كتاب النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية - أربعة أجزاء - تأليف د. حسين مروة - أونلاين بصيغة إلكترونية ONLINE PDF
معلومات عن الكتاب :
إسم الكتاب : النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية.
عدد الأجزاء : 4.
تأليف : د. حسين مروة.
الناشر : دار الفارابي.
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من الكتاب :
"إذا كنا ندخل عصر الجاهلية في موضوع بحثنا، كنقطة ابتداء، فان المنطلق المباشر لذلك هو محاولة استجلاء الأصول الأولية التاريخية للأشكال التي عبر بها سكان شبه الجزيرة العربية عن تصوراتهم لظاهرات الكون والطبيعة وعن علاقاتهم الاجتماعية وأوضاع حياتهم. وهي هذه الأشكال التي تكونت منها المعالم الأولى لما قد يجوز أن نسميه الفكر العربي أو الثقافة العربية في مرحلة ما قبل الاسلام من تاريخ العرب. إن نقطة الابتداء هذه ستساعدنا في رؤية المسار التاريخي لهذا الفكر منذ بداياته، لتكون هذه الرؤية أساساً لتكوين فكرة شمولية، في ما بعد، عن وجوه التطورات التي سيمر بها هذا المسار عبر الكثير من التقطعات أو القفزات أو التحولات في تاريخ العرب بعد الإسلام.
غير أن هذا المنطلق المباشر لادخال عصر الجاهلية في موضوع بحثنا ، يستلزم بالضرورة منطلقاً آخر غير مباشر . نقول: بالضرورة. لأن هذا المنطلق غير المباشر هو المرجع الأساس في محاولة الاستجلاء الفكرية أو الثقافية نعني به النظر في بنية المجتمع القبلي لشبه الجزيرة العربية، وفي الأسس المادية المكونة لهذه البنية والأشكال والظاهرات التي تجلت بها خلال العصر الجاهلي. ولكن الكلام على هذه البنية وأسسها المادية وأشكالها ،وظاهراتها إنما يتحدد هنا بحدود التاريخ الذي ينطلق منه مسار بحثنا في هذا الفصل وهو تاريخ المرحلة الأخيرة من العصر الجاهلي. ذلك أن تاريخ العرب قبل الإسلام يتألف من مرحلتين رئيستين. ويكاد يكون متفقاً عليه بين المؤرخين والباحثين أن حدود المرحلة الأخيرة، التي هي الإطار التاريخي لبحثنا هنا لا تبعد في زمن الجاهلية إلى ما قبل القرنين : الخامس والسادس للميلاد فان مختلف المؤلفات التاريخية والدراسات الاستشراقية وغير الاستشراقية التي عنيت بتاريخ شبه الجزيرة في الفترة المتصلة بظهور الاسلام إنما تتكلم على هذه الفترة ضمن هذين القرنين. إن هذا التمهيد يستند إلى أساس واقعي وربما صح ذكر حقيقتين كدليل على هذا الأساس:
الأولى : إن الشعر الجاهلي الذي لا يزال يعد المصدر الأوثق لدراسة تلك الفترة، لم يعرف مؤرخو الأدب العربي منه ما هو أقدم من مئة وخمسين سنة قبل الاسلام ) . إن هذه الحقيقة ذات صفة تاريخية جديرة أن تعتمد في تحديد المرحلة التي نحن بصددها ذلك أن هذا الشعر، بما يحمل من صور ومواقف وعلاقات وصفات للأشياء ومن نظرات إلى العالم، لا ينطبق الا على ما نعرفه عن الحياة العربية القبلية في الفترة الأخيرة من العصر الجاهلي ولا نجد فيه انعكاسات عما كشفته الوثائق الاثارية وكتابات المؤرخين الأغارقة والرومان الكلاسيكيين من أشكال الحياة الجاهلية القديمة أو ما كان منها قبل القرن الخامس الميلادي. وإذا كان من الصحيح القول بأن الأشكال المتطورة التي يبرز بها الشعر الجاهلي المعروف لدينا حتى الآن، تنبىء عن تاريخ طويل مرت به هو أبعد من الزمن الذي يرجع إليه أقدم شعر جاهلي وصل إلينا، فإنه من الصحيح أيضاً القول بأن عدم وصول ما هو أقدم من ذلك إلينا ينبيء كذلك علاقة عن تاريخية لها حدودها الزمنية بين هذا الشعر الذي نعرفه والفترة التي يعنى بها الاسلاميون عناية خاصة من تاريخ العرب قبل الإسلام. لذا يمكن قياس هذه الفترة زمنياً بمقياس زمن هذا الشعر.
أما الحقيقة الثانية فهي حاصل المقارنة بين الظاهرات الاقتصادية والاجتماعية في شبه الجزيرة خلال القرنين الخامس والسادس وبين هذه الظاهرات في ما قبل ذلك إن هذه المقارنة استناداً إلى الكشوفات التاريخية، تضع فارقاً في انماط تلك الظاهرات بين المرحلتين. ويمكن تصور هذا الفارق على النحو الآتي:
خلال القرنين الخامس والسادس كان يسود مجتمعات شبه الجزيرة نظام الترابط القبلي الذي يقسم السكان إلى وحدات من القبائل ينتظم كل وحدة منها رابط النسب في الغالب ورابط التحالف أحياناً، استقلال هذه الوحدات بعضها عن بعض، ومع فقدان المؤسسات السياسية الجامعة بينها، وعدم اعتراف الواحدة منها بسلطة من خارج القبيلة. ومن جهة أخرى، كان اعتماد تربية الابل وسيلة رئيسة للعيش والانتاج لدى غالبية القبائل، إضافة إلى كون بعضها يعتمد الزراعة حيثما تتوفر أسبابها الطبيعية، كما في اليمن وحضرموت وسواحل عمان وبعض مدن الحجاز الطائف يثرب وما حولها، وكما في اليمامة والواحات. لذلك كان طابع الترحل الملازم للحياة البدوية هو الغالب وطابع الاستقرار الملازم للحياة الزراعية هو الأقل. هذه اللوحة سنرى في ما بعد ان عوامل جديدة ستحدث فيها تغییرات تؤدي إلى تفكيك نسبي في نظامها ولكن هذه التغييرات لا تنفي الطابع الأساس للمرحلة التاريخية ككل.
أما قبل القرنين الخامس والسادس فان المعطيات المتوفرة للباحثين والأثاريين والمؤرخين في العصور الأخيرة ) ، تقدم دلائل لا تدع مجالاً للشكل في أن أقساماً من شبه الجزيرة (الأقسام الجنوبية بالأخص عرفت مستويات متقدمة نسبياً من تطور الزراعة والري الاصطناعي والمنشآت المعمارية والمؤسسات السياسية (الدولة) وشكل تقسيم العمل انقسام السكان إلى زراع ومربي ماشية وصناع حرفيين. وقد شهد القرن الخامس بقايا من هذه الظاهرات في حالات التدهور .. ويبدو أن انغلز كان قد ظفر، في منتصف القرن التاسع عشر ببعض تلك المعطيات حين قال في رسالته إلى ماركس المؤرخة في 24 مايو (1853): «يبدو أن العرب، حيثما وجدوا وجوداً حضارياً في الجنوب الغربي، كانوا شعباً متمدناً على نحو ما كان المصريون والأشوريون الخ. تدل على ذلك منشآتهم المعمارية."
تحميل الجزء الأول