كتاب في منهج البحث التاريخي - تأليف د. عادل حسن غنيم ود. جمال محمود حجر - أونلاين بصيغة إلكترونية ONLINE PDF
معلومات عن الكتاب :
إسم الكتاب : في منهج البحث التاريخي.
المؤلف : د. عادل حسن غنيم ود. جمال محمود حجر.
الناشر : دار المعرفة الجامعية.
عدد الصفحات : 249.
حجم الملف 3.7 ميجا بايت
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من الكتاب :
"صفات المؤرخ
هناك صفات أساسية لابد من توفرها فيمن يتصدى لدراسة التاريخ. فمهمة المؤرخ ليست هيئة. ولا يعتبر كل من كتب في التاريخ مؤرخا.
ولعل الصفة الأساسية للمؤرخ أن يكون ذا ثقافة عريضة، ملما بالتيارات المختلفة التى تؤثر فى مجتمعه الصغير وعالمه الكبير، متفهما التفسيرات المدارس التاريخية المختلفة مستفيدا من أهم العلوم المساعدة للتاريخ.
وعلى المؤرخ أن يقرأ بعض النماذج الهامة من انتاج المؤرخين البارزين فى مختلف العصور مثل : كتابات هيرودوت أبو التاريخ (حوالي ٤٨٤ ق ٠ م - حوالى ٤٢٥ ق.م )، و « تاريخ الرسل والملوك واخبارهم » للطبري ( ۸۳۸ - ۹۲۳ م ( عميد المؤرخين المسلمين الذي أصبح التاريخ على يديه مستقلا عن الحديث والتفسير، و « العبر وديوان المبتدا والخبر فى أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوى السلطان الاكبر » لابن خلدون ( ۱۳۳۲ ١٤٠٦م ) أحد رواد فلسفة التاريخ وعلم الاجتماع وكتاب « الامير » لمكيافلي ( ١٤٦٩ - ١٥٢٧م ) الذي تأثر به كثير من القادة فى التاريخ الحديث والمعاصر، وكتاب بدائع الزهور فى وقائع الدهور » لابن اياس ( ١٤٤٨ - حوالى ١٥٢٤ )، و ( عجائب الآثار فى التراجم والاخبار » لعبد الرحمن الجبرتى أعظم المؤرخين المصريين فى القرن التاسع عشر ( ١٧٥٤ - ١٨٢٥م )، و ( دراسة فى التاريخ « لارنولد توینبی ( ۱۸۸۹ ١٩٧٥ )، و « تاريخ المفاوضات المصرية البريطانية » لمحمد شفيق غربال ( ١٨٩٤ - ١٩٦١ ) مؤسس مدرسة التاريخ العربي الحديث والمعاصر، والمؤرخ الذى قال عنه توينبى أنه تعلم منه أكثر مما علمه، الى غير ذلك من الكتابات المبدعة التي يمكن أن تساعد الباحث على حسن التاريخ، وتجعل نظرته الى الامور عميقة وشاملة.
ومن صفات المؤرخ أن يكون ذا عقلية منظمة، قادرة على الترتيب والتنسيق والاستفادة مما توفر لديه من مادة تاريخية، وان يكون قادرا على تبين الخط الرئيسى للموضوع والتركيز عليه وان يتجنب اغراق نفسه في التفاصيل او المسائل الفرعية أو الهامشية.
ولابد ان يتوفر فى المؤرخ ملكة النقد، فيكون قادرا على الفحص والمقارنة والاستقراء، أى فهم العلاقات التي تربط بين الظواهر المختلفة ولا يصدق كل ما يقراه او يسمعه، بل عليه تحدى الدقة، واستخدام كل امكاناته الذهنية من أجل تبين صحة الوثيقة او صحة الواقعة، واستخراج النتائج منها.
ومن الصفات التي ينبغى أن يتحلى بها المؤرخ الصبر والتاني وعدم التعجل في اصدار احكامه، وأن يعطى بحثه الوقت الكافي للمناقشة والمقارنة والتحليل والتفسير. وليس محتما أن يذكر كل الحقائق المتصلة بالموضوع الذى يعالجه، وانما عليه أن يذكر ما توصل اليه من نتائج، وأن يحدد النقاط أو المواقف التي لم يستطع أيضاحها أو تفسيرها أو التحقق من صحتها، تاركا لغيره من الباحثين محاولة استكمال ما فاته في هذا الشأن :
وعلى المؤرخ أن يكون دعوبا، وأن يستفيد من كل المصادر التي تفيد بحثه، والا يدخر وسبعا فى محاولة الوصول إليها مهما كلفه ذلك من مشقة وجهد ونفقات، والا يعتمد على بعض المصادر وهو يعلم أن هناك مصادر أخرى قد تفيده فى زيادة تفهمه للموضوع، أو تغيير بعض وجهات نظره. ولعلنا نجد فى رواة احاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المثل الطيب في الداب والبحث عن الحقيقة، فكم تجشموا الصعاب من أجل التاكد من صحة حديث نسب صدوره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما اننا نجد مثلا آخر في أبي الفرج الأصفهاني الذي قيل انه جمع كتابه في خمسين سنة كاملة.
ومن صفات المؤرخ الهامة أن يكون موضوعيا غير متأثر بالعوامل الذاتية، والا يجعل لآرائه الشخصية أو معتقداته الدينية أو اتجاهاته السياسية دورا فى تغيير الحقيقة أو طمس معالمها أو لوى ذراعها كي تخدم آراءه ومعتقداته، والا يقوم بدراسة موضوع ما وهو عازم مقدما وقبل بدء الدراسة على تحقيق نتائج معينة، بل على المؤرخ أن يضع فكره وثقافته وميوله فى خدمة البحث العلمى والحقيقة التاريخية وحدهما دون تحيز أو مجاملة. وقد يتعرض المؤرخ لشيء من الأذى أو الضرر بسبب صدقه والتزامه وموضوعيته، فعليه الا يأخذ مواقف مضادة نتيجة لهذا الأذى. ولعلنا نجد فى عبد الرحمن الجبرتي هذا النموذج الموضوعى، فرغم ما تعرض له فى عهد محمد على من ايذاء وصلت الى حد اعتقاد الجبرتى بدور رجال محمد على في قتل ولده، لكنه عندما كتب عن محمد على اعطاه حقه، حيث ذكر انه لو اوتى هذا الرجل شيئا من العدالة، لكان معجزة زمانه وفريد عصره وأوانه.
وينبغي أن يكون المؤرخ شجاعا فى التعبير عن رأيه، وفي ذكر ما توصل اليه من حقائق أو نتائج، غير مجامل أو منافق، والا يخفى بعض الحقائق التي توصل اليها، وأن يكون هدفه خدمة الحقيقة التاريخية وحدها. ولعل من الامثلة على تلك الشجاعة التي يتحلى بها المؤرخ ما حدث من محمد شفيق غربال، حيث كان له كتاب بالمطبعة عندما قامت ثورة ٢٣ يوليو ۱۹۵۲، ونصحه بعض أصدقائه أن يسحب أصول الكتاب من المطبعة ليعيد النظر في المواضع التي اثني فيها على بعض مواقف اسرة محمد على حتى لا يغضب قادة الثورة، لكن محمد شفيق غربال رفض ذلك، ولم يقبل ضميره أن يعدل من آرائه وقناعاته ارضاء للسلطة أو تجنبا لأذاها.
على المؤرخ أن يكون ذا قدرة على تصور المواقف التاريخية المختلفة، وأن يحاول الاندماج فى ملابساتها ومعايشة أبطالها، وتبين ذلك المناخ الذى وقعت فيه الحادثة، والعوامل الموضوعية والذاتية التي اذت اليها، وان يتعمق فى نفسية الأبطال والقادة الذين أسهموا بأدوارهم في حركة التاريخ.
ومن الصفات التي يتحلى بها المؤرخ أن يكون مرهف الحس متقد العاطفة، انسانى النظرة، حتى يدرك مشاعر الآخرين ويحس بنوازعهم، ويفهم حقيقة ما كان الأبطال والزعماء يحسون به عندما اقدموا على مواقفهم التي أسهمت في تشكيل حركة التاريخ.
واخيرا فيجب على المؤرخ أن يكون مولعا بعمله، حريصا على خدمة الحقيقة وحدها، غير قاصد من وراء عمله التقرب الى حاكم أو الحصول على منصب، أو وضع التاريخ في خدمة السياسة.
تلك هي اهم الصفات التي ينبغى أن يتحلى بها المؤرخ، وبقدر توفر تلك الصفات فى مؤرخ معين، بقدر نجاحه فى التوصل الى الحقيقة التاريخية وتحليلها وتفسيرها."
رابط تحميل الكتاب
