كتاب التاريخ المفتت - من الحوليات إلى التاريخ الجديد للمؤلف فرانسوا دوس أونلاين بصيغة PDF.
معلومات عن الكتاب :
عنوان الكتاب : التاريخ المفتت - من الحوليات إلى التاريخ الجديد.
المؤلف : فرانسوا دوس.
ترجمة : د.محمد الطاهر المنصوري.
الناشر : المنظمة العربية للترجمة.
عدد الصفحات : 431.
حجم الكتاب : 9.3 ميجا بايت.
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من الكتاب :
"1 - الأنثروبولوجيا التاريخية
استفاد رواج البنيوية، رغم المواجهة البروديلية من ظرف ملائم : تحرر المستعمرات. اكتشف الضمير الإثنولوجي الأهمية التي تمثلها الحضارات الأخرى. كان الاهتمام آنذاك بما يمثل قوة المقاومة لدى هذه المجتمعات وبتواصل بناها وقيمها التي تبدو صامدة أمام النموذج الغربي. إنه اكتشاف الآخر في المجال القائم كمثال لحقيقة إنسانية تبين نسبية النزعة الأوروبية المركزية. أصبح الغرب يشعر بأنه لا يصنع تاريخ الإنسانية وإنما تاريخ إنسانية معينة. في العالم الثالث الذي يرفض هذا التاريخ في صراع غالباً ما كان جذرياً، كان المثقفون الغربيون تراودهم الرغبة هم أيضاً بإلقاء ماضي شعوبهم في البحر والقيام بنظرة مكانية حول العالم أكثر منها زمنية. إن مثل هذا الانقلاب، يعزز الخطاب الأنثروبولوجي والإثنولوجي والبنيوي. رجع علماء الإثنولوجيا إلى فرنسا واكتشفوا المستعمرات الداخلية للعالم الغربي حواجز صامدة في وجه التغيير السلبية تؤدي إلى الصمت وإلى العجز على هذا الإيقاع الزمني يموت الماضي ولا يعود يذكر إلا ليعاد دفنه من جديد أو يُشعَر حياله بحنين غامض.
هكذا سيبحث المؤرخون في المكان وفي الحاضر عن بقايا وآثار ماض دائم الحضور. ونكتشف الغريبيب قريباً منا، وبيننا، كما بين ذلك تحقيق أندريه بورغيار في منطقة بلوزيفيه (Plozévet) حيث تعرّض السكان البريتانيون المحليون لموجات الباحثين من مختلف العلوم الإنسانية يتنازعون بقايا تاريخهم وآثارهم. نجد هنا نقطة انطلاق موجة الذاكرة الشعبية من الزواج الـوهـمـي بـيـن الأم دونیس (mère Denis) وآلة الغسيل.
نجح الخطاب الأنثروبولوجي حول إعادة إنتاج البنى وحول الثوابت الفاعلة في المجتمعات الباردة في التأقلم مع مناخ الغرب المعتدل، ولم يعد مجبراً على تحديد موقعه في مستوى المناطق المدارية ازداد توجه البحوث نحو المعوقات ونحو مراحل التوازن في المجتمع انطلاقاً من السبعينيات عندما بدأ الازدهار والنمو يتراجع ولمدة طويلة، تاركاً مكانه لأزمة عالمية عميقة بشكل خاص دفعت بالعالم الصناعي نحو الركود والبطالة والتضخم المالي. اكتشف الغرب المفاتن الخفية للزمن القديم والعصر الذهبي المفقود، والزمن الجميل الذي يجب أن يستعاد. وهذا الزمن المستعاد هو الذي تكفل المؤرخون بإعادة إنتاجه باستعارة أدوات تحليل وقواعد علماء الإثنولوجيا. أصبح المكبوت حاملاً لمعنى. كل شيء أصبح محل فضول لدى المؤرخ الذي نقل نظره إلى الهوامش وإلى عكس القيم المعلنة وإلى المجانين والساحرات والمنحرفين ... وانغلق أفق المؤرخ على حاضر جامد ولم يعد هناك صيرورة: «هناك علامة تبدو مشجعة . .. إنها نهاية التقدمية».
ضاعفت فكرة أزمة التقدم إحياء ثقافات ما قبل التصنيع، فانغمس التاريخ الجديد في البحث عن التقاليد وأعطى قيمة للزمن الذي يتكرر وجولات الأفراد ودوراتهم المتكررة. يتم هذا البحث بصورة أكثر شخصية وأكثر محلية نظراً لانعدام مشروع جماعي. ويتم فيه إهمال الأزمنة القوية واللحظات الإرادية للتغيير من أجل الذاكرة اليومية للناس البسطاء وهو ما أدّى إلى عودة رومانسية جديدة تذكر بالقيم الجمالية لبداية القرن التاسع عشر، العصر الذي أعاد فيه شاتوبريان (Chateaubriand) وبروسبر ميريميه (Prosper Mérimée) وأغسطين تييري (Augustin Thierry) الاعتبار للعالم الوسيط وأسلوب شعراء التروبادور» (الجوّالين). واليوم مازالت مرجعية العصور الوسطى تدرّ أموالاً هامة لذلك تعددت سلاسل الكتب المنشورة من أجل استعادة النصوص القديمة المتعلقة بهذه الفترة بأصالتها. كذلك حالياً، تأخذ طبوغرافيا جمالية جديدة موقعها سواء كان الحديث عن قرية أو عن النساء أو المهاجرين أو الهامشيين. إن جيل الحوليات الثالث، وهو حساس كسابقيه تجاه التساؤلات حول الحاضر، حوّل وجهة خطابه بتطوير أنثروبولوجيا تاريخية. وكجواب على تحدي الأنثروبولوجيا البنيوية، ارتدى مرة أخرى مؤرخو الحوليات لباس خصومهم الأكثر جدية وعبروا عن مواقعهم المهيمنة. والثمن الذي يجب دفعه مقابل هذا التحول هو التخلي عن المجالات الاقتصادية البروديلية الكبرى، وارتداد الاجتماعي على ما هو رمزي وثقافي. وولد تاریخ جدید سماه دانیال روش (Daniel Roche) التاريخ الاجتماعي الثقافي». فعرف التنظيم الداخلي لمجلة الحوليات آنذاك تغييراً هاماً، إذ بعد إدارة فردية طبعت المجلة منذ بداياتها، حل مكانها إدارة جماعية عام 1969 فقد تخلى مديرا الجيل الثاني، فرناند برودیل و شارل مورازيه عن السلطة لمجلس مكون من أندريه بورغيار ومارك فيرو وجاك لوغوف وإيمانويل لوروا لادوري وجاك ريفيل، مع بقائهما في مجلس الادارة. أتبع تهميش الخطاب البروديلي بإزاحة الرجل عن مستوى السلطة رغم التكريم الإجماعي الذي كان يحظى به، فهذا التاريخ الاجتماعي الثقافي ليس سوى تاريخ وقد استعار ثوب الإثنولوجيا وهو ما لكلود ليفي ستراوس بالملاحظة التالية : لدي شعور بأننا نقوم بالعمل نفسه، فكتاب التاريخ الكبير هو محاولة إثنوغرافية حول المجتمعات الماضية . . . » ساهم هذا التاريخ الإثنوغرافي أو الأنثروبولوجيا التاريخية في زيادة إبطاء حركة الديمومة التي درسها فرناند بروديل حول زمن المكان، فالزمن هنا هو زمن إنساني تماماً ولكنه شبيه بثباته بالتطور الجيولوجي. تخلصت المقاربة الإثنولوجية من اندفاع الحدث لصالح الثبات أي الرزنامة المتكررة للملحمة اليومية لإنسانية انحصرت نبضاتها في الأحداث البيولوجية أو العائلية لوجودها : الولادة، العماد الزواج، الموت. أصبح المؤرخ الحولياتي مختصاً في زمن ثابت في حاضر لا يتحرك، يسيطر عليه الرعب أمام مستقبل مجهول، فهو نبراس في مجتمع مصاب بالقلق يبحث عن حقائق تعيده إلى الماضي كما لو أنه دين جديد.
يمكن أن نرى كذلك في هذا الاصطباغ الإثنولوجي للخطاب التاريخي خلال السبعينيات رداً على أيار / مايو 1968، ورغبة في التخلص من الخطر، والحدث القطيعة الذي يمكن أن يكون سبباً في الانقلابات، ولكن هو احتواء أيضاً لمواضيع الرفض لدى مجتمع استهلاكي نسائله من خلال المادية الحسية لماضيه. وكما كتب جاك لوغوف : يبدو لي أن هذا النجاح للتاريخ لدى الطلبة ناتج خاصة عن صدمة خيبة أمل ما بعد أيار / مايو 1968. حاول البعض سنة 1968 وبعدها، أن يصنعوا التاريخ ولكنهم فشلوا بشكل ما. وفي الحال أصبحت هناك حاجة لفهم أوضح لكيفية صنع التاريخ. والقصد من ذلك هو معرفة كيف يمكن التأثير في مجرى الأحداث. الفهم من أجل التغيير. بما أنه لم تتسنّ صناعة التاريخ : فلندرس التاريخ. ومن هنا كان اللقاء مع كليو وهي ملهمة تأخذ شكل شبح يخيم على عقول عالمنا الحديث ..."
تحميل الكتاب :
