لمحات من تاريخ المغرب لمحات من تاريخ المغرب

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

كتاب التراث والتاريخ pdf تأليف د. شوقي جلال




معلومات عن الكتاب :


إسم الكتاب : التراث والتاريخ.


تأليف : د. شوقي جلال.


الناشر : مؤسسة هنداوي.


صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).







مقتطف من الكتاب :


"التراث وخلفية تاريخية لا بدَّ منها


الاهتمام بمبحث التراث الثقافي جاء وليد ثورة جديدة في نظرية المعرفة؛ إذ اقتضت الإنجازات العلمية في النصف الثاني من القرن ١٩، ومطلع العشرين تحولًا كيفيًّا في إطار المعرفة العلمية الموروث عن عصر النهضة، مما استتبع تغيرًا جذريًّا في نظرة الإنسان إلى نفسه وإلى المجتمع والكون. كانت نهاية القرن ١٩ ومستهل العشرين، فترة أزمة معرفية في مجال العلوم الطبيعية والإنسانية، ولخَّص الأزمةَ سؤال احتلَّ بؤرة الاهتمام الفلسفي: ما هي الحقيقة العلمية؟ أو هل هناك حقيقة علمية؟


وتهيأت عناصر وأسس للخروج من الأزمة وصياغة إطار معرفي جديد، هذه العناصر هي: النزعة التطورية وتاريخية الوعي والنسبية، وعلاقة التفاعل بين واقع المجتمع والحياة والطبيعة، مع التفاعل المتبادل بينها جميعًا، أي الحركة في الزمان أو التاريخ، ومن ثم نفي الثبات أو المطلق. وترتَّب على هذا القول أن الفكر أو الوعي الإنساني حدَث تاريخي، يجري في بُعدَي الزمان والمكان، ونقطة انطلاقه ليست خارج الظروف الحافزة والمكيِّفة له، وهو الواقع، وأن الذات العارفة جزء من نسيج الموضوع الذي نعرفه، وأن لا وجود لتراث ثقافي في المطلق خارج شروط تكوُّنِه في التاريخ، أي في الزمان والمكان، والمكان أو المجتمع ليس محايدًا في فعاليته، وليس حدثًا مكتملًا.


وأسهمت تطورات علم تاريخ المجتمعات وتاريخ الفكر في الكشف عن دور الفكر الموروث، وعن تلاحم الفكر والإنسان والمجتمع؟ أو اللغة والفكر والتاريخ، والتفاعل الدينامي بينها، واتجه البحث للإجابة عن تساؤلات يطرحها هذا المنظور، مثل: ما هو دور الفكر الذي اختزَنَته الذاكرة الجمعية في حياة المجتمع؟ وكيف يتكوَّن هذا الرصيد؟ وهل هو رصيد معرفي فعَّال؟ وما هي حركته في التاريخ وفي المجتمع؟ وما هو دوره في تحديد أوجه التمايُز بين المجتمعات أو الخصوصيات المميزة لما يُسمى الشخصية القومية؟ وإذا كان الفكر تاريخًا، فما هي قوانين حركته؟


وعبَّر عن هذا النهج الجديد مبحث سوسيولوجيا المعرفة، وهو مبحث تحددت معالمه مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين.


والدرس المستفاد أن الأزمة التي يعيشها الإنسان والمجتمع مع العالم عبر دورات التطور الحضاري لا بد أن تُثير الشك في أدوات المعرفة المتاحة ومحتوى المعرفة، أي في الإطار الفكري أو الإبستيم Episteme الذي يتعامل المجتمع من خلاله مع العالم. وهذا الإبستيم صياغة تاريخية تنطوي على قِيَم ومعارف، هي تراث، أو صفحة من صفحات التراث المتوالية والمتغيرة مع الزمان، هي الدوافع الجمعية اللاشعورية والشعورية معًا، والتي تحدد وتحكم التفكير الاجتماعي، ومن ثم السلوك والتوجهات، كما أن نشوء وتكوُّن هذا الإطار له ظروفه الحاكمة سلبًا وإيجابًا.


وتوضح سوسيولوجيا المعرفة أن حركة الفكر الاجتماعي هي حركة شاملة الموضوع المعروف، والذات العارفة في تواكُب، ولا تكون هذه الحركة إلَّا من خلال الاحتكاك والصراع ومواجهة التحديات ليصب هذا كله في صورة منظومة معرفية شاملة وموجزة لقيم انتصارات المجتمع أو هزائمه؛ ولذا فإن فهم فكر المجتمع يتأتَّى لنا في ضوء تاريخ حركة الفكر وقيمه النابعة من تحدياته، والمناخ السياسي والاجتماعي الذي أحاط به على مدى العصور، ثم تجسد كل هذا فيما يُسمى التراث.


وحسب هذا الفهم، يغدو التراث الثقافي بنية تاريخية فاعلة دينامية متغيرة، إمَّا إلى مزيد من الثراء، بفضل الإنتاجية الإبداعية للمجتمع، وإمَّا إلى تدهور وانحطاط، بسبب تعطل هذه الإنتاجية وركود المجتمع. وهذه حقيقة عبَّر عنها بعبقرية ملهمة، العلَّامة ابن خلدون؛ إذ قال: «حيث لا يتقدم العلم ولا تتقدم المعرفة؛ فإنهما يتراجعان حكمًا.»


وأفادت علوم نظرية وتطبيقية عديدة بضرورة التزام النهج التاريخي لفهم الظاهرة. ظاهرة المعرفة الإنسانية، شعورية ولا شعورية، من حيث إنه تاريخ نشوء وتكوين، له فاعلية في تحديد رؤية الإنسان وسلوكه. ويؤكد هذا المنهج أن السبيل إلى فهم أعمق لفكر المجتمع، أي تراثه الثقافي، أن نعرف تاريخه وصراعاته ومواقفه والسياق الذي يجري فيه، أو كما يقول كارل مانهايم: «إن كل معنًى يتعين فهمه في ضوء تاريخ نشأته وتكوينه، وفي السياق الأصلي للخبرة المعيشة التي تُشكل خلفيته، وفي السياق الجمعي.»


في ضوء ما سبق، يرى أصحاب هذا المنهج أن التراث الثقافي متصل اجتماعي زماني متعدد، وأن تاريخ التراث مجموعة متواكبة ومتلاحقة من العصور، ومتراتبة ومتراكبة كطبقات الأرض في تاريخها أحقابًا جيولوجية؛ ولهذا فإن باحث التراث هو أركيولوجي، أو عالم حفريات في فكر وتراث المجتمع، هو ذلك الذي يستطيع التوصل إلى العصور الغابرة، من خلال الحفر والتعرية. إزاحة الركام واكتشاف الطبقات العميقة للحقيقة التاريخية، دون الأسطورة الشائعة اجتماعيًّا، يعني التفكيك وتعرية آليات الفكر الذي ولَّد النظريات المختلفة، والتشكيلات الأيديولوجية المتنوعة، والتركيبة الخيالية، والأنظمة الإيمانية والمعرفية. إنه بحث نشوء وتطور الفكر المجتمعي وآليات حركة التطور، وما ترتَّب عنها من إسقاط وبروز على السطح، ثم فرز ما خفِيَ ونشرُه على طاولة التحليل لمعرفة كيف يمارس التراث دوره ضمن البنية العامة للفكر.


إذ ليس هناك إِطار أو بِنية عامة للفكر المجتمعي مقطوعة الصلة بالماضي أو بالواقع؛ إذ إن هذه البنية وجود في إطار الزمان والمكان، إنها في إطار الزمان ما فرضه الزمان، أي الأجيال السابقة، وهي على هذا سُنة الآباء الأولين وأخلاقهم وتقاليدهم وقيمهم التي لا بد لنا من وضعها برمتها، حيث إنها وليدة شروط وجودية مختلفة وزمان مغاير، موضع البحث والنقد والتقييم، وأن يأتي بحثنا لها في ضوء الاكتشافات الحديثة لماهية الطبيعة والإنسان والمجتمع والتاريخ.


والتراث معنًى شامل لكل ما هو موروث من قيم وتقاليد ورؤًى من طبقات متراكبة. وهذا لا يعني أنه ينتمي إلى الماضي فقط، أي إنه ليس حدثًا ماضيًا، بل إنه متصل ثقافي معرفي، إنه حيٌّ اليوم مَعيش، حال فينا، نفَّاذ بين مسارب حياة العصر المؤثِّرة على الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والروحية. ولكن السؤال: أي تراث وعلى أي نحو يحكم السياق التاريخي؟ ولا ينفي هذا أيضًا ازدهار التراث الثقافي بفعل الاحتكاك وعمليات التخصيب المتبادل من خلال التفاعل مع الثقافات الأخرى، ولكن ما موقع قوة الفعالية الإبداعية؟ وحيث إن التراث الثقافي إنتاج إبداعي، لا إرث راكد، وحيث إنه فعالية متبادلة ومطَّردة، بحيث تكون هناك دائمًا إضافة جديدة تُضاف وتدخل دائرة الانتماء إلى التراث، فإن الأزمة هي في جوهرها تلك القطيعة التي يُعاني منها مجتمع ما حين يتوقف أو يكفُّ عن الإنتاج الإبداعي. هنا تحدث القطيعة بين المجتمع وبين تراثه الذي يُعاني من تدهورٍ يزداد تفاقمًا مع امتداد القطيعة التي تتضاعف وتقترن بالضرورة بقطيعة أخرى مع حداثة أي عصر."


رابط تحميل الكتاب


عن الكاتب

كاتب التاريخ المغربي

التعليقات


اتصل بنا

نحرص دائما على عدم انتهاك حقوق الملكية الفكرية، لذا يحق للمؤلفين ودور النشر المطالبة بحذف رابط تحميل لكتاب من الموقع. إذا وجدت كتاب ملك لك ولا توافق على نشر رابط تحميل الكتاب أو لديك اقتراح أو شكوى راسلنا من خلال صفحة اتصل بنا، أو عبر البريد الإلكتروني: lamahat.histoirmaroc@gmail.com

جميع حقوق الكتب والدراسات تابعة لمؤلفيها من حيث الطباعة والنشر والخصوصية

لمحات من تاريخ المغرب