كتاب علم التاريخ؛ نشأته وتطوره ووضعه بين العلوم الأخرى ومناهج البحث فيه - تأليف د. شوقي الجمل - أونلاين بصيغة إلكترونية ONLINE PDF
معلومات عن الكتاب :
إسم الكتاب : علم التاريخ؛ نشأته وتطوره ووضعه بين العلوم الأخرى ومناهج البحث فيه.
تأليف : د. شوقي الجمل.
الناشر : المكتب المصري لتوزيع المطبوعات.
سنة النشر : 1977م.
حجم الملف : 4.47 ميجا بايت.
صيغة الكتاب : PDFelement (البرامج المقترحة nitro pro, expert pdf).
مقتطف من الكتاب :
"صلة التاريخ بعلم الجغرافية
رأينا أن علم التاريخ فرع من فروع الدراسات الاجتماعية (Thosiology).
ولذا فهو وثيق الصلة بالعلوم الاجتماعية الأخرى - كعلم الاقتصاد، والجغرافيا، وعلم الانسان (Anthropology) وعلم الآثار (Aneology).
وصلة التاريخ بهذه العلوم، وبالعديد من العلوم الأخرى التي سنذكرها تجعل من واجب المؤرخ أن يلم بقدر من هذه العلوم - اذ بدونه لا يمكنه أداء رسالته كباحث تاریخی على أكمل وجه.
والبعض يطلق على هذه العلوم تعبير ( العلوم الخادمة ) أو ( العلومالمساعدة ) (Sciences ancillaires).
فالظواهر الجغرافية كالسطح، والمناخ، والنبات وغيرها عظيمة الأثر في الأحداث التاريخية.
فاذا كانت الجغرافيا تعنى بالأرض وما يرتبط بها. من الظاهرات التي أسلفنا ذكرها فان التاريخ يهتم بالانسان الذي يعيش على هذه الأرض وتؤثر فيه بظاهراتها المختلفة وعواملها المتباينة، كما يؤثر هو فيها. فهي المسرح والانسان هو الممثل الذى يؤدى دوره على هذا المسرح.
ولا تحتاج الصلة بين طبيعة الأرض والعوامل المختلفة المرتبطة بها، وبين حياة وتاريخ من يعيشون عليها للشرح والتفصيل.
ففي السهول الخصبة والوديان كوادى النيل، والدجلة والفرات وغيرها قامت أقدم الحضارات البشرية التي عرفها التاريخ كالحضارة الفرعونية القديمة.. والحضارة الأشورية والبابلية. إن أتاحت هذه الظروف الجغرافية للانسان - فرص الاستقرار وبناء المساكن واستغلال موارد البيئة المختلفة للزراعة أو الرعى أو غيرها. وفي هذه الظروف المهيأة تقدم الانسان في مختلف المعارف والفنون فاستطاع أن يستفيد الى أكبر حد ممكن مما قدمته له الطبيعة من امكانيات، واستطاع أن يتغلب على ما صادفه من عقبات.
هذا بينما نجد. البيئة الصحراوية والبيئة الجبلية بيئات طاردة تدفع الانسان للرحيل وعدم الاستقرار بحثا عن أماكن أكثر خصبا أو موارد أخرى للرزق.
والعوامل الجغرافية المختلفة تؤثر في نشاط الانسان وتشجيعه على العمل، كما تؤثر فى طباعه وأخلاقه ومزاجه وفى شحذ ذهنه أو العكس.
وارتبط تاريخ العديد من الأقطار بموقعها الجغرافي بالاضافة الى المعالم الجغرافية الأخرى، فتاريخ مصر على مر العصور تأثر بموقعها في الركن الشمالي الشرقي من قارة أفريقيا وبسواحلها المطلة على البحرين المتوسط والأحمر، فكان اتصالها مستمرا بالحضارات التي نشأت في حوض البحر المتوسط وعلى سواحله من فينيقية واغريقية ورومانية - كما أن الصحراء الغربية الواسعة هيأت لمصر. دائما حماية طبيعية. فلم تتعرض لجيوش منظمة غازية من هذه الجهات في تاريخها الطويل الا فى مرات محدودة، ولم تنجح هذه المحاولات في الغالب - فحتى فتح الفاطميين لمصر من الغرب لم ينجح الا بعد العديد من المحاولات وبعد استعدادات وتدابير خاصة للتغلب على الصحراء بجفافها. وفي العصر الحديث - رغم كل التقدم العلمي - واجه جيش ( روميل ( فى الحرب العالمية الثانية مصيره المحتوم نتيجة امتداد خطوط تموينه عبر الصحراء القاحلة الشاسعة غربي مصر.
وكان لموقع عصر الفريد وتحكمها في طرق التجارة بين الشرق والغرب عبر البحرين الأحمر والمتوسط - حتى قبل حفر قناة السويس - أثره في ثراء وقوة دولة المماليك الحاكمة فيها - ولما اكتشف البرتغال طريق رأس الرجاء الصالح وتحولت التجارة - مؤقتا الى هذا الطريق الجديد تأثرت بذلك دولة المماليك، وكان هذا العامل الجغرافي من أهم عوامل ضعفها وسقوطها.
وتأثر تاريخ مصر الحديث بهذا الموقع الفريد خاصة بعد حفر قناة السويس - فأصبحت مطمعا للانجليز وهدفا من أهدافهم - كيف لا وهي تتحكم في الطريق القصير المؤدى لجوهرة التاج البريطاني ) الهند (.، وقد حاول بونابرت ضربهم - ليس في بلادهم نفسها بل باستيلائه على مصر وتحكمه في هذا الطريق. ولذا كانت السياسة الانجليزية تجاه مصر طوال القرن التاسع عشر وأوائل العشرين مبنية على هذا الادراك لأهمية موقع مصر الجغرافي.
وكان احتلالهم لمصر عام ۱۸۸۲ وحرصهم - أثناء مفاوضاتهم المتتالية للمجلاء. على الاحتفاظ بقواعدهم في منطقة قناة السويس قائما على هذا الادراك لأهمية منطقة القناة لهم.
وما يقال عن موقع مصر الجغرافي يقال عن مناطق أخرى مماثلة مثل عدن التي احتلتها انجلترا عام ۱۸۳۸، وجبل طارق التي لا تزال تحتلها الى، واهتمامها بعدم سيطرة أية دولة أخرى على مدينة ( طنجة ) التي أصرت رغم اتفاقها الودى مع فرنسا في ١٩٠٤ على أن تبغى دولية. وهناك العديد من الأمثلة يمكن أن تساق لتوضيح أهمية دراسة العوامل الجغرافية لفهم اليوم حقائق التاريخ.
وموقع الجزائر البريطانية نفسها أثر على تاريخها أبلغ الأثر - فظلت بعيدة الى حد كبير عن غزو أعدائها لها في عقر دارها - يقال ذلك عن حروبها مع بونابرت أو حروبها مع هتلر والنازيين - كما كان لهذا الموقع اثره في السيادة البحرية للانجليز فاكتسبت اساطيلهم شهرة واسعة وحرصوا على تحطيم كل منافس لهم في هذا المجال فاغرقوا الأرمادا الاسبانية في ١٥٨٨ كما حالوا دون دخول أية قوة بحرية أخرى منافسة مياه البحر المتوسط والمياه الدافئة الأخرى التي اعتبروا أنفسهم سادتها - فرسموا سياستهم تجاه الدولة العثمانية على أساس ابقاء الأوضاع كما هي عليه حتى لا يشاركهم الروس السيادة في هذا البحر.
ولعبت العوامل الجغرافية الأخرى كالأنهار والجبال وغيرها دورا هاما كعوامل ربط، أو كعوامل لتحديد الحدود بين الدول المختلفة.
ومن جهة الأنهار كعوامل ربط لعل نهر النيل وربطه بين مصر والسودان وغيرهما من أقطار حوض النيل وأثر ذلك في تاريخ هذه الأقطار على مر العصور يعطى أوضح مثل.
ولعل الدور الذي لعبه مناخ روسيا في هزيمة الجيوش الألمانية في الحرب العالمية الثانية اكبر دليل على الأثر الجغرافي في مجرى التاريخ. فرغم أن الروس، كانوا في عام ١٩٤٢ قد فقدوا خلال حربهم ضد الألمان الحقول الغنية بالمحفظة في أوكرانيا، والجهات الصناعية الهامة في حوض الدينير، كما استحوذ الألمان على مناجم فحم حوض الدونتز، وجميع أرجاء شبه جزيرة القرم - ما عدا سيباستبول - لكن حل شتاء روسيا القارس البرد على الألمان وهم يدقون على أبواب موسكو ولينينجراد فاستعصى عليهم فتحها واضطروا المتراجع وانتهى الأمر بالتسليم في ٣١ يناير ١٩٤٣، وهكنه تضافرت الطبيعة على هزيمتهم كما حدث من قبل لجيوشهم في أكتوبر ١٩٤٢ في معركة العلمين التي كانت نقطة تحول في مصير الحرب في ذلك الميدان الحيوى. والعجيب أن يتفق تسليم القوات الألمانية في قطاع ستاليننجراد تماما مع دخول الجيش الثامن البريطاني الذي اكتسح الجيوش الألمانية في الصحراء الغربية - تونس."
رابط تحميل الكتاب
