرها وأديبها، والذي ينطبق على المجتمع الأندلسي في جميع مدن الأندلس وفي كل العصور الأندلسية : وكان الناس يومئذ أي) في عهد هشام المؤيد آخر خلفاء بني أمية) ـ لا بل
وفي كل زمان ـ أربعة : فَصِنْفٌ هَمُّه الدُّنْيا التي ينالها بسبب الولد، هبه بالغاً، أو مراهقاً، أو طفلاً في المَهْد ، أو جنيناً في المَشِيمَة، وهُمْ صنائع الحكم (أي الحاكم، وخُدّامه، وعُمّاله، وفتيانه، ورجاله ... وصنف مُرْتَقٍ من الديوان، مشهور العناية والمكان، أو مجهول الشَّان راض بحظه من الزمان، لا يتشوّق إلى المزيد ولا يَحْذِرُ من النقصان، قد تساوت في الدول أحواله، وسكنت إلى الرِّزْق والمفروض آماله ... فهو هادِن ساكن، وإلى فئة العافية راكن . وصنف يُؤملُ أمراً ، ويشبُ إِنْ قَدَرَ جَمْراً ... مُسْتَوْحِشُ بِبَحْسِ حَقَّه، وجَحْد سَبْقِهِ .. وهذا الصنف المُنَازِعُ المُنَافِسُ بَيْنَ أَنْ يَصْمَتَ فيموت بدائه، أو يَجْهَرَ بالمنازعة فينتهي إلى قدر الله وقضائه. وكان في ذلك الوقت أضعف الأصناف ... وصنف من أهل الدنيا والآخرة، قلدوا أهلَ الحَلِّ والعَقْد والقبول والرَّدُّ اجتهادهم، وسألوا الله توفيقهُمْ وسَدَادَهُمْ ... وهُمْ أشرفُ أوطاناً ، وأعظم سلطاناً ... وهُمْ جُمهورُ الناس من الفقهاء والعلماء، والخاصة والدَّهْمَاء .... وصِنف غارم، لا هم له إلا فيمن يُخَفِّفُ أَصْره، أو يُدِيلُ باليسر عِسْره. وأما هؤلاء، فأوباش أسواق. وحمقى ما لهم من أخلاق ... وصِنْفُ هَمُّه الآخرة، بعيد من تعريج على شيء من الدنيا ... إنما هو مشغول بربه خاصة. وهذا جيل قليل، وإنما ذُكِرَ مراعاة للتقسيم. ولا تخلو الأقطار منهم، فهم بركَاتُ الله بين عباده، وأولياؤه منهم».
أ ـ طبقة الخاصة أو الأرستقراطية :
تعتبر هذه الطبقة أغنى طبقات مجتمع غرناطة وأكثرها ثراء، وتتكون من أفراد الأسرة الحاكمة، وكبار الملاكين وكبار الأغنياء وقد انفردت باقتسام أرض غرناطة، وسيطرت على معظمها؛ فأمراء بني زيري مثلاً كانوا يمثلون قمة الثراء والملكية، بحيث لمن يكن يوجد حدود فاصلة بين خزانتهم الخاصة وبين بيت المال العام، أي خزينة الدولة.
وكان معظم أفراد هذه الطبقة يميلون إلى الترف والاسترخاء والعبث، وينغمسون في حياة اللهو والغناء والصيد، ولم يكن أمامهم سوى التمتع والاستئناس بالحياة الدنيا على حساب السواد الأعظم من شعب غرناطة. وقد عمل أمراء بني زيري على تقوية تلك الطبقة كونهم منها وذلك بهدف إشغالها بالأمور المادية وإبعادها عن المشاركة في شؤون الحكم حتى لا تصبح خطراً على سلطانهم السياسي.
وفيما يتعلق بالمرأة الأرستقراطية، فإنَّ المؤرّخين لم يُغفلوا ذكرها البتة، فقد تحدثوا عن قدراتها الثقافية والفنية والاجتماعية واستعرضوا محاسنها وصفاتها الحسنة ليرفعوا من مكانتهم لدى الحاكم ويحصلوا بالتالي على ما يريدون من صلات . وكانت علاقاتها بزوجها الأرستقراطي بغير المستوى الذي كانت عليه المرأة المنتمية إلى طبقات أخرى؛ فهي غير مضطرة بشكل عام للقيام بأي عمل داخل البيت أو خارجه؛ لأن أطفالها يقوم بتربيتهم الجواري والأموات الحاضنات. ويظلّ هَمُّها محصوراً في أن تحظى بحب زوجها رغم معرفتها بعلاقاته مع غيرها. وإذا كانت عزباء فإنَّ مشاغلها تنحصر غالباً في البحث عن الزوج الذي يملأ قلبها حُبّاً. وسواء كانت متزوجةً أو عزباء؛ فإنَّ شغلها الشاغل هو الحب. يذكر ابن حزم أنهن كن متفرغات البال من كل شيء، إلا من الجماع ودواعيه، والغزل وأسبابه، ولا شغل لهنَّ غيره، ولا خُلِقْنَ لسواه.
وكون الرجل الأرستقراطي مسلماً، فله الحق في أن يتزوج أربع نساء من الحرائر، وما شاء من الإماء، وأولاد الإماء شرعيون كأولاد الحرائر، وله أن يُطلق زوجته، ولكن عليه بالمقابل أن يصنع ما يَكْفَلُ به مصيرها. وهكذا كان له الحرية المطلقة لإشباع رغباته الجنسية. غير زوجته، مُفضّلاً زوجة على أخرى أو جاريةٌ مع على غيرها دون رادع يردعه. لذلك قليلاً ما نجد في الوسط الأرستقراطي الحب العميق الذي نراه في أوساط طبقية أخرى. وقد يخلص هذا الرجل لزوجته، ولكن مع عدم الاقتصار على واحدة؛ فحبه لها هو الذي يُعَوَّلُ عليه وليس حب زوجته له؛ لأن المرأة فُرِضَ عليها طاعة زوجها وتنفيذ رغباته الجنسية متى شاء.
وقد أُهملت المرأة الحرة في المجتمع الغرناطي من قبل الرجل، وفُرِضَتْ عليها القيود، كمراقبتها في القصر، بحيث لم يكن يسمح لها بالخروج إلا في حالات خاصة.
ب - طبقة العامة :
تضم هذه الطبقة طبقتين الوسطى والدنيا.
- الطبقة الوسطى: تضم هذه الطبقة التجار الكبار والمتوسطين، وأصحاب الأعمال والمشاريع الصناعية، وموظفي الدولة التابعين، والملاكين الصغار بمن فيهم المزارعون الكبار والمتوسطون، وانضوى إليها كافة عناصر المجتمع. وقد عاش معظم أفرادها في غرناطة كونها مقر الحكم وعاصمة المملكة آنذاك، مما زاد من سكانها وجعلها مركزاً للتقدم والتطور في جميع الميادين.
اهتمت هذه الطبقة بالعمل الصناعي والنجاري فتطوّرت بذلك الحركة الحرفية ووصلت إلى مستوى عال وظلت شديدة الارتباط بالطبقة الأرستقراطية الحاكمة من أجل الحفاظ على مصالحها؛ إذ كان التجار الكبار والمتوسطون يقفون بجانب طبقة الحاكم حرصاً منهم على جمع المادة والعمل على ازديادها، وكانوا يطالبون السلطة باستمرار بحماية ،تجارتهم وإذا ما تم لهم ذلك أسرعوا إلى تأييدها . يذكر الأمير عبد الله آخر ملوك بني زيري أن التجار كانوا مع من سبق، لا طاقة لهم بالحرب، ولا هُمْ أَهْلُه.."
رابط تحميل الكتاب
