كتاب إفريقيا - 3 أجزاء - للمؤلف مارمول كرفجال - أونلاين بصيغة إلكترونية ONLINE PDF
معلومات عن الكتاب :
العنوان : إفريقيا.
عدد الأجزاء : 3.
المؤلف : مارمول كرفجال.
ترجمة : محمد حجي، محمد زنيبر، محمد الأخضر، أحمد التوفيق وأحمد بنجلون.
الناشر : مكتبة المعارف.
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من الكتاب :
"نهاية حكم بني وطاس وبداية عهد الشرفاء ومختصر ما وقع من أحداث في تلك الحقبة من الزمان
كان في المغرب، في هذه الفترة من الزمان عدة أمراء، يتقاسمون السيادة ذلك ما جعل الكثير من الحواضر تنفرد باستقلالها، ولم يكن حينئذ لملوك بني وطاس ما يلزم من السلطة لبسط نفوذهم على مجموع تراب موريطانيا الطنجية.
ظل مانويل، ملك البرتغال، مصمّما على نشر العقيدة المسيحية، وتوسيع حدود مملكته، فراح يواصل الحروب التي كان يشنها سلفه، ولم يكتف باحتلال الثغور المغربية، بل طفق يحصنها ويشيّد القلاع، فكانت قواته تحتل سبتة وطنجة وأصيلا والقصر الصغير والعرائش وأزمور والجديدة وأسفي وأكدير وقلعة أكوز، أما الحديث عن هذه الغزوات، فسيأتي في الوقت المناسب.
كانت الحاميات الرتغالية هائلة، ولم يستطع أي أحد الأمراء من المتحكمين في المغرب، من أن ينال منها أو يتغلب عليها، وكان مانويل وحده، مثارا للخوف، وبات جيشه يضم، زيادة على الوحدات المسيحية، ستة عشر ألف فارس وأكثر مائة ألف من من المشاة، كلهم من العناصر العربية أو البربرية، كانوا يخوضون تحت لوائه، القتال ضد أعدائه العرب وسيأتي وصف هذه المعارك في حينه.
ظهر في وادي درعة، وبالأخص في زاوية تكمدارت، شيخ له باع طويل في العلم وخبرة واسعة بشؤون الدين والدنيا، يدعى محمد بن أحمد، أو الشريف الحسني، والذي يزعم أنه سليل النبي محمد، وزعم فريق من الناس أنه سليل أبي الحاجكس (؟) الذي ثار على السلطة في القيروان، في حين ذهب آخرون الى أنه من أحفاد الشريف الذي اغتال بفاس آخر ملوك بني مرين.
صار شريف درعة ينهج نهج أسلافه الذين اكتسبوا الشهرة والمجد، وعلا شأنهم بين الناس بما حققوه من مأثورات دينية وبما ادعوه لأنفسهم من قداسة وشرف، فكانت حروب البرتغال في المغرب، وعجز الملوك فيه عن وضع حد لشوكتهم، مدعاة ليقوم أبو عبد الله محمد بوضع اللبنات الأولى لامبراطورية سيتم انجازها على يد أبنائه.
كان لأبي عبد الله محمد ثلاثة أولاد وهم عبدالكبير وأحمد ) ومحمد، بعثهم لأداء فريضة الحج وليتعرف عليهم أهل الحجاز، ولما رجعوا من الحرمين، أشاعوا بين الناس أنهم ينذرون أنفسهم للرحمن، فاعترف لهم البرابرة وغيرهم بالشرف، وكانوا ينتقلون وهم يذكرون اسم الله، خاشعة قلوبهم، لا يسعون الى مال ولا جاه، ولا يرغبون في العيش الا الصدقات، فكان الناس يتقاطرون من عليهم أينما حلوا وارتحلوا، للتبرك بطلعتهم ولتقبيل ملابسهم.
كانوا في المكر خبراء، وباللسان فصحاء، فأقنعوا الناس بأنهم شرفاء من سلالة النبي محمد، وأنهم حسنيون بالضبط. ثم لم يلبثوا الا أياما حتى التحقوا بأبيهم الذي كان يرابط بزاوية تكمادارت، وهي المعروفة بزاوية الشرفاء.
كان الأخوان أحمد ومحمد، متفوقين على أخيهم الأكبر في المعرفة والعلم، والفصاحة، والرجاحة فأرسلهما أبوهما الى فاس، وترتب أحمد في مجلس القرويين لتدريس العلم، وتقرب محمد الى السلطان مولاي الشيخ » فعينه مؤدبا لأولاده.
تلكم هي الظروف التي جعلت الأخوين يستوطنان فاس، فمال الناس الى حبهما واكتسبا جاها وشهرة في المدينة بفضل علمهما الواسع. كانت لأبيهما أفكار سامية ومقاصد خفية، فأعمل فيها مكره. أثار ذات يوم انتباه ولديه الى المتاعب التي يتسبب فيها للمغرب تألب العرب والبرابرة على السلطة، بمساندة من ملك البرتغال، ثم دعاهما الى استئذان ملك فاس، في التنقل عبر البلاد، حاملين طبلا ولواء، ليحضا الناس على الجهاد ضد النصارى، دفاعا عن الشريعة الاسلامية، وبين لهما أن لا أحد أولى منهما بالقيام بهذا الدور، وهما من طينة الشرفاء.
عرض الاخوان على الملك محمد البرتغالي فكرة الجهاد في سبيل الله، لتأمين سلامة مناطق سوس وحاحا ودكالة وتامسنا، وطلبا منه أن ينتدبهما لهذه المهمة، فاستحسن الملك رأيهما، لكن أخاه مولاي ناصر الذي كان له اطلاع كبير على تواريخ قطره وعوائد مواطينه وأخلاقهم وطبائعهم، نصحه بالاعراض عن هذا الرأي وحذره مما يتظاهر به الاخوان من الصفات، ومما قد يبيتانه من دسائس للدولة، وما مثل الادارسة والمغراويين والمرابطين والموحدين، بخاف على الناس.
لكن الملك لم يحفل بتحذير أخيه، معتبرا أنه لن يخشى منهما سوءا ما دام نفوذه منعدما في الجهات التي سيئومانها، واعتبارا لما لهما من تقدير وما يحظيان به من جاه لدى رعاياه. نزل محمد البرتغالي عند رغبتهما وأمر لهما بعشرين فارسا لمرافقتهما ثم زوّدهما بالمال والمؤونة وبرسائل توصية لدى أصدقائه من العرب والبربر.
حل الاخوان بدكالة. هنالك اجتمع الناس حولهما وأقاموا المحافل تكريما لهما، فنادوا بوجوب الجهاد، لطرد النصارى الغزاة، ومن ثم زحف موكبهما الى حدود أسفي وخطبا في المحافل، فتحركت مشاعر الناس، وراح سكان البوادي والمداشر يغدقون عليهما العطاء، لكن لم يكن الاخوان يرغبان في الثروة بقدر ما كانت لهما رغبة في المجد، ثم شدّ الاخوان الرحال إلى سوس وقد انضم الى موكبهما في الطريق، جمهور من الفقهاء والاصدقاء والأقارب، فتضخّم الموكب، وكان الاخوان يعظان الجماهير ويستنفرانهم لاجلاء النصارى من ربوع البلاد، وشاع في المغرب أن الجالس على العرش بفاس، انتدبهما لقيادة الجهاد، فبايعهما العديد من الناس، والتحق بصفوفهما الاعداد من العرب والبربر، الذين لم يكونوا منضوين تحت لواء أي سلطة، فمضوا يشنون الغارات على القبائل العربية المتحالفة مع البرتغال.
فكر الشريفان في القيام بعمليات حربية، وعرضا على القوم ما يعترض ذلك من مشاكل، فأسرع الناس الى امدادهما بزكواتهم وأعشارهم، بعدما أمسكوا عن دفعهما، وهم يحيون أحرارا مستقلين، نظرا لانعدام وجود السلطة المركزية في أوساطهم. وكان أهل درعة هم الذين بادروا الى تمويل مشاريعهما بالزكوات.
كادت ترودانت خالية من السكان نظرا لعمليات النهب التي كانت تمارسها فيها قبائل العرب، ولم تكن فيها سلطة نظامية، ولم يكن في المنطقة لبني وطاس أي شأن، فوجدها الشريفان لقمة سائغة، فاستوليا على المدينة وحصناها ثم استوليا على تيدسي، الواقعة في أرباضها.
بايع سكان ترودانت وتيدسي، الشيخ الشريف أبا عبد الله محمد القائم بامر الله، وقدموا له زكواتهم لتهيء جيش يتألف من خمسمائة فارس مهمته الجهاد ضد النصارى المحتلين لأكدير.
أصبح للشريف شأن يذكر وأخذ يحظى بالاحترام في هذه المناطق، ولما استقر بترودانت، دعا لتشييد قصر على بعد فرسخ ونصف منها، فأوى اليه، ليكون أمره مسموعا مطاعا بين اهل سوس كما كان الشأن لبنى مرين من قبل. وفعلا كانت كافة فئات السكان تخشاه الاغنياء منهم والفقراء، فاستتب أمره بينهم لا من الناحية الدينية فحسب، بل وحتى من الناحية الدنيوية، لان قصده لامن كان هو الجهاد ضد النصارى وتحرير البلد من قبضتهم."
تحميل الجزء الأول
