تحميل وتصفح كتاب من الشاي إلى الأتاي: العادة والتاريخ تأليف عبد الأحد السبتي وعبد الرحمان لخصاصي - أونلاين بصيغة إلكترونية online PDF
معلومات عن الكتاب :
إسم الكتاب : من الشاي إلى الأتاي: العادة والتاريخ.
تأليف : عبد الأحد السبتي وعبد الرحمان لخصاصي.
الناشر : كلية الآداب والعلوم الانسانية - الرباط.
الطبعة الأولى : سنة 1999م - مطبعة النجاح الجديدة - الدار البيضاء.
عدد الصفحات : 486.
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
Ebook download PDF
مقتطف من الكتاب :
"[ طقس الأتاي بفاس ]
أقامت السيدة زیط گینودو (Zette Guinaudeau بالمغرب منذ سنة 1929م، حيث رافقت زوجها الدكتور پول كينودو الذي كان أول متخصص في طب العيون بمدينة فاس. وتوفيت في مارس 1997 بفرنسا. وقد نشرت سنة 1957 مرجعاً هاماً حول الطبخ الفاسي، ومنه اقتطفنا هذه الصفحات.
دخلت ياسمينة بتنورتها المشمرة فوق سراويلها الفضفاضة، وأردافـهـا الملفوفة في «الفوطة»، وأذنها المزينة بوردة حمراء، وفي يديها الحلويات المغطاة بثوب شفاف كأنها باقات ورد، وعلب الشاي والسكر المرصعة، والحويض الذي يُطل منه النعناع كأنه قُربان معطر. وبذراعيها المفتوحتين وصدرها المنحني قدمت للضيف المشهود له بالحظوة، والذي يحرص رب البيت على تشريفه، صينية المعدن الأنجليزي المرصعة، المحملة بكؤوس من البلور الملون وأكواب من الخزف المزخرف.
آنذاك أحضر البابور، وكأنه آلة بخارية ثقيلة. فانبعث منه البخار... حينئذ أمكن إقامة الشاي، حيث يسود الصمت، وتتجه أنظار الجميع نحو المشهد المعتاد.
لقد حاولت أن ألتقط لكم هذا السر الذي يملكه كل طفل بفاس منذ لحظة الولادة.. وهو فن إقامة الشاي (... ).
.
إن إقامة الأتاي بمثابة موهبة من الله، والموهبة لا تكتسب، إنما تصقل مع الممارسة. ولا توجد مقادير أو قاعدة محددة لتحضير الأتاي، إذ لا يكون لكأسين اثنين نفس المذاق. وتتنوع أصناف أوراق الشاي بشكل لا جد له. فقبل الحرب الأخيرة، سمعت بوجود أكثر من ستين نوعا. ثم هناك مقدار النعناع ومصدره. ولكل هذه العناصر دور في هذا المنقوع الذي يقيس كل واحد عطره بواسطة الحليمات وحاسة الشم. سوف يلقنكم الوصف التالي طريقة تحضير منقوع الشاي المعطر بالنعناع. إنه في اعتقادي مشروب جيد، ولا أدعي قط أنني توصلت إلى الضبط الأمثل لمقادير المواد المستعملة، حيث يأتي عطر النعناع فيضيف طراوته ونكهته لمرارة الأتاي وحلاوة السكر المفرطة...
يقام البراد الأول بدون نعناع، عند عشاق الأتاي الحقيقيين، وعند أولئك الذين يتوفرون على الأنواع المشهورة. وتتراجع قاعدة البراريد الثلاثة المتتالية، بسبب ارتفاع ثمن الأتاي والسكر.
في المقادير التي سوف أقدمها فيما يلي، سوف أحيل على البراد الذي يحوي ثلاثة أرباع الليتر الواحد، وهو براد يمكنكم من تقديم المشروب لعشرة أشخاص.
التحضير : لنأخذ برادا يحوي ثلاثة أرباع ليتر ينبغي أن يبل بالماء الساخن، ثم يوضع فيه مقدار ملعقة حساء ونصف من الأتاي الجيد، ثم يصب كأس ونصف من الماء المغلى، ويشلل» الأتاي بسرعة، بواسطة حركة دائرية، ثم يفرغ هذا الماء الذي يزيل الغبار وجزءا من المرارة. ثم تؤخذ كمشة من النعناع، بما فيه الأوراق والسيقان، وحوالي مائة وخمسون غرام من السكر. ثم يملأ البراد بالماء المغلى، وذلك من مفتاح البابور.
دعوا البراد لينقع مدة سبع أو ثمان دقائق، ثم حركوا بملعقة، ثم ذوقوا قدرا قليلا في كأس، ثم أضيفوا السكر إذا اقتضت الضرورة. وتأكدوا من أن النعناع لا يطفو على سطح البراد، لأن من شأن ذلك أن يسيء إلى مذاق المشروب.
إذا كنتم تقيمون حفلة استقبال، ينبغي أن تتجنبوا دائما تحضير براد واحد، بل من الأفضل أن تستعملوا برادين اثنين وتقيسوا مقاديرهما بنفس الطريقة، وتصبوا الشاي منهما ومن أعلى في الكأس الواحد. إنه مجهود إضافي، لكن حاولوا أن تتمرنوا على هذه الحركة لأنها تمنحكم قدرا كبيرا من الرشاقة.
تعودت بعض العائلات أن لا تضيف النعناع إلى الشاي في هذا المنقوع الأول. وليس من اللازم أن «يشلل » الشاي.
البراد الثاني : هاهم ضيوفكم يتذوقون الشاي الذي حضر في البراد الأول، في نفس الوقت الذي سوف تعكفون فيه على تحضير المنقوع الثاني. اتركوا الشاي والنعناع داخل البراد، وأضيفوا إليهما مقدار ملعقة قهوة ونصف من الشاي وبضع ورقات من النعناع ومائة وخمسين غرام من السكر. ثم صبوا الماء المغلى. وضعوا البراد فوق أنبوب البابور، أو على جمرات الكانون، ودعوا المزيج ينقع. وانتظروا حتى يصعد النعناع إلى السطح. ثم حركوا، ودعوا المزيج ينقع من جديد. وذوقوا، فإذا وجدتم أن المشروب لا يناسبكم، أضيفوا السكر من جديد.
سوف تفرغ ياسمينة [ الخادمة السوداء ] في كؤوس كافة الحاضرين هذا الشاي الذي عادة ما يكون معطرا أكثر بالنعناع، ويكون لونه أكثر سوادا.
البراد الثالث : اتبعوا نفس الطريقة. ويمكنكم أن تستعملوا الشيبة بدل النعناع. وعند شرب هذا المنقوع، تنطلق الألسنة أخيرا، وتزداد وتيرة الحديث و تبادل الأخبار.
لقد رغبت في أن أرسم لكم مشهد اللحظة التي تلي جلسة الطعام حيث يحتل طقس «إقامة الأتاي موقع المركز الذي يدور حوله جو البيت بكامله. لكن لا تنسوا أن هذا المشروب الشديد الحلاوة، يشكل عماد تغذية المغاربة وزادهم الأساسي من الطاقة.
يُشرب الشاي في كل وقت من اليوم، كيفما كان نوع المبرر، بحيث لا يحد من استهلاكه سوی ارتفاع ثمنه.
في الورش، عندما يستريح العامل في منتصف النهار، فإنه يكتفي بالخبز والزيتون، لكنه سوف يغلي الماء فوق بضع حجيرات. وبحركات مضبوطة، سوف يأخذ خرقة، ويخرج منها اللوازم الضرورية لتحضير مشروبه المفضل : شيء من الشاي، وقطع كبيرة من السكر، وأوراق من الشيبة إذا ما تعذر النعناع. ثم يجلس العامل بلباسه المهترئ على الأرض، ويتذوق أخيرا هذا المشروب الممتع الذي سوف يشعره، خلال بضع دقائق، بأنه يتساوى مع البورجوازي الكبير. وعند ما يعود العامل إلى بيته في المساء، سوف تكون وجبة العشاء على بساطتها، تمهيدا للحظة الراحة، حيث تجتمع الأسرة في نهاية اليوم وترتشف الشاي المغلى، بصوت مرتفع، وهي تتبادل أخبار اليوم، وتتحدث عن آمالها، وعن مستجدات السياسة. وبعدما تعطّر نكهة أعضاء الأسرة، وبدون أن يتخلوا عن الكأس الذي يمسكونه بأيديهم، سوف يستسلم الجميع للنوم، صغارا وكبارا، فوق نفس الحصير الذي كانوا يقتعدونه، حالمين بجنة تجري من تحتها أنهار محملة بشاي ذي عطور لم يعهد لها مثيل.
تعود رجل البادية، هو الآخر، على شرب الشاي. إن طعامه غاية في البساطة : خبز من شعير أو ذرة، ومخيض وزبدة طرية، وفاكهة الموسم. لكن الوجبة لا تكتمل إلا إذا رافقها منقوع خفيف من الشاي المحلى بالسكر، والمعطر بقدر كبير من النعناع.
لكن، عندما يستقبلكم الأمازيغي داخل خيمته، ويُخرج من علبه الحديدية المزينة، شايه الذي اشتراه بثمن مرتفع، فإنه سوف يقدم لكم منقوعا قويا جدا، وشديد الحلاوة، وهو مشروب يساعد على هضم الرغيف الكثيف والسمن الحار."
رابط تحميل الكتاب
